جائزة كيبوتس بوكر: الفائز الإسرائيلي والجوكر الإماراتي!
انطلقت أمس الأحد، اجتماعات تستضيفها إسرائيل، برعاية أمريكية، ويشارك فيها وزراء خارجية مصر والمغرب والإمارات والبحرين، وهو أمر وصفته وسائل إعلام دولية وعربية بـ«لقاء دبلوماسي تاريخي».
يتوّج هذا اللقاء الأخير حراكا دبلوماسيا إقليميا لافتا بدأ بزيارة مفاجئة لرئيس النظام السوري بشار الأسد إلى دبي، ثم باجتماع ضمّ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وولي العهد الإماراتي محمد بن زايد، ورئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت في شرم الشيخ المصرية، ثم باجتماع ضم الملك عبد الله الثاني، والرئيس السيسي، وولي العهد محمد بن زايد، ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي.
تدور هذه الاجتماعات كلها في ظل حدثين كبيرين، الأول هو الغزو الروسي لأوكرانيا، والثاني هو علامات الاقتراب من توقيع اتفاق نووي جديد مع إيران، وفي خلفية هذين الحدثين تحضر قضايا اقتصادية شديدة الأهمية، حول إنتاج وإمدادات وصادرات النفط والغاز والقمح، وكذلك مخاطر انفجار فلسطيني خلال رمضان.
القاسم المشترك في كل هذه الاجتماعات هي الإمارات، التي تحاول لعب دور «الجوكر» الذي يأمل بجمع أرباح مالية أو سياسية من ركوب التناقضات الدولية والإقليمية، وقد طبّقت هذه السياسة في مجلس الأمن، حيث امتنعت عن إدانة الغزو الروسي، وحصلت على «هديتين» روسيتين مقابل ذلك، الأولى تصويت موسكو لصالح قرار باعتبار الحوثيين حركة إرهابية، والثانية بدء حركة أموال «الأوليغارش» الروس الهاربين من العقوبات الأمريكية والأوروبية باتجاهها.
بامتناعها عن الاستجابة للطلب الأمريكي بإنتاج مزيد من النفط لتعويض النفط الروسي الفاقد، تمكنت أبو ظبي أيضا من جني فوائد عائدات أسعار النفط الصاعدة، وباستقبالها للأسد، قدّمت هدايا واضحة إلى جبهة موسكو – طهران، وحصدت، نتيجة ذلك،استمرار توقف الهجمات الحوثية (والعراقية) على أراضيها، وكذلك على قواتها في اليمن.
لكل من الدول الأخرى حساباتها الخاصة التي تحاول تحصيل نتائجها من مخاض هذا الحراك الواسع، فالمغرب، الذي تقوده حكومة جديدة برئاسة رجل الأعمال الشهير عزيز أخنوش، يبدو راضيا بالمكاسب السياسية التي حققها في موضوع الصحراء، وخصوصا بعد تغيّر الموقف الاسباني، كما بالمكاسب العسكرية والاقتصادية التي يأملها من تقاربه مع إسرائيل ودول الخليج، التي شهدت العلاقات معها هبوطات عديدة على مر السنوات الماضية.
تحاول القيادة المصرية، بدورها، مقايضة المشاركة في هذه الاجتماعات بفوائد اقتصادية محسوسة، وغالبا ما تشارك أبو ظبي في هذه اللعبة عبر إزجاء الوعود الاقتصادية والمالية، ولكن النتائج، عادة ما تنعكس، بمزيد من السيطرة الاقتصادية والمالية الإماراتية على قطاعات اقتصادية مصرية مهمة.
تختلف استراتيجيات الدبلوماسية الأردنية، إلى حد ما، عن نظيرتها المصرية، فرغم اهتمامها، أيضا، بإمكان تحقيق فوائد اقتصادية من الحراكات السياسية الطابع، فإن جزءا مهما من حركتها، والتي تضمنت زيارة الملك عبد الله الثاني لرام الله مؤخرا، ينصرف إلى تدبير شؤون الداخل الأردني، المرتبط بشدة بشؤون الأراضي الفلسطينية المحتلة، بحيث أن أي انفجار في الضفة وغزة سيترك تداعياته على الوضع الأردني بمجمله، وهذا قد يفسر غياب وزير خارجية الأردن عن اجتماع النقب. يجب القول إن الفائز الأكبر، من الاجتماع الأخير، هو إسرائيل، فاجتماع أربع دول عربية في كيبوتس «سديه بوكر» في النقب، التي يتعرض سكانها، وأغلبهم يحملون الجنسية الإسرائيلية، لعمليات تهجير وطرد وقمع بشكل مؤسساتي وممنهج يلخّص المعنى الحقيقي للدولة العبرية باعتبارها كيانا استيطانيا وإحلالا عنصريا على أسس دينية، هو إقرار من دول عربية لإسرائيل بحقها في هذا الاستيطان، وانحياز إلى طرفها في الصراع مع الفلسطينيين.