ألف يوم على الثورة وتوارى الدور التركي
زهير سالم*
كانت ( تركية ) بحكم عوامل عديدة من الدول الأولى التي تعلن انحيازا صريحا لا مواربة قيه إلى الشعب السوري ومطالبه العادلة في العدل والحرية والعيش الكريم . إلا أن الحكومة التركية ومنذ الأيام الأولى للثورة لم توفر أسلوبا دبلوماسيا إلا وانتهجته في محاولة اختصار الطريق على السوريين إلى الإصلاح .
وعلى العكس ما يتحدث عنه إعلام العصابة القاتلة ، فقد حاولت الحكومة التركية أن تستثمر ما ظنته رصيدا لها لدى بشار الأسد في إقناعه بضرورة الاستجابة الصادقة لمطالب الشعب السوري . ولكن حسن ظن القيادة التركية في بشار الأسد والذي كان قد أخذ بعدا تاريخيا إلى حد نسج علاقات عائلية حميمة بين بشار الأسد وطيب رجب أردوغان قد خاب !!
وبعد زيارة أحمد داود أوغلو لدمشق وترتيب اتفاق لسحب الدبابات عن حماة ونكث بشار الأسد بوعده بعد مراوغة حسم الأتراك موقفهم ...
ويبدو أن الحكومة التركية كانت تملأ يدها غرورا بموقف دولي أو غربي سيرفض في تمرير حرب إبادة ضد الشعب السوري في القرن الحادي والعشرين كما مرر ذلك في القرن العشرين . لم يتصور أردوغان وشركاؤه في الحكومة التركية أن جريمة حرب جديدة يمكن أن تمرر في سورية وسط جملة من المتغيرات الدولية الكبرى والتي يأتي في مقدمتها انتهاء مرحلة الحرب الباردة ، وانفراد ما يسمى زورا ( العالم الحر ) في تولي مسئولية الأمن والسلم الدوليين ، فانطلق السيد أردوغان والسيد غل يطلقان التصريحات التحذيرية بحسن نية و بلا حساب : حماة خط أحمر ، المجزرة خط أحمر . كان متأخراً على ساسة وزعماء مخضرمين مثل أردوغان وغل وأحمد داود ليكتشفوا أن العالم ( الحر !! ) لا يوافقهم على حرمة دماء السوريين ، ولا يشعر إزاء ذبح أطفال سورية بنفس المشاعر التي تملأ قلوبهم ، وأن بشار الأسد الصديق القديم على خلفيات متعددة هو في الحقيقة وحش مقنّع أكثر مكنة وأكبر مكانة حتى من نتياهو الذي سبق للأتراك أن تحدوه ؛ فاضطر القادة الأتراك إلى مضغ تصريحاتهم وتناسي تحذيراتهم بعد أن استشعروا أنها كانت أكبر من طاقتهم . لقد اكتشفوا متأخرين أن مكانة بشار الأسد الذي لم يكن يوما في حلف الناتو هي أعظم شأنا عند قيادة الناتو من تركية بكل ثقلها الجيوسياسي .
ومع تفهم الكثير من السوريين لأسباب نكوص القيادة التركية عن الوفاء بما أعلنته من خطوط حمر – فعل أوباما من بعد إزاء استخدام السلاح الكيمائي – إلا أننا للحقيقة نقول إن تصريحاتهم كانت ذات طبيعة ( توريطية ) بمعنى ما . إن الكثير من القوى السورية بنت حساباتها في لحظة ما من تاريخ هذه الثورة المباركة على مصداقية التصريحات التركية.
وفي تقويم الدور التركي بعد ألف يوم على الثورة لا بد للمرء أن يتوقف بكل التقدير عند الموقف الأخوي الإنساني المتقدم الذي تمثل في الصدر والحضن التركييين المفتوحين الذي استقبل وقدم وأعان على كل المستويات الإنسانية للاجئين الذين أصر القادة الأتراك على اعتبارهم ضيوفا . وعاملوهم على هذا الأساس ليثبت للمشككين أن أخوتنا لم تكن يوما ( إخوّة تراب ) وإنما كانت ومازالت إخوة حق وصدق ..
وعلى المستويات الأخرى ولاسيما على المستوى السياسي والدبلوماسي حاولت الحكومة التركية أن تكون قريبة ومعينة لمشروع الثورة السورية ولكن شتات وضعف وقصور قيادات المعارضة السياسية في كل دوائرها ، مع المنافرات الإقليمية ؛ فوّت على الثورة السورية الاستفادة من دور تركي فاعل ومؤثر .
بل إن قيادات المعارضة السياسية السورية عجزت عن أن تشرح قضيتها مع كل ما فيها من صدق وألم ودم للمجتمع التركي ولقواه السياسية . لأن القيادات المتواكلة التي تنتظر أن ( يُفعل ) لها كل شيء ، لم تدرك معنى أن الحكومة التركية هي ثمرة خيار ديمقراطي للشعب التركي ، وأنّ على هذه المعارضة أن تبذل جهودا حقيقية لتجنب القضية السورية العادلة أن تكون عرضة للتجاذبات السياسية الداخلية ولعل هذا قد شارك في جعل القيادة التركية تعيد النظر في حساباتها ومواقفها ..
على مستوى آخر كانت عصابات الأسد أكثر حضورا في سواد المجتمع التركي ، فوظفت كل عملائها على خلفياتهم المختلفة بما فيها الخلفية الطائفية والعنصرية للتشويش على الحكومة التركية وفي افتعال المشكلات لها ، وممارسة أشكال من الضغوط عليها .
للأسف لم تكن عبثية تهديدات خمنئي وحسن نصر الله وبشار الأسد أنهم سيحرقون المنطقة من بحر قزوين إلى خليج العرب وها نحن نتابع اليوم مسلسلا جديدا للفتنة على الأرض التركية ، فتنة يشارك فيها أحيانا من يجب أن يكون حاملا بصدق لمشروع العدل والحرية في سورية ..
وفي سياق كل ذلك تستقبل تركية خلال عام انتخابات برلمانية تتطلب من أردوغان كزعيم شعبي تركي أن ينظر أكثر إلى موضع قدميه . وأن يحمي المشروع التركي الواعد الذي تتطلع له الأمة على أنها نافذتها نحو الأمل والنور ..
وهكذا وبعد الصفقة الأمريكية – الإيرانية بدلالاتها وأبعادها تداعياتها يجد الساسة الأتراك أنفسهم أمام معطيات جديدة تقتضي منهم أن يزوروا إيران وأن يزوروا العراق وأن يغيروا زاوية الرؤية بما يجنبهم أن يكونوا كمن ينشر الغصن الذي يجلس عليه ..
مهما يكن الأمر فلن يوفي سوري الحكومة التركية والشعب التركي الذي اختارها حقهم من الشكر على القلوب والأيدي البيضاء ..
ولكن لا بعد لنا أن نقرأ وبعد ألف يوم على الثورة أن الدور التركي بدأ يتوارى وأن من بعض أسباب ذلك أن يقال لقيادات المعارضة السياسية : أيديكم أوكت وفوكم نفخ ...
* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية