عن ملابسات الثورة (2)
إضافة لما سبق (الجزء الأول) لا بدّ من الإشارة إلى أنّ فريق من التيّار الثوري حمّل رموز الثورة مسؤولية ما جرى على إثر ما جرى من ترذيل للمشهد البرلماني وانقلاب قيس سعيّد على الثورة ومكتسباتها. وكانت المآخذ تتمحور أساسا حول نقطتين اساسيتين :
النقطة الأولى : أنّ رجال الثورة لم يمسكوا بمقاليد السلطة بقبضة من حديد عندما استقام لهم الأمر بعيد انتخابات 2011، بعصا من حديد. فهم لم يزجّوا بالمفسدين في السجون. ولم يعملوا على اقتلاع الفساد وتطهير البلاد من الفساد والمفسدين منذ البداية وبوتيرة تصاعدية. والحقيقة، في اعتقادي، أنّ الفساد لم يكن بارزا ومتجسّدا في شخص أو في نفر قليل من النّاس. حتّى إذا تخلّصنا منهم جميعا تمكّنّا من التخلّص من الفساد كلّية. حيث أنّ ظاهرة الفساد قد استشرت وتسرّبت إلى كلّ الفئات وإلى كلّ مناحي الحياة. والفساد لا يمكن اقتلاعه بجرّة قلم أو بإجراء معزول. فشعب أغلبه (90 %) موسوم بقلّة الوعي ومنخرط في الفساد بشكل أو بآخر (نتيجة حتمية لسياسة تجفيف المنابع) لا يمكن حكمه بالقوّة والشدّة. فسياسة الشّدّة والحزم وأخذ الأمور بقوّة لا تصلح إلاّ عندما تكون موجّهة من الكثرة المصلحة تجاه القلّة المفسدة وليس العكس. فلو سلكت حكومة الثورة سياسة متشدّدة تجاه المفسدين(أو بالأحرى تجاه الشعب المفسد في أغلبه الأعم) لكانت أوّل ردّة فعل المنظومة القديمة والثورة المضادّة في أول ردّة فعل لها أشدّ وأقسى. ولدخلت البلاد في حرب أهلية لا يمكن أن يتحمّلها الشعب بحال من الأحوال. فالفضل في بقاء الثورة حيّة إلى اليوم يعود إلى سياسة المرونة المنتهجة تجاه الثورة المضادة.
النقطة الثانية : أن رجال الثورة لم يتمكّنوا من كشف الانقلابيين (من أمثال قيس سعيد) ولم يتمكّنوا بالتّالي من فضحهم في الوقت المناسب قبل الانتخابات. والحقيقة أنّ قيس سعيد لم ينجح بإمكانياته الخاصّة وإنّما بتغلغل مخابراتي وبصفحات مأجورة من الدّاخل والخارج(بشهادة دائرة المحاسبات). والمخابرات الأجنبية لا تضع كلّ بيضها في سلّة واحدة. وإنّما تعوّل على عدّة وجوه. فإن اكتشف أمر أحدهم ظهر آخرون. ولو عدنا إلى قراءة قائمة المرشحين للرئاسة لسنة 2019 فإنّنا نستخلص أنّنا إذا استثنينا أربعة مرشحين(عبد الفتاح مورو وحمادي الجبالي والمنصف المرزوقي وسيف الدين مخلوف) فإنّ بقية المرشحين (من 27 مترشّح) لم يتخرّجوا من رحم الثورة والنّضال والمعاناة. وبالتّالي فهم غير مؤهلين لتحمّل ضغوط الدولة العميقة والمنظومة القديمة والتدخّلات الأجنبية. وبالتّالي فإنّه لو لم يحل قيس سعيد لحلّ مكانه شبيهه لأنّ المرشّحين الذين لهم قابلية للانخراط في توجّهات الثورة المضادة والمخابرات الأجنبية يمثلون نسبة 85 % من مجموع المرشّحين. وهي تقريبا نفس نسبة قلّة الوعي بأمور السياسة لدى الشعب التونسي. فلو ترشّح عبد الفتاح مورو للدور الثاني (صحبة نبيل القروي أو قيس سعيد) لما فاز بالرئاسة. فبقدر ما تكون درجة وعي الشعب بقدر ما يكون محصّنا ضدّ التدخلات الأجنبية في اختياراته.
وسوم: العدد 956