حديث وجب تنبيها إلى ما يفترى على شهر رجب مما يجب أن يجتنب
من العادات التي شاعت مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، تبادل التحيات مع حلول صباح كل يوم بين الأهل والأصدقاء ، وليس في هذه العادة ما يجعلها محل انتقاد لأن الأصل في الأشياء الإباحة إلا ما نهي عنه الله عز وجل أو حرمه ، ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا بأن نفشي السلام من أجل إشاعة المحبة فيما بيننا ، وهو ما به يتحقق إيماننا الذي به نفوز بالجنة في الحديث الذي جاء فيه : " والذي نفسي بيده ، لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ، ولا تؤمنوا حتى تحابوا ، أو لا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم " . ولهذا لا بأس إذا بعدت الشقة بيننا أن نفشي السلام بيننا عبر وسائل التواصل الاجتماعي ، ولا بأس أن نختار من أنواع التحية ما لا يخالف تحية الإسلام ، ولا بأس بأن ترفق بباقات من ورود وأزهار ،دون إقحام ما لا يسمح به ديننا الحنيف.
ومن الأمور التي صارت شائعة أيضا إلى جانب تحيات الصباح تبادل الأهل والأصدقاء فيما بينهم مباركة حلول عيدي الفطر والأضحى ، وحلول يوم الجمعة ، وحلول شهر رمضان المعظم وليلة القدر فيه ، وحلول الأشهر الحرم ، وحلول السنة الهجرية ، وحلول أيام ارتبطت بمناسبات كالإسراء والمعراج ، وعاشور ، وليس في هذه المباركة أو تبادل الدعاء فيما بينهم من بأس أيضا بل ربما كان في ذلك تذكير بعضهم البعض بأيام عظيمة القدر عند الله عز وجل إلا أنه لا بد من الاحتراز من الوقوع في شراك من يسوقون بعض البدع التي يلصقونها بهذه الأيام افتراء وكذبا على الله عز وجل وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم ،فيضمنونها إما في تحية من تحيات الصباح أو في مباركة أو تهنئة ، فيتلقفها عامة الناس عن حسن نية ، ويساهمون في نشرها على أوسع نطاق عبر وسائل التواصل الاجتماعي مشاركين في إثمها سنّها، وإثم من عمل بها إلى يوم القيامة .
وإننا ونحن على موعد يوم واحد من حلول شهر رجب المعظم بدأت عبارات مباركة حلوله بين الناس تنتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي ، وعبر بعضها يتم تمرير بعض البدع المحدثة افتراء على الله عز وجل وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم ،وهو ما أوجب حديث هذا المقال لتنبيه عامة الناس إلى الاحتراز منها . وأول ما يجب التذكير به ما جاء في كتاب الله عز وجل، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بخصوص شهر رجب . أما ما ورد في كتاب الله عز وجل فقوله تعالى : (( إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين )) ،وأما ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقوله في حجة الوداع : " أيها الناس إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض ، وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم ، أولهن رجب مضر بين جمادى وشعبان ، وذو القعدة ، وذو الحجة ، والمحرم " .
ومع ثبوت حرمة هذه الأشهر الأربعة، ومنها شهر رجب كتابا وسنة ، و نهي الله عز وجل عن ظلم الأنفس فيها بكل أنواع الظلم والمعاصي التي نهى عنها ، ومنع العدوان فيها إلا أن يكون ذلك ردا للعدوان ، فلا وجود لما يفترى على هذا الشهر من محدثات نذكر منها على سبيل الذكر لا الحصر تخصيصه بصيام خاص، علما بأن الصيام فيه ، وهو صيام تطوع لا يختلف عن صيام التطوع في غيره من باقي شهور السنة بالكيفية التي أوصى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي المواعيد التي حددها وسماها من أيام الأسبوع إثنيا وخميسا ، وأياما بيضا ، ولا يختلف أيضا القيام فيه عن القيام في غيره من شهور السنة . وليس في شهر رجب ذبائح تذبح كما كانت العادة في الجاهلية، والتي كانت تسمى العتيرة ، وقد نهى عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال : " لا فرع ولا عتيرة " ،والفرع هو نحر أول نتاج وكان يذبح للطاغوت . والذبائح في رجب ككل الذبائح في كل شهور السنة ، ولا تقبل ممن خصه دون غيره بها باعتبارها عبادة مع وجود نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها .
ولا بد من التذكير أيضا أن نعم الله عز وجل على العباد لا تنحصر في الأشهر الحرم وحدها دون غيره بل تشمل كل شهور السنة ، لهذا لا يجب الخلط بين ما خص به الله تعالى الأشهر الحرم من قدسية ، وبين ما قدره من رزق للعباد لا يحجبه عنهم متى حان أوانه ، لهذا لا يصح ما لم يثبت عن الله عز وجل وعن رسوله صلى الله عليه وسلم من أن أرزاق العباد تقتصر على الأشهر الحرم وتحديدا شهر رجب دون سواه من شهور السنة .
ودون الخوض في كل ما يفترى على شهر رجب مما هو ابتداع مخالف لما جاء في كتاب الله عز وجل، وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم من قبيل ما يسمى صلاة الرغائب ، وإحياء ليلة السابع والعشرين منه، والاعتمار فيه ... وقد لفقت أحاديث حولها كذبا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، نذكّر بما أمر به الله تعالى في الأشهر الحرم عموما ، وهو اجتناب ظلم الأنفس ، وأول ما يقع من ظلم عليها أن يتجاسر الناس على الله تعالى بالمعاصي على اختلاف أنواعها كبائر وصغائر عن عمد وسبق إصرار . وإذا كانت خشية الله عز وجل واجبة في كل حين خلال شهور السنة كلها ، فالأولى أن يحرص الناس عليها في الأشهر الحرم لما استأثر به الله عز وجل وحده من علم بفضلها، وبما أودع فيها من أسرارها ، لأن في اجترائهم على ارتكاب المعاصي فيها تجاسر على خالقهم سبحانه وتعالى مع أن التجاسر بها عليه سبحانه وتعالى في كل شهور السنة مذموم ومستقبح وعظيم عند الله عز وجل . ولا يجب أن يفهم من قوله تعالى : (( فلا تظلموا فيهن أنفسكم )) أنه يبيح ظلم الأنفس في غيره من شهور السنة كما كان يفعل أهل الجاهلية حيث يمتنعون عن العدوان على بعضهم البعض في الأشهر الحرم ، ولكنهم يبيحونه في غيرها من شهور السنة ، لهذا لا يحسن بالمسلمين أن ينهجوا نهج أهل الجاهلية بل عليهم أن يلتزموا بما ألزمهم به الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم .
و في الأخير نقول يجدر بنا مع حلول شهر رجب الحرام الحرص على اغتنام هذه المناسبة للصلح مع الله عز وجل، والتوقف عن ظلم أنفسنا ،وإعلان توبتنا النصوح ، والإلتزام بالثبات عليها فيما بقي لنا من آجال عسى الله عز وجل أن يقبلها منا ، ويغفر لنا، ويرحمنا ، ويكشف ما نزل بنا من بلاء، ووباء ، وجفاف ، ووهن .
وسوم: العدد 966