الإمارات والتطبيع المزدوج مع الأسد والمحتل
أبرز ما طرأ من تغيير في المشهد العربي، الموازي لارتكاب النظام السوري لجرائمه بحق الشعب السوري، السعي الحثيث من قبل أطراف عربية، لمد جسور التطبيع مع الاحتلال الاسرائيلي، في ذروة تقديم نظام الأسد لسجل ” انتصاراته” بجرائم حرب على المجتمع السوري، بأن اتخذ محور التطبيع العربي مع المؤسسة الصهيونية، إقامة جسرٍ موازٍ للتطبيع مع نظام الأسد، واحتفاء إعلام دمشق عن بداية “انفتاح عربي” في زيارة وزير خارجية الإمارات، كان لها صدى سابق في تل أبيب، عند توقيع عبد الله بن زايد لاتفاق التطبيع بينه وبين بنيامين نتنياهو والتي سميت ” اتفاق أبراهام” بمشاركة البحرين والمغرب وبمباركة الإدارة الأمريكية السابقة في عهد ترامب، جرى الحديث عن “بداية انفتاح عربي” على المؤسسة الصهيونية، كرسته أبو ظبي بتوقيع سلسلة من الاتفاقات غير المسبوقة بمنح الدعم لقادة المستوطنات الإسرائيلية، وتسهيل وصول بضائعها للأسواق الإماراتية، فضلاً عن توقيع سلسلة من الاتفاقات الأمنية والتكنولوجية والمالية التي تدعم المؤسسة الصهيونية وقوتها الاستعمارية، لتشديد قبضتها على المناطق المحتلة في فلسطين.
التطبيع الإماراتي مع نظام بشار الأسد، خطوة في الاتجاه المعاكس لمسيرة العداء الذي يسلكه قادة الإمارات، ضد مصالح الشارع العربي، أو دورها في ملفات دعم الثورة المضادة في اليمن وليبيا وتونس وسوريا ومصر وفلسطين والسودان، وشيطنة كل القضايا على رأسها القضية الفلسطينية بتجنيد الأبواق الإعلامية وغيرها، بالهجوم على قضايا التحرر وإقامة حلف مع الأنظمة المستبدة، ووسم كل الانتفاضات العربية بالإرهاب، هو التقاء عند خط المصالح المشتركة، التي تجمع بعض النظام الرسمي العربي ومطبِّعيه مع المؤسسة الصهيونية، لإحداث مزيد من التماسك والتلاحم فيما بينهم، بعد الهزة العنيفة التي تعرضت لها صورة النظام العربي أثناء الثورات ليبقى السؤال المدوي عن مصلحة وفائدة التطبيع سواء المتعلق بالمؤسسة الصهيونية ومحاولة مسح جرائمها، ودعمها بمختلف المشاريع، أو بين منظومة الاستبداد والقمع العربي فيما بينها؟
الاجابات صارخة أيضاً ومدوية، مع كل يوم يمر، لم تعد معها الديباجات العربية تنفع لستر ثقوب الاهتراء لسياسة عربية منبطحة أمام الاحتلال وأمام نفسها، وكل الأعذار والتبريرات التي سيقت عن محاصرة وتمدد النفوذ الإيراني ومنع الإرهاب، تبين القصد من ورائها محاصرة وإجهاض آمال المجتمعات العربية من التحرر بإسقاط الاستبداد ونيل المواطنة والكرامة. صحيح أن فكرة “الممانعة والمقاومة” مرغ أنفها نظام الأسد مع حلفائه في موسكو وطهران، وسقطت عند تخوم المدن والقرى والبلدات السورية، لصالح شعارات قدرة “الممانعة ” على هزيمة ” التكفيريين والإرهابيين”، لكن ماذا عن الشعارات الكبرى التي تستر بها هذا الحلف ” بشأن التطبيع”، لا يهم في كل ذلك سوى أن يبقى نظام الأسد ومنظومته الباطشة للمجتمع السوري قائمة على نفس الركائز، التي يتسلح بها محور التطبيع مع المؤسسة الصهيونية، ولكل محور له ما يشاء لإطلاق تسميته، فالنتيجة واحدة لهدف مشترك.
في كل العواصم العربية، التي تخوض معركة دحر الثورة المضادة، يحضر فيها التطبيع مع المؤسسة الصهيونية منقذا لكرسي الحاكم العربي. ومن سوتشي التي همس فيها بوتين بأذن نفتالي بينت لتوسيطه عند الإدارة الأمريكية لتخفيف الضغوط عن نظام الأسد، تكتمل الأدوار على مسرح الأحداث، تل أبيب بوصلة “البقاء” للحاكم العربي، وللأخير ترسانة عسكرية وأمنية بوصلتها الجسد العربي، تظهر عليه ملامح انتصار ممانعة الأسد. في أبو ظبي لا يكفي الاحتفاء بالطقوس التلمودية في الإمارة السعيدة بالتصهين، فالتطبيع مع الأسد ينتظر احتفالات راقصة في ساحة الأمويين، نعم “انتصر” المشروع الأسدي لسوريا الأنحف والأنظف دون ملايين السوريين، والدعوات أخيراً للتطبيع مع الأسد، وعودته لحضن الاستبداد العربي في جامعته الشكلية الباحث معظم أنظمتها، عن طرق الوصول لتل ابيب ودمشق، لم يطرأ عليها جديد، والمتغير الوحيد والباقي في السنوات الماضية واللاحقة هزيمة كل الشعارات التي تعني “الممانعة والمقاومة”
أخيراً، تطبيع الإمارات مع المؤسسة الصهيونية، أو مع نظام قائم على المذابح في دمشق، سيكون بمقدوره تعزيز الاستيطان وتوفير حماية عربية له، وسيدفع بتعزيز صمود آلة القتل والدمار لنظام الأسد، لكن في المجمل لن يغير الوقائع ولا التسميات مهما أطلق عليها المحتلون والمستبدون من تزوير، رغم ما يبديه الطاغية والمحتل من قوة وجبروت، إلا أنه لا يدرك أن نقطة ضعفه الكبرى، تكمن في شوارع عربية تمتلك الإرادة والتاريخ والحضارة لمواصلة الصراع حتى سقوط الطاغية والمحتل مهما طال الزمن.
وسوم: العدد 956