انتشار ظاهرة الكدية الرقمية وآثارها السيئة في مجتمعنا المغربي
مما يثير اشمئزاز الناس عادة انتشار ظاهرة الكدية أو الاستجداء أو التسول في الشوارع والطرقات والأسواق والمساجد ... وغيرها من الأماكن العامة والخاصة ،والعبارة التي لا يوجد أحد في المجتمع إلا ويتفوه بها هي : " لقد كثر المتسولون في مجتمعنا" ،وقد تثير هذه العبارة أحاديث تطول أو تقصر حول ظاهرة التسول التي تصنف بأنها مع أقدم الحرف كالبغاء في المجتمعات البشرية والتي هي مهنة من لا مهنة له .
ومعلوم أن تعاطي التسول قد تولدت عنه سلوكات منحرفة تتمثل في لجوء من يتعاطونه إلى أغرب الحيل من أجل التأثير في الناس لحملهم على العطاء بسخاء. ولم تعد الكدية مهنة المحاويج فقط بل احترفها غيرهم ممن لا يعانون من فقر أو فاقة لأنهم وجدوا فيها مصدر دخل مهم سهل يحصلون منه على ما لا يحصّل بالأعمال والحرف والتجارة والوظيفة .... ولقد صارت الكدية تحسب نوعا من أنواع التجارة لما تدره من أرباح مجانية لا تكلف من يزاولونها جهدا أو عناء.
وإذا كان الناس ينتقدون التسول التقليدي، ويزدرون من يمتهنه سواء أحوجته الحاجة إليه أو خاض غماره وهو غير محتاج طمعا في الكسب الميسر ، فإنهم في المقابل لا يلتفتون بالا إلى نوع جديد من الكدية التي انتشرت انتشارا على أوسع نطاق لأنها تمارس رقميا ، وقد ساعد على انتشارها التطور الذي يعرفه مجال تطور تكنولوجيا التواصل الرقمي .
وخلافا للعبارات التي يستعملها من يحترفون التسول التقليدي ، فإن عبارة التسول الرقمي تختزلها جملة " إذا اعجبك الفيديو ،فاضغط على زر الإعجاب فضلا وليس أمرا " ، وهي عبارة تعدل عبارات الاستجداء التقليدي كقول بعض المتسولين : " تصدقوا عليّ فضلا منكم " ، وهي عبارة أبلغ في التعبير عن مذلة السؤال من عبارة المتسولين الرقميين الذي يضيفون عبارة : " ليس أمرا " إلى كلمة " فضلا " وكأنهم يريدون التميز بذلك عن المتسولين التقليديين ويتحاشون ما يدل على مذلة السؤال اعتقادا منهم أن في ذلك صيانة لكرامة قد مرغوها في التراب باحترافهم الكدية الرقمية التي تدر عليهم ما تدره الكدية التقليدية على من يحترفونها وليس في وجوههم ماء .
وإذا كان أصحاب الكدية التقليدية يلجئون أحيانا إلى استغلال الصبية استدرارا لعطف الناس ، فإن المتسولين الرقميين يسدون مسد هؤلاء الصبية بالنسبة للشركات الإعلامية الكبرى التي تستعملهم من أجل تحقيق أرباح طائلة ، وتتفضل عليهم بما يفضل عنها من فتات مقابل امتهان كرامتهم بأخس أنواع الاستجداء حتى أن من يستجدون الناس رقميا تهون عليهم استباحة كرامتهم ، فيصورون ما ستر الله عليهم في بيوتهم من أحوال خاصة ، ويصيرون بذلك موضوع تندر الناس ، وهم لا يعنيهم سوى ضغط هؤلاء على زر الإعجاب بما يستبيحونه .
والمؤسف أن هذه الظاهرة السيئة قد امتدت إلى المجال الديني أيضا، فصار بعض المحسوبين على الدعوة إلى الله عز وجل يرددون عبارة " أرجوكم إذا أعجبكم الفيديو فاضغطوا على زر الإعجاب فضلا وليس أمرا " ، وحالهم في ذلك كحال كل من يمتهنون الكدية الرقمية إلا أنهم يموهون على ذلك بالدعوة إلى الله عز وجل ، وبخدمة الإسلام ، تماما كما يفعل المستجدي الاستجداء التقليدي بتلاوة القرآن الكريم .
ولقد انتشرت ظاهرة الكدية الرقمية انتشارا واسعا في مجتمعنا المغربي حتى صار العديد من الناس يحترفونها ، ويقلد بعضهم بعضا في ذلك دون وجود من ينبه إلى خطورة هذه الظاهرة السيئة وذات التأثير السلبي على هويتنا الإسلامية وقيمنا الروحية والأخلاقية .
وإذا كانت أساليب محاربة التسول التقليدي من أجل القضاء عليه هو منع تمكين من يحترفونه مما يرغبون فيه من عطاء لحملهم على طلب سبل العيش المشروعة ، فإنه يجب أيضا منع من يحترفون التسول الرقمي أيضا لمنعهم من معرة هذه الآفة المخزية .
وسوم: العدد 961