فلسطينيون في لبنان كقضية للتلاعب السياسي

في آب/ أغسطس 2010 أقر مجلس النواب اللبناني بضعة تعديلات على قانون العمل تساوي الفلسطينيين، المقيم أغلبهم في البلاد منذ عام النكبة، 1948، بـ«العمال الأجانب» فسمح لهم ب«ممارسة بعض المهن» لكنه أبقى قطاعات كبرى من مجالات العمل محظورة، بينها العمل في القطاع العام، وفي الطب والهندسة والمحاماة والتعليم، وما يتفرع عن تلك المجالات.

ممنوع على اللاجئين الفلسطينيين، ممارسة طب الأسنان والبيطرة والعلاج الفيزيائي وصنع النظارات أو بيعها، والصيدلة، والتمريض، والقبالة، وإدارة المختبرات الطبية، والختان، والرقابة الصحية، والعمل بمجال الصحة، وتدريس علوم طبية (كالتغذية مثلا) وملكية مستشفى الخ، وتمتد قائمة الممنوعات حتى تصل إلى مئات المهن وبدرجة متناهية في الغرابة الأقرب إلى السخف، بحيث يمنع على الفلسطيني أن يمتلك لوحة عمومية لحافلة أو سيارة أجرة، أو يكون بائع خضار، أو خياطا، أو موظف تمديدات كهربائية، أو حلاقا، أو طباخا، أو ميكانيكيا، أو أمين مستودع الخ.

يمثّل الشباب القسم الأكبر من مكونات المجتمع الفلسطيني في لبنان الذي يبلغ عدده عشرات الآلاف، حيث تشكل الفئات العمرية من 19 إلى 35 عاما نسبة 63 في المئة من مجموع اللاجئين الفلسطينيين، وهذا يعني أن مجمل الفلسطينيين في لبنان هم من مواليد هذا البلد. وإذا أزحنا التجاذبات السياسية لملف الجنسية، سواء جاءت من الجانب الفلسطيني الذي لا يريد أن يفرط في حقوق عودته إلى فلسطين، أو من الجانب اللبناني، الذي يرفض «توطين» الفلسطينيين، فإن موضوع العمل، هو جزء لا يتجزأ من الحقوق المدنية لمن ولدوا على الأرض اللبنانية.

أعاد وزير العمل اللبناني الحالي، مصطفى بيرم، والمحسوب على «حزب الله» أول أمس، إثارة الجدل في هذا الملف المخجل بإصداره قرارا يستثني فيه الفلسطينيين (المولودين في لبنان والمسجلين في سجلات الداخلية والبلديات) وفئات أخرى، منها الأجنبي الذي والدته لبنانية أو متزوجا من لبنانية، وحملة بطاقة مكتومي القيد، من الحظر المذكور السابق على ممارسة الفلسطينيين للمهن.

بعد التقريظ الذي ناله الوزير المذكور، وظهوره على قناة «الجزيرة» للحديث عن قراره، خرج المكتب الإعلامي لوزارته لينفي «ما أشيع من تحريف يتعلق بالعامل الفلسطيني» وليؤكد أن «ما كان ممنوعا ومحظورا في القوانين والمراسيم والأنظمة والنقابية وغيرها، ما زال ممنوعا وهو باق على حاله. وأن ما سمح به الوزير هو توسعة لنسبة العمالة الفلسطينية فقط وضمن ما تتيحه القوانين من صلاحيات الوزير حصرا، وبالتالي فإن كل ما أشيع خلاف ذلك هو محض افتراء وتسرع وقلة مهنية».

أما جبران باسيل، صهر رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون، وأمين عام «التيار الوطني الحر» فقد خرج بتغريدة يقول فيها إن قرار بيرم «مخالف لقانون العمل وللدستور، وهو توطين مقنع ومرفوض» داعيا النقابات لكسر القرار و«عدم التزامه» مهددا بأن «هذه القضية لن تمر»!

يعتبر باسيل حاليا رئيسا لأكبر تكتل نيابي مسيحي في لبنان، وكان قد شغل مناصب وزير الاتصالات ووزير الطاقة ووزير الخارجية والمغتربين، وهو يلعب مع حليفه «حزب الله» دور صانع الحكومات، غير أنه أيضا مشمول بعقوبات أمريكية «لدوره في الفساد في لبنان» حسب قانون ماغنيتسكي، الذي يحارب الفساد والانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان، وقد شارك، حسب قرار العقوبات، في مشاريع من شأنها توجيه أموال الحكومة اللبنانية إلى أفراد مقربين منه «من خلال مجموعة من الشركات الواجهة» وهو «مسؤول أو متواطئ، أو تورط بشكل مباشر أو غير مباشر في الفساد، بما في ذلك اختلاس أصول الدولة، ومصادرة الأصول الخاصة لتحقيق مكاسب شخصية، أو الفساد المتعلق بالعقود الحكومية أو استخراج الموارد الطبيعية أو الرشوة».

موضوع عمل الفلسطينيين، ضمن هذا السياق، متداخل مع حقوق اللبنانيين أنفسهم الذين قامت المنظومة السياسية بإفقارهم وقمع انتفاضتهم ضدها، وبالتالي فإن ادعاء باسيل الدفاع عن عمل اللبنانيين ضد الفلسطينيين ليس إلا تعمية على دوره الكبير في نهب البلد لصالح النخبة الفاسدة المتحكمة، أما موقف وزير العمل فيبدو ضمن التلاعب السياسي الدارج بقضايا الفلسطينيين، والذي تغيّر من دفاع عنهم في اليوم الأول، إلى إنكار أقواله في اليوم الثاني.

وسوم: العدد 959