لقطات من معاناة معتقل -7-

تحت عنوان "من تدمر إلى هارفارد" كتب الدكتور براء السراج، الأستاذ في قسم زراعة الأعضاء في كلية الطب في شيكاغو، مذكراته عن مدة اثنتي عشرة سنة قضاها في تدمر. ونسجّل هنا بعض فقرات من مذكراته الغنية، في حلقات قصيرة متتابعة:

18 شباط 1986م:

إعدام ثان خلال أقل من أسبوع، منهم عبد العزيز جواد (بطل كمال أجسام من حماة)، وأحد الأخوين فيصل أو عبد الرحمن الحيط أيضاً من حماة. عند العصر سمعنا تراكض الشرطة، واصطفوا لفترة مستندين إلى حائط مهجعنا.. قطعنا الصوت ولا ندري ما يحصل.. تنزل لجنة الضباط لتنفيذ الإعدام بشخص واحد لم نتبيّن من أين أتوا به ولم نعلم له اسماً. تلك ستكون المرة الوحيدة التي سيعدم فيها شخص واحد بعد العصر خلال وجودي في السجن، ولا ندري لِمَ لمْ يعدم مع مَن أُعدم في الصباح.. هناك تحليل يبقى كتساؤل أن هذا الشخص ربما يكون قائد الطليعة المقاتلة عدنان عقلة، وقد أتوا به على عجل من دمشق بعد أن انتهى إعدام الصباح.. الله أعلم. في أثناء ذلك كان نقاش ديني عام مع أحد ممثلي التيار السلفي من حلب، وكان النقاش عن "القوة المودعة"، وقضايا أخرى نوقشت وانتهى القول فيها تاريخياً بين أهل السنّة والجماعة وبقية فرق الإسلام. توقّف النقاش طويلاً عندما وقفت الشرطة بإزاء حائط مهجعنا.. لم أستسغ توقيت ذلك الحوار العام وإن كان هاماً علمياً، لكن لدينا أناس يفقدون حياتهم في الوقت الذي نُجري فيه النقاش.. دمهم أثمن.. ربما قست القلوب أو طال السجن حتى أصبح الإعدام أمراً عادياً، ليس بالنسبة لي.

26 آب 1986م:

بدأت الأوضاع تسوء بشكل كبير مع عيد الأضحى.

الأول من أيلول 1986م:

شوهد مسؤول أمني كبير يتجوّل في باحات السجن لابساً بدلة سفاري. تكهّن بعضنا أنه اللواء حسن خليل. إثر ذلك تدهورت الأوضاع، فأصبح الطعام قليلاً برغيف واحد لثلاثة سجناء، ولا دواء، وشدة بالتعذيب إلى نهاية العام.