بينيت… فلتذهبوا جميعا إلى الجحيم… واللي مش عاجبة يبلط البحر
“طز فيكم جميعا”، طز فيكم واحداً واحداً يا فلسطينيين ويا عربا ويا مسلمين ويا أوروبيين ويا أمريكيين”، “واللي مش عاجبه منكم يبلط البحر، أو يشرب من مياه البحر الميت المالحة، ولا يعيش فيها كائن حي”.
هذا هو عمليا فحوى ما قاله يوم الأحد الماضي، رئيس حكومة الاحتلال نفتالي بينيت صاحب اللاءات الثلاثة “لا لقاء مع الرئيس الفلسطيني أبو مازن، ولا مفاوضات سياسية، كالتي يطالب بها أبو مازن، ولا لدولة فلسطينية مستقلة، كالتي يطمح إليها ويعمل من أجلها”.
هذا هو حالنا، إسرائيل تتحدى العالم بأسره ولا أحد يجرؤ على الوقوف في وجهها ويوقفها عند حدها، عدا عن بعض البيانات التي لا تسمن ولا تغني من جوع، سواء كانت بيانات فلسطينية، أو عربية، أو إسلامية، أو أوروبية وأمريكية، وعن بيانات الرفض الفضفاض لقرارات إسرائيل وتصرفاتها وسياساتها وإجراءاتها على الأرض. ولا أحد يجرؤ على تجاوز حدود هذه البيانات، التي لا تتضمن حتى كلمة الإدانة للقرارات والإجراءات الإسرائيلية.
افتتح بينيت الأسبوع الماضي بتصريحات جديدة للتوضيح، لمن لم يفهم أو يستوعب تصريحاته السابقة الواضحة أصلا، بتجديد رفضه لقيام أي كيان فلسطيني مهما صغر حجمه، إذ قال بكل وضوح، ومن دون لف ولا دوران، إن “الحكومة في إسرائيل تعارض بشدة إقامة دولة فلسطينية، وإن إنشاء كيانات شبيهة بالدولة لن ينجح”. وأضاف في مقابلة مع صحيفة “التايمز” البريطانية بمناسبة زيارته لأسكوتلندا للمشاركة في قمة المناخ، التي استقبل خلالها من قبل كل زعماء العالم من بايدن فنازلا، “لا يوجد زعيم واحد مهم في المنطقة، يعتقد أنه من الممكن أن نذهب حاليا إلى عملية تفاوض للسلام”. وتحدث عن تسخين العلاقات وترجمة السلام مع الأردن ومصر لصالح الشعوب، حتى يشعروا بثمار السلام، مذكرا أن السلام في الوقت الحاضر مع تلك الدول بقي على المستويين السياسي والدبلوماسي، ولم يصل للشعوب، وفي اعتقادي أنه لن يحظى بدفء العلاقات مع شعبينا في مصر والأردن، لأنهما أصلا يرفضان التطبيع مع دولة الاحتلال، وخيانة أشقائهم في فلسطين، من دون الحصول على حقوقهم. وما لم يتحقق خلال عقود، لن يتحقق في عهد المستوطن بينيت.
ولم يكتف بينت بهذه التصريحات، التي يفرك بها بصلة حراقة في أعين من لا يعجبهم كلامه، من دون استثناء، بل زاد عليها بخطوات عملية بمواصلة العمل على الأرض للقضاء على أي فرصة أمام حل الدولتين، ومحاولات تهجير الفلسطينيين عبر الاعتداءات التي يمارسها المستوطنون، بحماية جيش الاحتلال ومساعدته ومشاركته اليومية، وعبر الإعلان عن بناء آلاف الوحدات الاستيطانية في الضفة الغربية والقدس الشرقية، وتجريف مقابر إسلامية ملاصقة لجدران البلدة القديمة في القدس المحتلة وتغيير أسماء شوارعها.
في المقابل نرضي نحن غرورنا ونغطي ضعفنا وعجزنا، بإصدار بيانات تتراوح بين الاستجداء والاستغاثة، والتعبير عن الغضب واليأس.. بيانات نطالب فيها الآخرين بإقران الأقوال بالأفعال، رغم أننا لا نفعل ذلك. كفى يا جماعة.. فهذه البيانات والتصريحات لم تعد تجدي نفعا، وحان الوقت لكي نتوقف عن إصدارها وإصدار التهديدات الفارغة، على شاكلة، تحميل دولة الاحتلال المسؤولية عن حياة الأسرى المضربين عن الطعام، وإلا! نعم دولة الاحتلال هي المسؤولة، لكن ما الذي بيدنا أن نفعله لو أصاب مكروه، لا سمح الله، أحد الأسرى المضربين عن الطعام؟ أين هي خططنا واستراتيجياتنا؟ وما هي خياراتنا للرد على الاحتلال؟ وتكررون القول إن “تصريحات بينيت تشكل تحديا للإجماع الدولي وخارجة عنه، وانتهاكا للقانون الدولي، وقرارات الأمم المتحدة الخاصة بالصراع الفلسطيني – الإسرائيلي”، وهل في هذا القول من جديد لا تمارسه حكومة وجيش الاحتلال، وقطعان مستوطنيه يوميا على الأرض؟ وهل هذه الانتهاكات هي الأولى من نوعها؟ وهل توقفت دولة الاحتلال يوما منذ قيامها قبل نحو73 عاما وبعد احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة قبل 54 عاما، عن انتهاك القوانين والشرعية الدولية؟ فقد رفضت حتى الالتزام باتفاق أوسلو، وهي أحد الموقعين عليه، وتحت إشراف الرئيس الأمريكي وروسيا والاتحاد الاوروبي والعالم أجمع، وترفض الالتزام بأي من القرارات الدولية، ومنها القرار2334 في ديسمبر 2016 الذي سمحت بتمريره إدارة باراك أوباما، في أيامها الأخيرة بالامتناع عن التصويت، انتقاما من بنيامين نتنياهو، الذي تجاوزها بتلبية دعوة من الكونغرس لإلقاء كلمة ضد الاتفاق النووي مع إيران.
ونصر نحن على إصدار البيانات، عوضا عن الخطوات العملية لمواجهتها وغياب الاستراتيجيات والمخططات لمواجهة هذه الهجمات المسعورة، رغم أننا نرى فلسطين كدولة وعاصمتها القدس، تتبخر أمام ناظرينا.. نراها وهي تفلت من بين أيدينا شيئا فشيئا. ونصر على ذلك، رغم أننا نرى تصاعد وتيرة البناء الاستيطاني ومصادرة الأراضي وتخريب المزارع والأراضي الزراعية، وأعمال القتل والاعتداءات اليومية التي يتعرض لها الفلسطينيون يوميا، لإرغامهم على الرحيل عن أرضهم، وعمليات التهويد الجارية في المدينة المقدسة، من سرقة للمنازل أو هدمها، وجرف للمقابر الإسلامية واقتحامات وصلوات تلمودية في المسجد الأقصى، المقسم زمانيا تمهيدا لتقسيمه مكانيا. نعم كل ذلك يتم في غياب سياسة فلسطينية واضحة، رسمية كانت أو شعبية، لمواجهتها. واكتفاء جميع الأطراف، ومن دون استثناء من سلطة لحركات و”فصائل مقاومة” وغيرها، بمطالبة دول العالم أن تنصرنا وتقف إلى جانب حقنا، من دون أن ننتصر عمليا لأنفسنا، توازيها تصريحات رنانة وتهديدات جوفاء لا تسمن ولا تغني من جوع، إنما تشكل حافزا للاحتلال على مواصلة سياساته وممارساته على عينك يا تاجر، لغياب الرادع الفلسطيني الحقيقي قبل أي رادع آخر.
إسرائيل واضحة في سياساتها ولا تخفي شيئا، من دون خوف من عواقب، وهذا ما يزيدنا إحساسا بالعجز، فترانا نطلق التصريحات يمينا ويسارا والتهديد بالانتقام. وكلما ازدادت الأوضاع سوءا، نعود للحديث عن توحيد الصفوف، وإزالة الخلافات، من دون أن نحرز خطوة واحدة إلى الأمام، ووضع خطط للمواجهة، ولدينا المقومات لذلك لو سلكنا خيار المقاومة، بكل الوسائل المتاحة وجعلنا الاحتلال مكلفا لا مجانيا.
وأخيرا فإن لم يكن بوسعنا أن نقول شيئا يأتي نفعا على القضية، فعلينا أن نلتزم الصمت فالصمت في هذه الحالة أبلغ من الصراخ والجعجعة والتهديدات والتحذيرات الفارغة والجوفاء، ويعطي مصداقية أكثر لصاحبه. وكما يقول المثل “إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب. فلنفتح أفواهنا عندما يكون هناك شيء ما فيه نفع للمصلحة العامة وفائدة، وإلا فلنبقها مغلقة بالضبة والمفتاح كما يقول المثل.
وسوم: العدد 954