ليس للإسلام نظام حكم سوى الخلافة!

ردا على حوار الدكتور عبد الحليم منصور: 

ليس للإسلام نظام حكم سوى الخلافة!

شريف زايد

أجرى موقع زهرة التحرير حوارا مع الدكتور عبد الحليم منصور أستاذ الشريعة والقانون بجامعة الأزهر، ولأن الحوار يحمل في طياته عدة نقاط يجب الرد عليها ردا مبنيًا على الكتاب والسنة، خصوصا وأنها تحمل أفكاراً وأحكامًا مغلوطة من غير المقبول أن تصدر من أستاذ للشريعة في جامعة عريقة كجامعة الأزهر.

برغم أن السيد الدكتور قد تحدث في بداية حواره عن الخلافة، إلا أنه عاد ليقرر أن ليس في الإسلام نظام حكم إذ يقول "ومن ثم فإن نظام الحكم في الإسلام، مما سكت عنه الشارع، تاركا إياه لاجتهادات المسلمين في الأمصار، والأعصار، وبما يناسبهم في كل زمان ومكان". والملفت للنظر أن الدكتور لم يفرق بين نظام الحكم وكيفية اختيار الحاكم فجعل هذه هي تلك، ويتوصل بطريقة استدلال غاية في الغرابة أن لا نظام حكم في الإسلام، ولا كيفية معينة لاختيار الحاكم في الإسلام، بل جعل البيعة من أهل الحل والعقد، والاستخلاف، والاغتصاب أو التغلب طرقًا متعددة لاختيار الخليفة، ثم يقرر بناء على ذلك "أن هذه الطرق المذكورة سلفا ليست أمورا تعبدية، وإنما هي أمور اجتهادية، توصل إليها الصحابة الكرام" وبالتالي فهو لا يرى بأسا "أن يتوصل الناس إلى طرق أخرى تحقق مباديء الإسلام العليا في المجتمع بصورة أفضل".

والأغرب من ذلك أن ينقل الدكتور عبد الحليم كلاما للدكتور ماجد الحلو يقرر فيه أن الخلافة ثابتة بالإجماع، ولكنه يستدرك بقوله "غير أنه لم يرد في كتاب الله تعالى، ولا في سنة رسوله صلَّى الله عليه وسلم حكم، يبين تفصيلا طريقة اختيار رئيس الدولة الإسلامية" فيثبت الثاني ويتجاهل الأول ليقرر ما سنفنده في السطور القادمة من أن الإسلام ليس فيه نظام حكم، وليس فيه طريقة ثابتة لاختيار الحاكم.

الخلافة هي نظام الحكم في الإسلام:

يا أستاذنا الفاضل: الخلافة فرض عظيم فرضه الله على المسلمين، بل هي تاج الفروض الذي بإقامته تقام كل الفروض، والأدلة على ذلك مستفيضة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ومن إجماع الصحابة، وإليك البيان بشيء من التفصيل:

من الكتاب: إن الله تعالى أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يحكم بين المسلمين بما أنزل الله وكان أمره له بشكل جازم حيث قال تعالى: ﴿فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ﴾ [المائدة 48] وقال: ﴿وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ﴾ [المائدة 49]، ولفظ "ما" في قوله ﴿بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾ من ألفاظ العموم، أي فاحكم بينهم بكل ما أنزل الله، والقاعدة الشرعية أن الخطاب للرسول خطاب لأمته ما لم يرد دليل يخصصه به عليه الصلاة والسلام. وهنا لم يرد دليل فيكون خطابا للمسلمين وأمرًا لهم بالحكم بكل ما أنزل الله أي بأحكام الشريعة جمعاء، وتطبيق الأحكام على الناس منوط بالحاكم، إذ إنه لا يجوز للعامة أن يطبقوا الأحكام من حدود وعقوبات وفصل الخصومات بين الناس من تلقاء أنفسهم، فيكون أمر الله تعالى في كتابه بالحكم بما أنزله من أحكام هو أمر ضمني بإيجاد الحاكم الذي يطبقها، وهذا الحاكم هو عينه الخليفة الذي يبايعه الناس عن رضى واختيار ليطبق أحكام الإسلام عليهم، وهذه من دلالة الاقتضاء في القرآن الكريم كما يسميها علماء الأصول، حيث إن أمر الله تعالى بالحكم بما أنزل يقتضي إيجاد الحاكم الذي يطبق هذه الأحكام.

وقد بينت السنة شكل هذا الحاكم وشروطه، وصلاحياته وواجباته، وهذه الصلاحيات وأيضا الواجبات تختلف عن صلاحيات وواجبات رئيس الجمهورية في النظام الديمقراطي الحالي، كما أنها حددت أن يكون هذا الحاكم واحداً على كل المسلمين، ولا يتعدد، قال صلى الله عليه وسلم: «إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما»، ومعلوم أن السنة هي بيان لمجمل القرآن، فيجب الالتزام بهذا البيان، فالشرع إذن لم يطلب إقامة حاكم إياً كان، بل طلب إقامة حاكم معين بصلاحيات معينة، وهو الخليفة، وأن يكون هذا الخليفة واحداً لا يتعدد، ومن الأدلة على أن هذا الحاكم هو الخليفة وأنه واحد لا يجوز أن يتعدد ما يلي: روى مسلم عن طريق نافع قال لي ابن عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من خلع يدا من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية» والبيعة لا تكون إلا لخليفة لا غير. فالواجب هو وجود بيعة في عنق كل مسلم، أي وجود خليفة يستحق في عنق كل مسلم بيعة، لأن الذي ذمَّه الرسول هو خلوُّ عنق المسلم من بيعة حتى يموت ولم يذم عدم البيعة. وروى مسلم عن أبي حازم قال: "قاعدت أبا هريرة خمس سنين فسمعته يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي وأنه لا نبي بعدي وستكون خلفاء فتكثر»، قالوا: فما تأمرنا، قال: «فوا ببيعة الأول فالأول وأعطوهم حقهم فإن الله سائلهم عما استرعاهم».

وروى مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «ومن بايع إماما فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع، فإن جاء أخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر» فالأمر بطاعة الإمام أمر بإقامته والأمر بقتال من ينازعه قرينة على الجزم في دوام إيجاد خليفة واحد.

وأما إجماع الصحابة: فإنهم رضوان الله عليهم أجمعوا على لزوم إقامة خليفة لرسول الله بعد موته وأجمعوا على إقامة خليفة لأبي بكر ثم لعمر ثم لعثمان بعد وفاة كل منهم، وقد ظهر تأكيد إجماع الصحابة على إقامة خليفة من تأخيرهم دفن الرسول صلى الله عليه وسلم عقب وفاته واشتغالهم بنصب خليفة له، مع أن دفن الميت عقب وفاته فرض، ويحرم على من يجب عليهم الاشتغال في تجهيزه ودفنه الاشتغال في شيء غيره حتى  يتم دفنه، وقد تأخر دفن الرسول صلى الله عليه وسلم ليلتين مع إجماع الصحابة على عدم إنكار ذلك ومع قدرتهم على دفن الرسول صلى الله عليه وسلم، فكان ذلك إجماعًا على الاشتغال بنصب الخليفة عن دفن الرسول، ولا يكون ذلك إلا إذا كان نصب الخليفة أوجب من دفن الميت. فكان إجماع الصحابة دليلا صريحا وقويا على وجوب نصب الخليفة. فالقعود عن إقامة خليفة للمسلمين معصية من أكبر المعاصي لأنها قعود عن القيام بفرض من أهم فروض الإسلام ويتوقف عليها إقامة أحكام الدين بل يتوقف عليه وجود الإسلام في معترك الحياة.

وإذا نظرنا نظرة سريعة إلى صلاحيات وواجبات الخليفة كما باشرها الرسول صلى الله عليه وسلم كحاكم والخلفاء الراشدون من بعده، نراها تختلف عن صلاحيات رئيس الجمهورية وواجباته، فالخليفة هو المسئول الأول والعام عن رعاية شئون الناس في الدولة الإسلامية في كل المجالات، وهو وإن كان يستعين بمعاونين وقضاة وولاة وعمال لإنجاز واجباته والقيام بفرض رعاية شئون الناس، إلا أن المسئولية النهائية عن أي تقصير تقع على عاتقه، لذلك فإن هؤلاء المعاونين والقضاة والولاة والعمال جميعاً مسئولون أمامه، وهو مسئول عن أعمالهم أمام الأمة، فلا يستطيع أن يتنصل عن هذه المسئولية ليضعها على وزير أو محافظ كما هو الحال في النظام الجمهوري الديمقراطي، حيث يستقل الوزير بحقيبته الوزارية والمحافظ بمحافظته عن رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء، ويتحمل مسئوليتها، فإذا حدث تقصير أو سوء إدارة يتحمل هو تبعاتها دون رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء. كما أن الرؤساء في النظام الجمهوري ورؤساء الوزراء فترة حكمهم محدودة زمنيًا، أي محدودة بالكَم: أربع سنوات أو خمس أو ست، أما الخليفة ففترة حكمه ليست محدودة بالكم وإنما بالكيف، فمادام يطبق الإسلام ولم تُجرح عدالته أو يخل بأي شرط من شروط الانعقاد يبقى حاكماً مهما طال الزمن، وإذا خرج عن تطبيق الإسلام أو أخل بأحد شروط الانعقاد كجرح عدالته يعزل وإن لم يلبث في الحكم إلا يومًا أو بعض يوم.

وأيضًا فإن النظام الديمقراطي الجمهوري يجيز وجود عدة جمهوريات في العالم الإسلامي، وبالتالي وجود عدة رؤساء كحكام مهما كثروا، وهذا حرام في الإسلام كما بينا، حيث لا يسمح إلا بمبايعة ووجود حاكم عام واحد أي خليفة واحد لكل المسلمين في العالم.

وهذا البيان هو فقط لدحض الادعاء الذي قد يرد، بأن الإسلام أمر بإيجاد حاكم أيا كان، ولم يحدد شكله أو صلاحياته، فقد حدد الإسلام شكل الحكم ونوع الحاكم وصلاحياته تحديدا واضحا دقيقا، فمن أراد الاستزادة والتفصيل في هذا الباب فعليه بكتاب "أجهزة دولة الخلافة في الحكم والإدارة" الذي أصدره وتبناه حزب التحرير وهو موجود على صفحاته.

 البيعة هي الطريقة الشرعية لاختيار الحاكم في الإسلام:

حين أوجب الشرع على الأُمة نصب خليفة عليها، حدد لها الطريقة التي يجري بها نصب الخليفة، وهذه الطريقة ثابتة بالكتاب والسنة وإجماع الصحابة. وتلك الطريقة هي البيعة. فيجري نصب الخليفة ببيعة المسلمين له على العمل بكتاب الله وسنة رسوله. والمقصود بالمسلمين هم الرعايا المسلمون للخليفة السابق إن كانت الخـلافة قائمةً، أو مسلمو أهل القطر الذي تقام الخـلافة فيه إن لَم تكن الخـلافة قائمةً.

أما كون هذه الطريقة هي البيعة فهي ثابتة من بيعة المسلمين للرسول، ومن أمر الرسول لنا ببيعة الإمام. أما بيعة المسلمين للرسول، فإنها ليست بيعة على النبوة، وإنما هي بيعة على الحكم، إذ هي بيعة على العمل، وليست بيعة على التصديق. فبُويع صلى الله عليه وسلم على اعتباره حاكماً، لا على اعتباره نبياً ورسولاً؛ لأن الإقرار بالنبوة والرسالة إيمان وليس بيعة، فلم تبق إلا أن تكون البيعة له باعتباره رئيس الدولة. وقد وردت البيـعـة في القرآن والحديث. قال تعالى: [ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ]، وقال تعالى: [ إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ]. وروى البخاري قال: حدثنا إسماعيل، حدثني مالك عن يحيى بن سعيد قال: أخبرني عُبادة ابن الوليد، أخبرني أبي عن عُبادة بن الصامت قال: «بايعْنا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة، في المنشط والمكره، وأن لا ننازع الأمر أهله، وأن نقوم أو نقول بالحق حيثما كنا، لا نخاف في الله لومة لائم». وفي مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «... ومن بايع إماماً فأعطاه صفقة يده، وثمرة قلبه،فليطعه إن استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر». وفي مسلم أيضاً عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما». وروى مسلم عن أبي حازم قال: قاعدت أبا هريرة خمس سنين، فسمعته يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي، وإنه لا نبي بعدي، وستكون خلفاء فتكثر، قالوا فما تأمرنا؟ قال: فُوا ببيعة الأول فالأول، وأعطوهم حقهم، فإن الله سائلهم عما استرعاهم». فالنصوص صريحة من الكتاب والسنة بأن طريقة نصب الخليفة هي البيعة. وقد فَهِم ذلك جميع الصحابة، وساروا عليه، وبيعة الخلفاء الراشدين واضحة في ذلك.

أما ما ذكرته يا دكتور فلا يعدوا اختلافًا في اختيار شخص الخليفة، ولا بأس بذلك... فالخلافة عقد مرضاة واختيار ومن الممكن استعمال كل الوسائل والأساليب المتاحة التي تظهر رضى الأمة واختيارها، فقد يكفي أهل الحل والعقد إن كانوا بحق يمثلون المسلمين في الرأي كما حدث في السقيفة، وقد يكون ذلك من خلال صناديق الاقتراع والانتخابات كما يجري اليوم.

أما موضوع عزل الحاكم فقد عرض الدكتور الأمر وفق النظم المعاصرة ولم يبحثها وفق الحكم الشرعي، فهو يقول "وفقا للنظم المعاصرة في اختيار الحاكم فإنه يختار لفترة محددة أربع أو خمس سنوات"، ولقد بينا هذه القضية في الأعلى بشكل مقتضب، وسنتولاها هنا بالأدلة بشيء من التفصيل، فنحن نتحدث عن مسألة تحديد مدة للخليفة في الحكم باعتباره الحاكم الشرعي الذي يجب أن يحكم المسلمين، ومن ثم نأتي على مسألة عزله...

فليس لرئاسة الخليفة مُدّة مُحدّدة بزمن مُحدّد. فما دام محافظاً على الشرع، مُنفّذاً لأحكامه، قادراً على القيام بشؤون الدولة، ومسؤوليات الخـلافة، محافظًا على شروط الانعقاد غير مخل بها فإنه يبقى خليفة. ذلك أنّ نَصّ البيعة الواردة في الأحاديث جاء مطلقاً، ولم يُقَـيّد بمدّة مُعيّنة، لما روى البخاري عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: «اسمعوا وأطيعوا، وإن استُعمِل عليكم عَبدٌ حَـبَشيٌ، كأن رأسه زبيبة» وفي رواية أخرى لمسلم من طريق أم الحصين: «يقودكم بكتاب الله». وأيضاً فإن الخلفاء الراشدين قد بُويع كلٌ منهم بيعةً مُطلقة، وهي البيعة الواردة في الأحاديث. وكانوا غير محدودي المدة، فتولّى كل منهم الخـلافة منذ أن بُويع حتى مات. فكان ذلك إجماعاً من الصحابة رضوان الله عليهم على أنـّه ليس للخلافة مدة محددة، بل هي مُطلقة، فإذا بُويع ظلّ خليفة حتى يموت.

إلا أنه إذا طرأ على الخليفة ما يجعله معزولاً، أو يستوجب العزل، فإن مُدّته تنتهي، ويُعزل، وإن لم يلبث إلا أياماً في الخلافة أو أقل.. غير أن ذلك ليس تحديداً لمدته في الخـلافة، وإنما هو حدوث اختلال في شروطها. إذ إن صيغة البيعة الثابتة بالنصّ الشرعي، وإجماع الصحابة، تجعل الخـلافة غير مُحدّدة المدة، لكنها مُحدّدة بقيامه بما بُويع عليه، وهو الكتاب والسنة، أي بالعمل بهما، وتنفيذ أحكامهما، فإن لم يحافظ على الشرع، أو لم ينفذه، فإنه يجب عزله.

عـزل الخليفـة:

إذا فقد الخليفة أي شرط من شروط الانعقاد السبعة، فإنه لا يجوز له شرعاً الاستمرار في الخـلافة، ويكون مستحق العزل. والذي يملك قرار عزله هو فقط (محكمة المظالم). فهي التي تقرر إن كان فَقَدَ أي شرط من شروط الانعقاد أو لا. وذلك أن حدوث أي أمر من الأمور التي يُعزل فيها الخليفة، والتي يستحق فيها العزل، مَظْلـِمَة من المظالم، فلا بد من إزالتها، وهي كذلك أمر مِن الأمور التي تحتاج إلى إثبات، فلا بدّ مِن إثباتها أمام قاضٍ. وبما أن محكمة المظالم هي التي تحكم بـإزالة المظالم، وقاضيها هو صاحب الصلاحية في إثبات الـمَظْلـِمَة والحكم بها؛ لذلك كانت محكمة المظالم هي التي تقرر فقد الخليفة لشروط الانعقاد أو لا، وهي التي تقرر عزل الخليفة. على أن الخليفة إذا فقد شرط الانعقاد فخلع نفسه، فقد انتهى الأمر، وإذا رأى المسلمون أنه يجب أن يُخلع لفقدانه أحد شروط الانعقاد، ونازعهم في ذلك، فإنه يُرجَع للفصل في ذلك إلى القضاء؛ لقوله تعالى: [ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ] أي تنازعتم أنتم وأُولو الأمر، وهذا تنازع بين وليّ الأمر وبين الأُمة، ورده إلى الله والرسول هو رده إلى القضاء، أي إلى محكمة المظالم.

 أما بالنسبة لموضوع الديمقراطية فالملاحظ في إجابة الدكتور أنها لم تُحسم المسألة، فالدكتور اكتفى بعرض رأيين في الديمقراطية واعتبرها محل خلاف إذ يقول "فالمسألة محل خلاف بين الفقهاء فمنهم من يرى تقارب الفكرتان وتشابههما إلى حد كبير - الديمقراطية والشورى - بل ربما وصل إلى التطابق، والبعض الآخر يرى أن كلا منهما مغايرة عن الأخرى، بل وتناقضها". وبالطبع نحن نربأ بالدكتور أن يكون في صف الذين يجيزونها، ذلك أنهم في الأغلب الأعم متأثرون بحجم التضليل الكبير الذي مارسه الغرب لتسويق ديمقراطيته المزعومة تلك، فالكفار يدركون أن المسلمين لن يقبلوا الديمقراطية بمعناها الحقيقي هذا؛ لذلك فإن الدول الكافرة المستعمِرة (وبخاصة أميركا اليوم) تحاول تسويقها في بلاد المسلمين، بإدخالها عليهم من باب التضليل، بأن الديمقراطية هي آلية انتخاب الحاكم، فتراهم يدغدغون مشاعر المسلمين بها، مركِّزين على انتخاب الحاكم؛ لإعطاء صورة مضللة للمسلمين، كأن الأمر الأساس في الديمقراطية هو انتخاب الحاكم. ولأن بلاد المسلمين مبتلاة بالبطش والظلم وتكميم الأفواه والكبت (والديكتاتورية) - سواء أكان في الأنظمة المسماة ملكية أم جمهورية؛ نقول لأن بلاد المسلمين مبتلاة بهذا، فقد سَهُل على الكفار تسويق الديمقراطية في بلاد المسلمين من حيث أنها انتخاب الحكام، ولفّوا وداروا على الجزء الأساس فيها، وهو أن يصبح التشريع والتحليل والتحريم للبشر وليس لرب البشر، حتى إن بعض (الإسلاميين)، بل والمشايخ منهم، أَخَذوا بهذه الخدعة بحسن نية أو بسوء نية، فإذا سألتهم عن الديمقراطية أجابوك بجوازها على اعتبار أنها انتخاب الحاكم، وسيّئو النية منهم يلفّون ويدورون مبتعدين عن المعنى الحقيقي الذي وضعه لها أهلها من كونها تعني السيادة للشعب يشرع ما يشاء برأي الأغلبية، يحلل ويحرم، يحسن ويقبح، وأن الفرد (حرّ) في تصرفاته يفعل ما يشاء، يشرب خمراً، يزني، يرتد، يشتم المقدسات ويسبها، تحت مسمى الديمقراطية وحرياتها. هذه هي الديمقراطية، وهذا واقعها ومدلولها وحقيقتها، فكيف لمسلم يؤمن بالإسلام أن يتجرأ على القول بأن الديمقراطية تجوز، أو أنها من الإسلام؟!

 شريف زايد

رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر