لا يكتمل العقل بالأربعين سنة

أقرأ، وأسمع باستمرار أنّ المرء يبلغ كمال، وتمام العقل في الأربعين من عمره. ويعلّلون ذلك بقولهم، لقد أوحي إلى سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وهو في الأربعين من عمره، وأنّ الأنبياء والرسل، أوحي إليهم في الأربعين من أعمارهم. مايدل -في نظرهم-، أنّه من بلغ هذا السن، فقد بلغ كمال العقل وتمامه. وعليه أقول:

القول أنّ سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، بلغ عقله الكمال والتمام، في سن الأربعين، يفهم منه أنّه صلى الله عليه وسلّم، لم يبلغ التمام والكمال وهو دون الأربعين من عمره. وهذا ممّا لايليق بسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم.

النبوة والرسالة، عطاء من الله تعالى، يهبها لمن يشاء من عباده الصالحين، ولا تكتسب بما يعرفه البشر.

النبوة والرسالة فوق طاقة البشر، ولا يبلغها المرء بسن، ولا مال، ولا جاه، ولا تجربة، ولا قوّة. وقد تمناها من هم أكثر تجربة، وأموالا، وجاها، وحكمة، وقوّة، ولم توهب لهم، لأنّها لاتكتسب.

من قال أنّ تمام العقل بالأربعين من عمره، لأنّه أوحي إلى سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم في هذا العمر، فقد وضع نفسه في نفس مقام سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، والرسل، والأنبياء. وادّعى أن عقله في نفس منزلتهم. وهذا قلّة أدب، وسوء أدب مع سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وأسيادنا الأنبياء والرسل.

صاحب اأسطر ليس بصدد التطرق لمرحلة الأربعين من الناحية العمرية، ولا الطبية، والتي يقرّها من عايشها، ويدرك أسرارها. إنّما بصدد الاستنكار على الذين يقولون أنّ النبوة والرسالة والوحي، مرتبطة بالأربعين من العمر، وكأنّ الأنبياء لم يكتمل عقلهم إلاّ حين بلغوا ذلك السن.

سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وهو طفل وشاب، كان أفضل بكثير من سادة قريش وهم شيوخ وقد تجاوزوا الأربعين بعقود، لما رزق من كمال العقل، وهو دون ذلك العمر.

شهد سادة قريش، لسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، بكمال العقل وكماله، وهو طفل وشاب.

عبد المطلب، جد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، كان يجلسه بجواره في مجلسه، مع كبار سادة قريش، بجوار الكعبة. وسادة قريش لايقبلون الكبير الذي لايستوفي شروط السيادة. كيف بهم يقبلونه أن يجلس بجوارهم طفل صغير، وهو سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، لو لم يكن كامل العقل.

وعبد المطلب، الذي نزل أبرهة الحبشي من عرشه، رهبة منه، وهو في أوّج قوّته حين جاء ليهدم الكعبة، يجلس بجواره سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ومع سادة قريش، وبقرب من مكة.

كاد سادة قريش، أن يقتتلوا بسبب من ينال منهم شرف رفع الحجر الأسود، ووضعه في الكعبة، بعد هدم الكعبة، ومحاولة بنائها من جديد. وفي الأخير، استعانوا، ورضوا بحكم سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وهم السّادة والكبار والقادة والأثرياء والشيوخ، وهو الشاب في 25 سنة من عمره. والمسألة لاعلاقة لها بقوّة عضلات شاب، لم يقدر عليها الشيوخ. إنّما تتعلّق برجاحة عقل شاب، فاق عقل الشيوخ الكبار. مايعني أنّ الله تعالى رزقه تمام العقل وكماله قبل الأربعين سنة، وقبل أن يوحى إليه.

سن الأربعين مرحلة زمنية يمرّ بها الإنسان، لها مايميّزها عن غيرها، ويحلم بها من لم يبلغها، ويثني عليها من وصلها، وينتقدها من تعداها، لأنّه يقارنها بغيرها.

القول أنّ سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وأنّ الوحي لم ينزل عليه إلاّ في الأربعين من عمره، حيث اكتمل عقله، فإنّ ذلك ممّا يسىء إلى كمال عقل سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وهو الذي رزق الكمال والتمام قبل الأربعين من عمره، بل وهو طفل وشاب.