ماذا لو انتصر مجرم الحرب وداعموه
ومشروعهم: من بحر قزوين إلى خليج العرب 2
زهير سالم*
من اغتيال الوزير شلح في لبنان إلى لعبة بابك ( الخرمي ) على الأرض التركية ، إلى كل مكان ستمتد إليه أذرع الأخطبوط الذي حصل على دفعة دعم أمريكي على الحساب ؛ سيوضع شعار ( من بحر قزوين إلى خليج العرب ) موضع التنفيذ . وإذا كان الصهاينة قد اكتفوا في تنفيذ شعارهم من الفرات إلى النيل في الركون على حكام مهادنين أو موطّئين مثل حسني مبارك وحافظ وبشار الأسد ؛ فإن أصحاب مشروع من بحر قزوين إلى خليج العرب لن يقبلوا إلا بالوطأة الهمجية على الرؤوس والجباه . وأن تؤخذ شعوب المنطقة بالنواصي والأقدام .
إن ما تشهده المنطقة وشعوبها في سورية ولبنان والعراق والبحرين واليمن وأفغانستان واليوم في تركية ما هو إلا بداءات الحرب المبيرة التي ستدخل بعد انتصار مجرم الحرب وداعموه الطائفيون في سورية – إن حصل لا قدر الله – في طور آخر من حيث أساليبها وأدواتها ومن حيث انتشارها وامتداداتها ، ويا ليت قومي يعلمون ..
إن الاستراتيجية الاتقائية الواجفة التي بنى عليها حكامنا ، ( الهينون اللينون ) مع الآخر ، سياساتهم ستفضي بنا وبهم ، إن أصروا عليها ، إلى أن نكون و يكونوا نُهبى لغزو و لاحتلال صفوي قومي ومذهبي إحلالي واستيطاني يفوق ببشاعته كل البشاعات التي صدرت عن بشار الأسد وفصيلته حتى اليوم ، ولن نقول يفوق كل البشاعات التي صدرت عن بني صهيون فقد تفوق الأسد وفصيلته وداعموه على الصهاينة في كل مداخل الشر ومخارجه . ولقد تعودنا من فصيلة الشر هذه أنها بعد أن تتمكن تكون شرا مكانا وأكثر قسوة وأبلغ همجية منها عندما تستشعر أن أمامها من يناضل ومن يقاوم . إن الغرائز السادية المتأصلة في نفوس سليلي القماءات والعاهات التاريخية لا تستشعر الإشباع و الارتواء إلا من جسد ضحية بريء وضعيف . وانظروا إليهم إذا شئتم عندما ينفردون بقرية كيف يفعلون بأطفالها قبل رجالها ...
إن الدارس لتاريخ حركات التمرد على محور بحر قزوين – خليج العرب في أثوابها : العقائدية والمذهبية والقومية والاجتماعية ، يدرك أن التعامل مع هذه الحركات ( السبأية – المزدكية - البابكية – والقرمطية – والخرمية - والحشاشية ....) لم ينجح يوما إلا على استراتيجية : النعل و العقرب . وأن هذه العقرب ما غاب عنها النعل للحظة إلا كانت مستعدة لتعلن عن نفسها تحت شعار : حب الأذية من طباع العقرب .
إن التواري عن المشهد والانكفاء على الذات لن يمنح الخلاص لمن ينشده من شعوب أمتنا ومن حكامها . بل سيضعه على قائمة المنتظرين للدور في الذبح كما كان الحال يوم كان التتري يصف من أبناء الأمة الأربعين ويأمرهم بالانتظار حتى يحضر السيف ليذبحهم ( بالسرا ) أجمعين ..
كل الصادقين من أبناء الأمة من ترك وعرب وكرد يستشعرون الخطر اليوم من المؤامرة على الديمقراطية في تركية . ومع أن بعضهم ينخرط على غير وعي فيها إلا أن أحدا لا يستطيع أن يغفل عن دور بابك الإيراني فيها وعن علاقتها الوثيقة بما يجري على الأرض السورية وعن تأثيرها على الثورة السورية .
لم تنفع أردوغان زيارته المبكرة أو المتأخرة إلى طهران. ولم ولن يشفع له ولا لحزبه ولا لجماعة النور ولا لحزب السعادة ولا لأي تركي أن يتأوه أو يتكسر أو يستجدي التردد والاستعطاف :
لقد سمع النسر نوح الحمام ...فلم يعف عنها ولم يغفرا
بل انقض ظلما ليغتالها ... وأنشب في نحرها المنسرا
فكيف إذا كان النسر بوما مشؤوما أو غرابا غريبا محموما ؟!
. لقد كان مصير المستعصم آخر خلفاء بني العباس الذي ساقه إليه ابن العلقمي هو أن يوضع في ( جوال ) وأن يداس بالأقدام حتى الموت . وهذا هو المصير الذي ينتظرنا جميعا من بحر قزوين إلى خليج العرب فيما لو انتصر مجرم الحرب القاتل المبير .
كتبت مرارا مقترحا على الأتراك حاثا لهم أو مستبطئا دورهم ولامني العديدون بعضهم عصبية عمياء وآخرون قالوا : هل تريد من أردوغان أن يخوض الحرب عن الشعب السوري ؟! كانت العصبية مقيتة ، وكان السؤال مبسطا وساذجا ويفتقد لأي رؤية سياسية لأنني اعتقدت ولا زلت أعتقد انه كان على أردوغان كما على كل قائد أو زعيم عربي على محور / بحر قزوين - خليج العرب / أن يبادر إلى الدفاع عن وجوده ، عن موضع قدميه بمبادرة يحدد مكانه في الحرب التي تدور على أرض الشام . على أرض الشام اليوم يتم الدفاع عن كابل وعن اسطنبول وعن أنقرة وعن صنعاء وعن مكة وعن مدينة رسول الله وعن أبوظبي وعن الكويت وعن قطر وعن البحرين ..
ومن يحسم هذه الحرب على أرض الشام هو الذي سينتصر في الغد في كل هذه العواصم بل سينتصر أيضا في بغداد وفي بيروت وفي طهران وفي القدس والأقصى ..
كان على جميع قادة الأمة وعلى رأسهم أشقاؤنا الأتراك أن يكونوا وسط المعمعة كما كان قاسم سليماني بالضبط وكما كان حسن نصر الله بالصوت الجهوري ينادي : حربنا ... معركتنا ... نصرنا ... وجودنا . أن يكونوا هناك الخندق بالخندق ، والمقاتل بالمقاتل ، والبندقية بالبندقية والمدفع بالمدفع ، والطائرة بالطائرة . ولا أريد – تفاؤلا - أن أتذكر قول الأم العربية الشريفة لابنها : ابك مثل النساء ملكا مضاعا لم تحافظ عليه مثل الرجال . أقول لعله ما يزال هناك أمل ولا يزال في القوس من الفرصة منزع .
* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية