إتلاف المخربين للمرافق العامة في مدينة الألفية وغفلة المسؤولين عن حمايتها وإصلاحها آفة مؤذية ومعرة مخزية
لقد دأب مدير جريدة وجدة سيتي الأستاذ الفاضل السيد الحوسين قدوري مأجورا مشكورا من خلال برنامجه المصور بدون خلفية على كشف النقاب عما يلحق مختلف المرافق العمومية في وجدة ، مدينة الالفية، ومدينة زيري بن عطية رحمة الله عليه من تخريب المخربين لها مع سكوت المسؤولين على ذلك وغيابهم التام وغفلتهم عن حمايتها وإصلاحها .
وبعد حلقات سابقة من هذا البرنامج الهادف الذي لا خلفية له مما قد يساء به الظن ، أو بذهب به بعيدا عن حسن النية والقصد سوى حب الوطن وعشق المدينة والغيرة عليها لفت الأستاذ قدوري بشكل صريح أنظار المسؤولين إلى ما لحق نافورات المدينة من تلف وتخريب ، معرضا بشكل ضمني بالمخربين كما سبق أن نبه في حلقات سابقة إلى التلف والإهمال اللاحق بحدائقها ومساحاتها الخضراء .
ولقد وجدتني كالعادة أشاطر الأستاذ قدوري الرأي في التنديد بظاهرة تخريب المرافق العامة ، وهو ما ألزمني بواجب تحرير هذا المقال دعما للفيديو المصور الذي نشره عن تلف وإهمال النافورات مع أنه كاف وشاف، لأن من يسمع ويرى ليس كمن يقرأ .
من المعلوم أن النافورات تعد مظهرا من مظاهر التحضر عند الأمم المتحضرة ، والأمة الإسلامية بفضل الله عز وجل عليها بنعمة الإسلام الذي هو البوابة الواسعة لولوج مراقي الحضارة الإنسانية الراقية تولي أهمية قصوى لها حتى أنها زينت بها مساجدها ، فضلا عن الفضاءات العامة والخاصة ، وتشهد الحضارة الإسلامية في الأندلس والمغرب عبر التاريخ الإسلامي على ذلك بآثار باقية خالدة ، ولا زالت شعوب المعمور قاطبة تزور بشغف كبير معالم تلك الحضارة الزاهية المعبرة عن رفعة الذوق الإسلامي الراقي .
ومعلوم أن معظم مساجد المغرب العتيقة تزخر بنافورات في ساحاتها ، ومن أقدم المعالم الحضارية في مدينة الألفية مسجدها الأعظم الذي توجد في ساحته نافورته الشهيرة التي تمثل جزءا من عبادة الصلاة اليومية حيث يتحلق حولها رواد المسجد للوضوء ، وفي نفس الوقت تتملى أعينهم بمنظرها الجميل وهي تضخ مياهها بشكل بديع . ولا شك أن فكرة تزيين مدينتنا بالنافورات في الأماكن العامة وحتى الخاصة هي من وحي الحضارة الإسلامية التي تجلت في بيوت الله عز وجل وهي أشرف وأقدس الأماكن على الإطلاق ، وخير بقاع الأرض . ومعلوم أن انتشار النافورات في مدينتنا والعناية بها يعطي انطباعا لمن يزورها أن ساكنتها ساكنة ذات ذوق حضاري رفيع ، بينما تعطيلها وتلفها وإهمالها يعطي انطباعا سيئا عن سقم هذا الذوق وعطله .
ومما يدعو إلى الأسف والأسى العميق أن جوهرة زيري بن عطية رحمة الله تعالى عليه تعاني كثيرا من آفة تخريب مختلف مرافقها العمومية من شوارع، و وطرق ، وأزقة، وساحات ،وحدائق، ومساحات خضراء... وهو تخريب لا تسلم منه حتى المرافق الخاصة كواجهات المنازل المزينة بأزهار وورود وشجيرات أو أشجار. ولقد أصبح ذهنية تخريب هذه المرافق هي السائدة والمهيمنة في مدينتنا ، وفي مختلف مدن البلاد ،وهي الأصل بينما الاستثناء هو المحافظة عليها ، وأصحابها وهم من مختلف الأعمار والشرائح الاجتماعية، يقدمون على تخريبها عن عمد وسبق إصرار وبسخرية وهزل وتندر ويقر بعضهم بعضا على ذلك تشجيعا وكأنهم يلحقون الأذى بعدو لدود .
ومن مشاهد تخريب المرافق العامة والخاصة المعتادة يوميا أن المخربين يلقون بكل ما في أيديهم من علب المأكولات وأسطوانات أو قنينات ما حلّ من المشروبات وما حرم من مسكرات ، وأعقاب السجائر ، والمنادين الورقية ، والأكياس البلاستيكية على اختلاف أنواعها وأحجامها ، وما تقذف أفواههم من تفل وبصاق ومخاط ... إلى غير ذلك من أنواع الأذى التي نصت الشريعة الإسلامية على إماطته من الطريق ، وجعلتها ممارسة إيمانية تعبدية يؤجر عليها فاعلها . ولم يعد ينفع مع انتشار هذا الأذى المستفحل عمل عمال النظافة المكلفين بكنس الشوارع والطرقات ،وهم يعذبون يوميا عذاب سيزيف ، الشيء الذي يقل من عزائمهم ، فيصيبهم الملل مع مرور الزمن من تنظيف الشوارع والطرقات التي لا تمضي عليها لحظات قصيرة بعد كنسها حتى تعود إليها الزبالة كما كانت أو أكثر .
أما طريقة التخلص من الزبالة اليومية ، فحدث عن آفتها ولا حرج ، ذلك أن جلها يوضع في أكياس بلاستيكية أو دونها ، وتطرح على أرصفة الشوارع بأنانية مفرطة حيث يضعها معظم سكان الحي الواحد أو الشارع الواحد قبالة أبواب يعض جيرانهم دون خجل أو حياء لتعبث بها القطط والكلاب الضالة ، وكذا البشر الباحث عن علف الماشية والدواب أو الباحث عما يكسب به دريهمات من سقط المتاع أو غيره مما يفضل عن الناس من زبالة ، فتبعثر لتزيد من متاعب عمال النظافة . أما التعامل مع حاويات الزبالة مع قلتها ، وعشوائية توزيعها في الشوارع والطرقات ، فيعبر عن اللامبالاة والتخلف السائد في مدينتنا حيث لا يلقي بعضهم زبالتهم بداخلها بل يلقونها حواليها ، وحتى تلك التي تكون داخلها تستخرج منها ، ويفحصها أصحاب الدواب وقطعان الماشية التي تربى في مدار حضاري مع الأسف الشديد، وهي ترعى في الشوارع والطرقات والساحات العمومية ، وتتخذ من مساحاتها الخضراء مراتع ، فضلا عن واجهات المنازل حيث الشجر أو النبات . وشر البلاء هو تحويل كل بقعة أرضية غير مبنية إلى مطرح للزبالة من أتربة ومخلفات مواد البناء ، والزبالة المختلفة ، وهي تسد أيضا مسد المراحيض حيث يستعملها بعض السابلة المجاهرين بقلة الحياء ممن لا وازع الدين يمنعهم ولا ضمير من التبول والتغوط فيها .
ومن مشاهد التخريب المؤسف أيضا إلحاق الأذى الكبير بالشوارع التي لا يخلو واحد منها من حفر وأخاديد كثيرة ، ذلك أن من يحفرونها لأغراضهم الخاصة لا يصلحونها بعد قضاء وطرهم منها بسبب أنانية مزمنة لديهم ، وتتحول هذه الحفر والأخاديد إلى برك بعد هطول الأمطار ، وتتسع أحجامها بفعل حركة المرور ، ويتحول بعضها إلى مستنقعات نهت عنها الشريعة الإسلامية لما فيها من خطورة على صحة الناس .
ومن مشاهد التخريب المؤلمة أيضا ما يقع على الطبيعة النباتية من عدوان صارخ ففضلا عن اتخاذ المساحات الخضراء حيثما وجدت مراع من طرف رعاة المواشي ، فإن الأشجار على جانب الشوارع لا تسلم كل لحظة من أيد آثمة تمتد إليها للعبث بأوراقها وإلقائها أرضا أو كسر بعض براعمها أو أغصانها ، وتسد هي الأخرى عند بعض المتهورين مسد المراحيض مع أن الشريعة الإسلامية تشدد في النهي عن قضاء الحاجة أو التخلي في ظلها. ولا تسلم الممتلكات الخاصة المعشوشبة من عدوان المعتدين على نباتها وشجرها رعاة كانوا أوعابثين أولصوصا ، وغالبا ما يعاين هؤلاء المارة وهم يسطون على ثمر الأشجار المثمرة وقد تسوروا أسوار منازل الناس عنوة .
وفي غياب الحراسة والرقابة على السلوكات المنحرفة وعلى رأسها آفة تخريب الممتلكات في الأماكن العامة والخاصة ، استفحل أمرها ، وصارت في عرف المخربين سلوكا طبيعيا وعاديا ، وصار من ينهى عنها موضوع سخرية واستهزاء إذا كان سعيد الحظ ،أما إذا ساء حظه فإنه قد يعاقب ، وأقل عقاب يواجهه هو الشتم والسب بكلام ساقط ، وقد يرتقي العقاب إلى الاعتداء الجسدي عليه وهو يذود عما في حماه وحوزته من مرافق سواء كان ذلك نباتا أم جمادا .
ومع يقين المخربين من غياب الرقابة والمساءلة والمحاسبة عن تخريبهم ، وغياب المسؤولين عن ممارسة هذه المسؤولية أوإهمالهم لها يتمادون في غيهم وتخريبهم بأسلوب سادي مستهجن.
وعود على بدء نثمن صرخة الأستاذ الكريم السيد الحوسين قدوري الصادقة وبدون خلفية سوى خلفية الغيرة على مدينتنا من أجل تدارك سريع لما آل إليه وضع نافوراتها المنكوبة وغيرها من المرافق العامة آملين أن تجد آذانا صاغية لدى من يهمهم الأمر ، ونغتنم هذه الفرصة لتنبيههم إلى كل ما تضمنه هذا المقال من إشارة إلى آفة تخريب الممتلكات العامة والخاصة وبدون خلفية أيضا سوى خلفية الغيرة التي حركت أخينا الفاضل الأستاذ قدوري .
وبقي أن أنبه من أوكل إليهم أمر الشأن الديني في هذه المدينة من علماء وخطباء ووعاظ إلى التركيز في دروسهم ووعظهم التي لا زالت لحد مغيبة بسبب الجائحة باستثناء خطب الجمعة على إحياء فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في نفوس الناس وإشعارهم بأنها واجبة على الجميع كل واحد من موقعه مع تسليط الضوء على قضايا الواقع المعيش التي منها ظاهرة تخريب الممتلكات العامة والخاصة عوض الانشغال بمواضيع الرقائق التي تداعب القلوب دون أن تصحح أو تعالج ما بها من أمراض مزمنة خطيرة هي السبب وراء شيوع ذهنية التخريب على أوسع نطاق .
وما دامت الجهة المسؤولة عن الشأن الديني تتخوف من طرق الخطباء والوعاظ في خطبهم ومواعظهم ما له علاقة مباشرة بالواقع المعيش لتصحيح ما يطرأ عليه من آفات سيئة وخطيرة عملا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتكميم أفواههم أو إقصائهم إذا ما جاهروا بكلمة حق لإزهاق باطل ، وإلزامهم بالسكوت على ما لا يحسن السكوت عليه من إنكار المنكر والنهي عنه ، والدفع بهم في اتجاه إنفاق الوقت وتخصيص المواعظ والخطب فيما لا يمت بصلة إلى الواقع المعيش ولا يجدي نفعا بل يكرس تكليس العقول وتخديرها لصرفها عن الأهم إلى ما هو دونه أهمية أو بلا أهمية أصلا مما صار الناس يأنفون من سماعه ، ويستثقلونه ، ويستعجلون الصلاة للانصراف ساخطين منتقدين استخفاف الخطباء بعقولهم ، وهم يدارون الجهة المسؤولة عن الشأن الديني خوفا من عقابها والتي لا تتردد في نكبة من يقدرون جسامة مهمتهم التي سيسألون عنها بين يدي الله عز وجل يوم القيامة . اللهم إني قد بلغت فاشهد .
وسوم: العدد 954