لاوعي الشعوب طريق تسلط الحكومات

يرى فرويد ان اللاشعور او اللاوعي هو جميع ما تكبته النفس، حيث ان اللاشعور يعتبر من وجهة نظره واقعاً ديناميكياً مرتبط بتجربة العلاج الاكلينيكي، ويمكن لللاوعي ان يصبح معلوماً للوعي بفضل التحليل النفسي، وذلك عند حدوث تجاوز للمقامة والتي تظهر بدورها بعض المعاني اللاواعية للانتاجات النفسية، بذلك يكون كل انسان على – الخراب المسمى بالارض – يملك مستويات من العقل الواعي والعقل اللاوعي، فالعقل الواعي هو الذي يحكم تصرفات الانسان وقناعاته، بعبارة ادق هو مكان تخزين الاحداث، ومركز الانفعالات العاطفية السلبية والايجابية، اما العقل اللاوعي -الباطن – فيفهم بالحدس او البديهة، وهو متعلق بذات الانسان، وهو في الاغلب لايفرق بين الصواب والخطأ، على الرغم من كونه تابع للعقل الواعي، وينفذ ما يقرؤه الاخير، دون ان يبدي اية ردة فعل على اي امر يتلقاه، كما انه لايفضل شيئاً على اخر، وذلك ما يحيلنا الى النظر بصورة اعمق الى الوعي باعتباره يعبر عن حالة الادراك التي يصل اليها العقل من خلال تواصل الفرد مع المحيط، ويكون ذلك من خلال حواس الانسان، كالاحساس بالذات، والادراك الذاتي، والحالة الشعورية، والحكمة او العقلانية، والادراك الحسي بين الفرد والبيئة كما ورد في موسوعة العقيقي، بالتالي فالوعي هو مجموعة من الافكار، المعرفة، وحصيلة التجارب التي شكلت لدى الفرد مفاهيمه حول كل ما هو حوله، فحين يمارس الفرد انشطة ذهنية متعددة في الوقت ذاته فهو يعيش ضمن دائرة الوعي العفوي، وحين يقوم بالتركيز على نشاط ذهني يتطلب مستوى من الذكاء فهو يكون ضمن حدود الوعي التأملي، اما حين يتعرض لحالة فجائية لايمكن الاستدلال عليها فان ذلك الوعي يكون حدسياً، وحين يتعلق الامر بمنظومة من المعايير الاخلاقية التي تصدر احكامنا على ما حولنا، من حيث القبول والرفض فذلك ما يسمى بالوعي المعياري الاخلاقي (موسوعة العقيقي)، بالتالي نحن امام تراكميات معرفية واضحة حول الوعي، فاين يكمن اللاوعي او العقل الباطن، ان اللاشعور يشير الى كل ما يشكل شخصية الافراد دون اداركهم، وبعيداً عن تحكمهم، فاللاوعي مخزن لتجارب الافراد المترسبة نتيجة للكبت والقمع، مما ادى لبقاء ذلك المخزون بعيداً عن الذاكرة في اماكن لايدركها الفرد بوعيه، فاللاوعي يمكن ان يكون ايضاً مخزناً للطاقة الجنسية والنفسية والعدوانية( فيروز هماش، مفهوم الوعي واللاوعي في الفلسلفة)، وهنا نكون نحن امام عتبة الفكرة الاساس للمقال، الفردية، والجماعية، ضمن الاطار العام للعقل الواعي ولعقل اللاوعي، ووفقاً ل – كارل جوستاف يونغ – هناك انواع لللاوعي،كاللاوعي الشخصي الذي يتعلق بكل الجوانب المكبوتة والخفية التي نشأت عن التفاعل بين الشخص وبيئته، بما في ذلك الاشخاص الذين يتصلون به ، وهناك ايضاً اللاوعي الجماعي الذي يحتوي على عناصر تاريخية وجماعية تعدل الطريقة التي يفكر بها البشر ويشعرون ويتصرفون على وجه التحديد، وتشمل بنى نفسية مبنية على اسس اجتماعية موروثة تسمى النماذج الاصلية.

وذلك ما يوضح بشكل كبير التضاد بين الوعي واللاوعي عند الانسان على الرغم من كونهما مرتبطان بشدة بحاجات الانسان، فالوعي يمثل الشعور واليقظة بالنسبة للانسان وينفذ فعلياً ما هو مخزون في اللاوعي المكبوتة لدى الفرد، وذلك ما يجعلنا امام حقائق غريبة لاسيما للافراد والحكومات في مجتمعاتنا التي نعيشها، فبدل ان يكون لهما اليد الطولى في تقدم المجتمعات نجدهما يخضعان لمنطق اللاوعي تلك الصور القديمة التي تعلقت في اللاشعور لديهم واصبحت احلاماً، وبعضها تحولت بفعل الوزاع الديني الى فكرة ميتافيزيقية واحياناً طوبائية يحملها الفرد فيجد نفسه دائماً يرجع للماضي ويبني حاضره وفق معطيات الماضي دون التفكير في الغد – المستقبل – الا من خلال منظور الميتافيزيقيا - نقصد بها هنا الغيبيات- فلا يجد لنفسه مكاناً، ولا حافزاً مادياً ملموساً سوى بعض الحوافز المعنوية التي لاتوقف عجلة التطور، بذلك ينتظر الى ان يصبح الواقع ملائماً لفرزها لتكون سبباً في الفوضى وتأخر المجتمع، مبتعدين عن القيمة الفعلية والمحورية للوعي في تقدم المجتمعات ، يقول احمد عبد ربه في مقال له بعنوان محورية الوعي في تقدم الشعوب : في تاريخ كل الشعوب والحضارات لحظات تاريخية فارقة لايكون ما قبلها مثل ما بعدها ابداً، تلك اللحظات ترتبط عادة باحداث قومية ضخمة، كانتصار او هزيمة في حرب، ثورة شعبية او انتفاضة فئوية او طبقية، قرارات زعماء وملوك ورؤساء، او اطروحات اكاديمية او اكتشافات علمية تؤدي في النهاية الى تغييرات اجتماعية وسياسية وثقافية كبرى، لايشترط ان تكون النتائج المباشرة بالايجاب، بل قد تكون نتائج شديدة السلبية، لكن تكون المحصلة على الأجلين المتوسط والطويل ايجابية على نسبية الكلمة.

وهنا لانريد اعادة ما يحدث في مجتمعاتنا سوى من قِبل الافراد او الحكومات، بالطبع الامر برمته يتعلق بالوعي واللاوعي، ولكن مع ذلك السؤال الذي يتبادر للذهن من هو المسؤول عن خلق الوعي لللاوعي الشعبي والحكومي..؟، بحق الاجابة عن هكذا سؤال ليس بسهل، و ذلك لصعوبة اعطاء اجابة قطيعة لمفهوم الوعي واللاوعي الا من خلال المفاهيم التي سبق وان طرحناها والتي كانت وليدة دراسات في مجال علم النفس والسوسيولوجيا والفلسفة وغيرها من المجالات، ومع وضوح مساراتها الدلالية الا انها في الاجمال تجعلنا تحت مقصلة التناقض الحاصل في بنية مجتمعاتنا، فهل لاشعورنا اي المخزون الذي نمتلكه هو الذي يدفعنا للخضوع للحكام – الحكومات – بطوعية لامتناهية، حتى ننسى المطالبة بحقوقنا بصورة متحضرة تواكب القيمة الانسانية للانسان دون النزوح للفوضى والتخريب والدمار من حرق الممتلكات وسرقة المتاجر وقطع الطرق على المارة وشتم ونعت الاشخاص بكلمات بذيئة لاتتناسب انسانيتنا فضلاً عن بعث الغوغائية الاعلامية التي تؤثر سلباً على نفسية الفرد، وفي المقابل هل لاشعورية السلطان – الحكام – الحكومات مخزونها متوقف على ان تقتات على حقوق الشعب، وتهدر الاموال العامة في مصالحها الحزبية والشخصية بعيداً عن القيم الانسانية الوطنية التي تعطي للفرد ان يعيش على اقل تقدير فوق خط الفقر، وان يعيش الامن والاستقرار دون فوبيا الازمات التي تعصف به بسبب لاسياسة السياسة الحكومية..؟.

يقول عبدالكاظم محمد حسون وعي الشعوب كيف يخلق؟ إن زيادة وعي المواطن الى درجة تمكنه من ايجاد نفسه وايجاد الطريق الصحيح الذي يمنحه الحياة الكريمة لا يأتي بجهد المواطن وحده، وانما هي مسؤولية الحاكم ايضاً من خلال زيادة الاهتمام بالمواطن للاهتمام بالتعليم وتطوير مناهجه واحترام النظام الديمقراطي وفرض القانون المنصف الذي يتماشى مع متطلبات التطوير ومحاسبة المشعوذين والفاسدين والاهتمام بايجاد فرص العمل والتركيز على الاعلام الذي يساهم في نشر الوعي الخلاق وتعاون كل من الحكومة والشعب على وضع برامج الغرض منها رفع مستوى الوعي الجماهيري ورفع مستوى اداء الحكومة للنهوض بالبلد على كافة المستويات، وعلى المواطن ان حريص على انجاح هذه البرامج.

ومحصلة الرؤية اننا للاسف نعيش في مجتمعاتنا نسبة اللاوعي فيها تزيد بشكل واضح ومؤثر عن نسبة الوعي بشقيه الفردي والجماعي، او بعبارة ادق الفردي والحكومي، وذلك ما نحصد نتائجه ليس الان فحسب انما الان هو تحصيل حاصل للامس، كما سيكون الغد نتاج طبيعي لليوم، فالفرد لدينا يريد حقوقه ولكنه لايريد ان يعي ان الموجودات التي يسعى للحصول عليها تخضع لقوانين داخلية واخرى اقليمية واخرى خاضعة لمصالح المنظومة الدولية التي لايهمها سوى كسب مصالحها ليس على حساب الاراضي فحسب انما على حساب الاقوام والانسانية اجمعها، في حين الحكومات نفسها تعيش حالة من الفوضى العارمة بسبب عدم التخطيط المستقبلي والاعتماد على الكسب الاني، دون التفكير بالبدائل التي تمنحها الاستمرارية في حال انفلات الامور وتقلب مصالح الدول الاقليمية ومصالح المنظومة، وبذلك اللاوعي الجمعي الحكومي يؤثر على اللاوعي الفردي، وسلوكيات الطرفين تكون نتائجها كارثية، فالاخير – الفرد – يلجأ الى الفوضى وتساهم الشبكات الاعلامية الغوغائية في اثارة النعرات لديه فيتحول الى كائن مدمر للكيان، سواء من خلال تدمير الممتلكات وتخريبها وحرقها او حتى اللجوء الى البدائل غير المنطقية لديه لاسيما في اللجوء الى المناوئين لوجود كيانه القومي الوطني، في حين تلجأ الحكومات الى ادوات القمع والسجن لاعادة الامور لنصابها وعدم الانفلات الامني، ومحصلة ذلك استمرار الازمات، استمرار التفكك الاجتماعي، استمرار الخضوع لمنطق المصالح سواء الحزبية او مصالح المنظومة او دول الجوار، وبالتالي ضياع القيمة الفعلية للوجود الانساني داخل تلك الدائرة – الكيان -، ناهيك عن ضياع التفاهم بين اللاوعي الفردي والجمعي واتساع الهوة بينهما.

وذلك ما يفرض حتمية التناقض التي سبق وان نوهنا عنها فيما يتعلق بمفهوم الوعي واللاوعي، لأن علماء النفس مثلا في الغالب يلجأون الى مخاطبة اللاوعي لتشكيل وعي حقيقي للانسان، وفي المقابل ان الفصام السياسي الذي يعيشه المواطن لايتم التعامل معه من خلال مخاطبة لاوعيه – مخزونه – لخلق وعي لديه، فهو يعيش مشاكله اليومية بالمكايدة اللاعقلانية وليس بالتفكير وفي معطيات الموضوع، وفي المقابل لانجد في الانظمة الحاكمة ادراكاً لمواجهة اللاوعي بالوعي، بالعكس تماماً فان المواجهة تكون باللاوعي لللاوعي، يقول حسين ابو السباع في مقال له بعنوان تشكيل الوعي بمخاطبة اللاوعي: "ان الانظمة الاكثر وعياً هي التي تشجع القوى الناعمة لبث فنونها – مسرح الشارع انموذجاً - الى اللاوعي العام لشعوبها "، وهذا ما يجعلنا ندرك تماماً ان الفرد والحكومات لدينا لاتمتلك ادنى فكرة عن العقل التنبؤي النموذج الثوري المخالف لنموذج فرويد، يقول ستيف أيان ان العلميات التقائية تعلب دوراً مركزياً في العقل، وهو ما يسمح لنا بالتنبؤ بالاحداث بسرعة ودقة حالما تنشأ، اي اننا لانعيش فقط ضمن دوائر اللاشعور المخزونة لدينا، ونثيرها بسبب محفزات آنية، بالتالي فاننا نستوعب ما يفرزه اللاشعور بسرعة لكوننا نملك العقل التنبؤي الذي يجعلنا نلجأ لردة فعل تجاه ذلك الافراز اللاشعوري بسرعة، وهذا ما يجعلنا نرى بأن المخزونات التي لدينا سواء افراد او جماعات – حكومات – يمكننا ان نتنبأ بضامينها اذا ما ادركنا وجودنا الانساني بعيداً عن التكهنات الافتراضية الانتمائية المبغضة التي تحيدنا عن مسارنا الانساني الواعي، وهنا يمكننا استغلال مساحة اللاشعور اللاوعي، لخلق انموذج يسخر مقولات فرويد، ويؤكد على انطباعات ستيف أيان في الوقت نفسه، فكأفراد نساهم في تطوير المجتمع من خلال ممارساتنا الانسانية المتحضرة بعيداً عن الانحراف السلوكي المؤدي الى العنف، والمسبب في الوقت نفسه لمواجهتنا بالقوة والعنف، اي عدم اعطاء المبرر للمقابل الجمعي – الحكومي – باستخدام القوة، فان لجأت الاخرة للقوة وقتها تكون الصورة واضحة تماماً فيما يتعلق عدم امتلاك الحكومات تلك، الوعي اللازم للسير بالمجتمعات نحو ضفاف آمنة ومستقرة، ومن هناك يمكن للوعي الفردي ان يتخذ قراره المناسب من خلال الانتخابات مثلاً بعيداً عن الضغوطات والنعرات المتحزبة، فإن استطاع الفرد من خلق ذلك الانموذج الواعي للوعي الفردي فانه يساهم في اخضاع اللاوعي الجمعي لمنطق اخر، ليس مبني على المخزونات السلطوية الساعية لاخضاع الفرد بالقوة والحرب الناعمة وذلك بغسل مفاهيمه بالشعارات البراقة وغير ذلك، لأن عقله التنبؤي – الحكومي – سيجبره على اتخاذ مواقف تتناسب مع وعي الافراد لكي لايخرج الامر عن سيطرته وتحدث الفوضى والانفلات والتخريب والتدمير، فيلجأ الى القمع والسجن.