الإسلام أعظم وأكبر من أن تقرر العلمانية الفرنسية في شأنه ما تريد
من المعلوم أن العلمانية الغربية لها حساسية تجاه دين الإسلام والتي لها تجليات متفاوتة من قطر غربي إلى آخر إلا أن حساسية العلمانية الفرنسية تجاهه مفرطة للغاية، وبشكل مثير للانتباه إلى درجة تصل حد اعتبار نفسها وصية عليه ،مع إعطاء نفسها الحق في البث في أمره ، وتقرير أو فرض الكيفية التي يجب أن يكون عليها فوق أراضيها ، وكذا تحديد كيفية ممارسته عند أتباعه سواء كانوا من رعاياها أو من الجاليات المقيمة عندها .
ومعلوم أن ذريعة العلمانية الغربية عموما والعلمانية الفرنسية خصوصا والتي تحاول بها تبرير حساسيتها تجاه الإسلام هو تلفيق تهمة التطرف، والفكر الانفصالي ، والإرهاب لأتباعه ، وتعزو ذلك إلى تعاليمه التي تريد تعطيل بعضها ، وهي في الحقيقة تسقط هذه التهمة الملفقة على عموم المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها دون تمييز ولا تستثني منهم إلا من كان منهم طوع يدها ، وخاضعا لما تقرره في شأن دينه ليكون موافقا لقوانينها بحيث يتخلى المسلمون عما يفرضه عليهم دينهم في بعض أحوالهم ، ويستبدلون ذلك بما يفرض عليهم مما ينقض تدينهم من أساسه .
ولقد دأبت فرنسا منذ مدة طويلة على خلق مؤسسات أو هيئات مشبوهة يوكل إليها البث في الشكل الذي يجب أن يكون عليه الإسلام فوق أراضيها أو بعبارة أوضح الكيفية التي يكون فيها تحت مظلة القوانين العلمانية ويكون خاضعا لها . وهي باستمرار تغير من أسماء تلك المؤسسات أو الهيئات التي تشرف عليها وزارة الداخلية مباشرة ، وآخر مسمى نقلت وسائل الإعلام أخباره يوم أمس هو ما سمي " منتدى إسلام فرنسا " بديلا عن ما كان يسمى " مجلس الديانة الإسلامية " ، بوجوه جديدة مع الاستغناء عن أخرى .
ولا شك أن هذا التغيير في المسمى ينطوي على تغيير في المحتوى أو المضمون والدلالة ، ومن المؤكد أنه ينحو نحو المزيد من التضييق على المسلمين في فرنسا رعايا ومقيمين ، وهو الأسلوب الذي تراه الأنسب لما يسمى إدماجا لهم أو بتعبير أدق تطويع تدينه للمبادىء العلمانية التي تعتبرها النموذج الأمثل الذي له حق السيادة وحده والتحكم في حريات الناس بما في ذلك حرية الاعتقاد ، وحرية اختيار الهوية ، وحرية الرأي ، وحرية التعبير، وهو شر استعباد للعباد .
ومع ممارسة العلمانية الفرنسية كل هذا التضييق على المسلمين رعايا وجاليات مقيمة ، فإنها تتبجح برعاية الحريات والدفاع عنها ، وترى عيش الناس في كنفها منتهى العيش الكريم المحقق لكرامتهم ، وهو وهم مثير للسخرية .
إن الإسلام الذي تريد العلمانية الفرنسية اليوم تقنينه وفق أهوائها ووضعه في قوالب من اختراعها أعظم وأكبر من أن تقرر هي الشكل الذي يجب أن يكون عليه ،لأن الله عز وجل قد أكمله في الرسالة العالمية الخاتمة الموجهة للعالمين ، ورضيه لهم إلى نهاية العالم وقيام الساعة ، وإنها وهي تغير من مسميات مؤسسات أو هيئات تنتدبها للبث في شأنه أو بالأحرى تملي عليها ذلك إملاء تتجاوز حدودها ، وتنقض بشكل صارخ ما تدعيه من مبادىء تحترم حقوق الإنسان ، كما أنها تنقض الشعارات الكاذبة التي ترفعها من قبيل الحرية والمساواة والأخوة ، وهي شعارات لا وجود لها على أرض الواقع إذا كيف يمكن أن يتمتعوا بالحرية من تقيد حرية تدينهم ، ولنمثل لذلك تمثيلا لا حصرا بحرية المرأة المسلمة في اختيار لباسها ، وهو لباس له صبغة دينية تعبدية ، مقابل حرية المرأة العلمانية التي ليس للباسها ما يحكمه من ضوابط دينية كما هو الشأن بالنسبة للباس نظيرتها المسلمة ؟ وهل يمكن أن يتحقق شعار المساواة مع تعذر شعار الحرية ؟ وكيف يمكن أن يتحقق شعار الأخوة مع انهيار شعار الحرية و شعار المساواة ؟
ومن المعلوم أن هذه الشعارات الثلاثة التي تدعيها فرنسا العلمانية إنما تجسدها فعلا لا قولا تعاليم الإسلام ، ذلك أن الناس في ظل تعاليمه إنما هم أحرار فيما يعتقدون ،وهم سواسية في ذلك تربطهم آصرة الأخوة الإنسانية ، وقد جعلهم خالقهم سبحانه وتعالى شعوبا وقبائل ليتعارفوا بما للتعارف من دلالة سواء على التساكن والتقارب والجوار ، أو من دلالة على تبادل المعروف فيما بينهم كما جاء في محكم التنزيل : (( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم )) . فإذا كان الخلق والجعل من الخالق سبحانه وتعالى ، فليس لأحد من الخلق مهما كان أن يكون له جعل مع الجعل الذي ارتضاه الخالق سبحانه وتعالى لخلقه .
ومع أن فرنسا العلمانية تعلم علم اليقين أن الجاليات المسلمة المقيمة عندها لها بلدانها الأصلية ، وهي تدين بدين الإسلام وفق عقائد ومذاهب تتبناها بلدانها وهي لا تخرج عن إطاره الشامل لها ،وأن ما تظنه اختلافات بين تلك العقائد والمذاهب إنما هو تنوعات في إطار وحدة جامعة تؤكدها مظاهر التدين الموحد كما حدده القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة، ومنها تنطلق الاجتهادات المذهبية الدالة على سعة دين الإسلام الذي يغطي شتى الأحوال البشرية على اختلاف البيئات .
وفي الأخير ننصح الجاليات المسلمة في فرنسا العلمانية أن تحذر مما تريده بدينها من مكر وسوء خبيثين ، وأن تعض عليه بالنواجذ ، وألا تستشير في أمره إلا كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وهما شاهدا عدل لا عدالة معهما لغيرهما .
وسوم: العدد 967