إعلاناتُ الاستفزازِ الإسرائيلية ومخططاتُ العدوانِ العلنية
غريبٌ أمرهم، وعجيبٌ فعلهم، وكأنهم يدعون إلى مهرجان، أو يشجعون على المشاركة في احتفال، أو يتنادون لمشاهدة مباراةٍ رياضيةٍ أو حفلةٍ غنائيةٍ، أو يستعدون للخروج في رحلة صيدٍ أو جولةِ كشافةٍ صيفيةٍ، فتراهم يوزعون الدعوات، وينشرونها على صفحات الصحف ووسائل الإعلام المختلفة، ويعممونها على بعضهم البعض بحماسةٍ وحريةٍ عبر مجموعات الواتس والفيس ومختلف وسائل التواصل الاجتماعي، ويعلن الراغبون موافقتهم الصريحة، ويبدون جاهزيتهم للمشاركة في الفعاليات والأنشطة المقترحة، وينشطون في أوساطهم وبين أصدقائهم لتشجيع غيرهم على المشاركة، وتحفيزهم على الانضمام إليهم والعمل معهم.
لكن الحقيقة أنهم يدعون إلى الحرب والعدوان، وإلى الاقتحام والانتهاك، وإلى التدنيس والتلويث، وإلى السطو والسرقة، وإلى التخريب والتدمير، وإلى الحرابة وقطع الطريق، وإلى حرق البيوت وإشعال النار فيها، أو هدمها وتخريبها، وإخراج أهلها منها، وإلقاء أثاثهم ومقتنياتهم خارج بيوتهم، وإجبارهم على مغادرتها بلا عودة، وتمكين المستوطنين فيها مكانهم، بدعوى أنها بيوتهم القديمة، وحقوق آبائهم الموروثة.
أو تراهم يدعون المستوطنين للخروج في مجموعاتٍ منظمةٍ متعددة وفي أكثر من اتجاه، مزودين بمسدساتٍ وأسلحة أوتوماتيكية، وبمعاول وفؤوس وأدواتٍ حادةٍ، ومواد حارقة ومشاعل ملتهبة، وأحياناً تصطحبهم جراراتٌ زراعية وجرافاتٌ كبيرة، حيث يقومون بحرث الحقول والبساتين، وخلع أشجار الزيتون والأشجار المثمرة، أو يحرقون جذوعها ويشعلون النار في أغصانها، ويتلفون مختلف المحاصيل أو يلوثونها بزيوت السيارات ومواد الطلاء السامة، أو يفتحون عليها مجارير الصرف الصحي لتتعفن وتفسد، وتنبعث روائحها الكريهة.
أما أكثر الإعلانات غرابةً وأشدها قبحاً، فهي تلك التي يعلن عنها وينفذها المستوطنون، ويشارك فيها وزراء في الحكومة، وأعضاء كنيست، وضباط سابقون ورسميون غيرهم، كدعوات اقتحام المسجد الأقصى المبارك، والصلاة فيه وإقامة الطقوس الدينية اليهودية، والسيطرة على بعض الأماكن فيه وتخصيصها لليهود، وإعلان برامج يومية لزيارتها والصلاة فيها، ومزاحمة الفلسطينيين في صلاتهم والتشويش عليهم.
وغيرها كإعلانات اقتحام المقابر والمقامات الإسلامية، ومحاولات اقتحام مقام النبي يوسف غليه السلام وغيره، التي تتم بصورةٍ دوريةٍ، ويشارك فيها أعدادٌ كبيرة من المستوطنين، الذين يعرفون الفعالية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فيلبونها على عجل، ويتعهدون بالمشاركة فيها بصورةٍ دائمةٍ.
كما يدعون بصورةٍ رسميةٍ وعلنيةٍ، دون خوفٍ من الشرطة أو قلقٍ من الجيش والأجهزة الأمنية، إلى السيطرة على مساحات كبيرة من الأراضي الفلسطينية، داخل المدن والبلدات الفلسطينية في القدس ومختلف أنحاء الضفة الغربية، ويختارون منها أفضلها وأعلاها، وأقربها إلى المستوطنات الكبرى وإلى شبكة الطرق الإسرائيلية، وأكثرها خصوبةً وأغناها بالمياه الجوفية، لتكون أنويةً لمستوطناتٍ جديدةٍ، وبؤراً لتجمعاتٍ سكنيةٍ، قبل أن يجبروا الحكومة والجيش على الاعتراف بها وتشريعها، وتخصيصها بميزانياتٍ رسميةٍ، لتمكين ساكنيها من البناء فيها وتطويرها، وتحسين خدماتها وتوسيعها.
إنهم المستوطنون الإسرائيليون، والمتطرفون المتدينون والقوميون المتشددون، الذين يتنافسون في الاعتداء على الفلسطينيين والغارة على بيوتهم وممتلكاتهم، ويقترفون في حقهم جرائم كبيرة، يستنكرها المجتمع الدولي، وتدينها قوانينه وأنظمته، ولكنهم، أي الإسرائيليين، يعلنون عنها مسبقاً، ويخططون لها علناً، ويحددون مواقيتها وأماكن التجمع ومسار الحركة، ويحرضون عليها رسمياً، وتعلم الحكومة بها، ويحيط الجيش والأجهزة الأمنية علماً بها، وقد يسهلون تنفيذها، ويحمون منفذيها ويحرسونهم، ويحولون دون المساس بهم أو عرقلة جهودهم.
لا نعيب على الحكومة الإسرائيلية صمتها ورعايتها، وقبولها ومباركتها، فهي التي تشجع على مثل هذه الجرائم وتدعو إليها، وهي تراها بأم العين وترقبها، ولكنها لا تحرك ساكناً ولا تعترض عليها، ولا تدين مرتكبيها ولا تعاقب منظميها، بل إنها ترسل شرطتها لحمايتهم، وتطلب من الجيش مرافقتهم لضمان أمنهم وحرصاً على سلامتهم، لئلا يعترضهم الفلسطينيون أو يعطلوا مهمتهم.
لكننا نعيب على المجتمع الدولي ومؤسساته الأممية، الذين يرون هذه الجرائم الموصوفة ترتكب في وضح النهار، ويعلن عنها أصحابها ببجاحةٍ وغرورٍ، وتحدي وصفاقة، وإصرارٍ وعنادٍ، وكأنهم يقومون بأعمالٍ مشروعةٍ وفعالياتٍ شعبية مباحة، بينما يدينون الشعب الفلسطيني وهو الضحية، إن حاولوا الدفاع عن أنفسهم، أو صد العدوان عنهم، أو حماية بيوتهم ومتلكاتهم، وتقوم شركات الانترنت الدولية بإغلاق حساباتهم على شبكتها العنكبوتية، كالفيس بوك والجوجول والواتس آب وغبرها، بينما يسكتون كلياً عن الإسرائيليين عندما يستخدمون حساباتهم في التحريض على العنف والدعوة له.
لا تفسير لهذه الجرائم العلنية الرسمية السافرة، سوى أنهم وقحون جداً، وعدوانيون طبعاً، وظالمون أصلاً، غير خائفين قانوناً، وغير محاسبين نظاماً، فهذه الأفعال الخبيثة لا يقوم بها غير المستبدين المفسدين الظالمين المستكبرين العتاة الطغاة المحتلين، ممن لا يقيمون للعدل وزناً، ولا يحترمون الحق ولا يلتزمون القانون ولا يعترفون بالنظام، فتراهم يمارسون الجريمة علناً، ويقترفونها عمداً، ويحددون مواعيدها غروراً، ويستعدون لها صراحةً، ويعلنون عنها تحدياً ومواجهة، إنها غرور القوة، وغطرسة الاستعلاء، وعربدة المحتلين، وبلطجية الكيان، وشبيحة الجيش، وزعران المستوطنين.
وسوم: العدد 962