العلماني المصري القمني الهالك مؤخرا مثال الشريحة المجادلة في الإسلام بغير سلطان بدافع كبر ما هي ببالغته
من المعلوم أن الله عز وجل ضمّن رسالته الخاتمة للعالمين أحوال نماذج بشرية تتكرر في كل عصر لتكون عبرة للمعتبرين ، ومنها نموذج شريحة تجادل في الإسلام بغير سلطان بدافع كبر ما هي ببالغته كما قال سبحانه وتعالى : (( إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطانا أتاهم إن في صدروهم إلا كبر ما هم ببالغيه )) .
وإذا ما كان سبب نزول هذه الآية هم كفار قريش على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن العبرة بعمومها لا بخصوص سبب نزولها ، وهو ما يعني أن كل من سلك نهج كفار قريش في المجادلة في آيات الله عز وجل بغير سلطان ينسحب عليه وصف الله عز وجل الوارد في هذه الآية الكريمة التي تكشف عن طبيعة الشريحة البشرية التي تعاني من عقدة الكبر ، وهي عبارة عن عقدة مرضية تستشعر النفس المريضة بها استعلاء على غيرها ، وهو ما يدفعها إلى أفعال أو أقوال مخالفة لتعرف كما يقول المثل المشهور" خالف تعرف " وتكون هذه الأفعال أو الأقوال في حد ذاتها تعبيرا عن الكبر والاستعلاء ،وحب الظهور، والرغبة في التميّز حتى وإن كان تميّزا مذموما كما هو الشأن بالنسبة للأعرابي الذي تبوّل في زمزم في موسم الحج ، وكان يريد بذلك شهرة ، إلا أنه حاز اللعن والذم .
والشريحة المستكبرة في كل عصر تبحث عن شهرة زائفة في استهدافها دين الله عز وجل بجدال لا يقوم على أساس سلطان أو حجة أو برهان ، ودافعها إلى ذلك عقدة الكبر المرضية ، علما بأنها تغطي بكبرها عن فشل في بلوغ شهرة حقيقية ، فتنصرف مهزومة للبحث عن الشهرة الزائفة ، وتختار النزال الفكري مع الإسلام قرآنا وسنة دون حجة أو برهان ، وفي ظنها واعتقادها أنها بذلك تحقق رغبتها في الكبر والتكبر على أتباعه علماء وعامة ، وإن كان هدفها الأول شريحة العلماء لإظهار تطولها ، ولإقناع من تستخف بهم من المنبهرين بها أنها في مستوى مجادلتهم ومقارعتهم ومناظرتهم .
والله عز وجل في محكم التنزيل يستخف ويزري بهذه الشريحة حين يكشف ما تخشى الكشف عنه مما تخفيه ولا تبديه من نوازع النفس المريضة ، ذلك أن قوله عز من قائل (( إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه)) ، فأي تقريع لهؤلاء أشد من هذا الذي كشف الله عز وجل عنه بحيث لا يستطيعون بلوغ كبرهم الذين يحاولون إظهاره وقد غمرتهم المهانة ، وهم دون مستواه إذ ليس لديهم ما يجعلهم فوق غيرهم شأنا أو مكانة بل هم في ذلك دون غيرهم أو أحط شأنا ، كما أنهم لا يبلغون ما يريدون من وراء جدال ليس بين يديه حجة ولا دليل .
وقبل التعرض لموضوع الهالك العلماني المصري المدعو القمني ، ولقبه هذا لا يخلو من دلالة على الكبر والتعالي ، ذلك أن النسبة إلى القمن وهو يعني في اللسان العربي الجدارة ربما يكون السر وراء عقدة الكبر عند صاحبه أو ربما كان سببا من أسبابها ، لا بد من الإشارة دون إطالة إلى قضية نيابة العلمانيين العرب عن العلمانية الغربية المعادية للإسلام في منازلته ومجادلته لأنه يمثل خصما منافسا قويا لها خصوصا وهي تحلم بالهيمنة في كل المعمور ، وتصبو إلى عولمة إيديولوجيتها معتبرة نفسها أرقى ما وصلت إليه البشرية من رقي وتطور يساير فيه ما هو قيمي التطور المادي والتكنولوجي ، لهذا من أوهام العلمانيين العرب أن السبيل إلى التطور المادي والتكنولوجي هو تبني قيم العلمانية الغربية المجاهرة بإلحادها و تهتكها وانحلالها ، وهي ترى في ذلك رقيا وسموا وعلوا .
والعلماني القمني واحد من أمثاله العلمانيين الذين أوكلت إليهم العلمانية الغربية النيابة عنها لمجادلة الإسلام ظنا منها أنهم قمينون بذلك ، وهم أكثر تأثيرا في المسلمين من مستشرقيها الذين يرتاب من فكرهم . وأول ما تجب الإشارة إليه أن المدعو القمني دخل مجال الفكر من غير بابه المشروع بحصوله على شهادة دكتوراه مزورة ،وهي من شواهد ما وراء البحار ليصبح مفكرا مزيفا منحشرا في شريحة عريضة من المفكرين المزيفين الذين تطوح بهم العلمانية الغربية في ربوع الوطن العربي ، وتحيطهم بهالة من الدعاية الإعلامية الرخيصة ، وتفسح لهم المجال في وسائل إعلامها ليخوضوا الحرب مع الإسلام من خلال جدل منحط قوامه المفاخرة بالتجاسر على الذات الإلهية المقدسة ، والتعريض برسله وأنبيائه الكرام صلواته وسلامه عليهم أجمعين، والتكذيب بالغيب و بالبعث والحشر.
ولقد بلغ الأمر بالمدعو القمني حد التصريح بكفره البوان ، وقد نقلت عنه ذلك وسائل الإعلام ، ووسائل التواصل الاجتماعي ، وهو تصريح واضح لا غبار عليه ، وهو في ذلك خلاف بعض العلمانيين الذين يكنون أو يلمحون إلى كفرهم ،ولا يصرحون به مثل تصريحه المتهور . وإذا كان القمني من صنف الكافرين حسب تصريحه ، فإن من يلمحون بكفرهم ولا يصرحون من صنف المنافقين وهم أخس من الكافرين لأنهم لا يملكون شجاعة هؤلاء في التصريح بالكفر مثلهم.
ولقد كثر أشباه القمني خصوصا بعد ثورات الربيع العربي التي كانت مؤشرا واضحا على أن الشعوب العربية قد نفضت يدها من صادرات الفكر العلماني الغربي بشطريه الشيوعي والرأسمالي ، وراهنت على الإسلام كحل لا بديل عنه لخروجها من وضعها المزري سياسة واقتصادا واجتماعا وفكرا وثقافة . ولقد أوجست العلمانية الغربية خيفة من رهانها هذا ، وعملت كل ما في وسعها للإجهاز عليه من خلال وكلائها في العالم العربي الذين بذلوا الأموال من أجل إفشال الربيع العربي ، وقد تمكنوا من ذلك بمباركة من العلمانية الغربية التي تراهن على جعل هذا العالم العربي ضمن حيز نفوذها .
ولقد صاحب الإجهاز على ثورات الربيع العربي ، وهو إجهاز على ما أصبحت العلمانية الغربية تسميه " إسلاما سياسيا " تعتبره مصدر تهديد لنفوذها وهيمنتها.
ولقد أصبح من المألوف والشائع تداول وسائل الإعلام ، و وسائل التواصل الاجتماعي نماذج من تجاسر أمثال القمني على الإسلام في مختلف الأقطار العربية، الشيء الذي يبرهن على وجود مخطط علماني معد إعدادا ماكرا وخبيثا للنيل من عزائم الشعوب العربية المسلمة ، وجعلها تقبل بالأمر الواقع الذي يعني بالنسبة للعلمانية انصرافها المتدرج ليصير بعد ذلك كليا عن فكرة الرهان على الإسلام كحل لمشاكل العالم العربي الزاخر بخيراته ومقدراته، والتي لا مندوحة للعلمانية الغربية عنها لتحقيق رفاهية شعوبها ، وتقدمها المادي والتكنولوجي ، ولا سبيل لها إلى ذلك إلا بعلمنة العالم العربي من محيطه إلى خليجه ليصير تبعا لها ، وهو شكل من أشكال الاستعمار الجديد الذي لا يحتاج إلى عمليات إنزال عسكرية كما كان الأمر من قبل ، وذلك لوجود طوابير خامسة علمانية تسد مسده بالدعاية الرخيصة إلى العلمنة . ومعلوم أن الغزو الفكري أخطر من الغزو العسكري، لأن هذا الأخير أظهر فشله في أكثر من بلد عربي ومسلم ، ولهذا تراهن عليه العلمانية الغربية ، بالرهان على حلول جيل عربي جديد مطوّع لقبولها كبديل عن الإسلام محل الجيل الرافض لها .
وفي الأخير نتمنى أن يكون هلاك القمني عبرة لمن يسيرون على نهجه سواء منهم المجاهرون بالكفر أو المنافقون الذين يضمرونه ، وسيعلم الذين كفروا أو نافقوا أي منقلب ينقلبون .
وسوم: العدد 968