فتوى شيخ الأزهر عن التوراة سياسية لا دينية

فاجأ شيخ الأزهر الإمام الأكبر أحمد الطيب المسلمين بفتوى تحضهم على التطهر قبل لمس التوراة والإنجيل مثلما يفعلون مع قرآنهم الكريم ، وأكثر الردود  الإسلامية على فتواه   ، ونوشك أن نقول كلها ؛  غاضبة تعبر عن صدمة أصحابها ، وستتوالى ردود كثيرة متنوعة المستويات زاخرة بالغضب والصدمة . ونترك ما يتعلق بالإنجيل الذي يؤمن به إخواننا العرب من النصارى الذين قاسمونا تاريخنا الوطني ، وكانوا دائما لنا لا علينا في هذا التاريخ ، وقدموا مساهمات عظيمة في ثقافتنا وأدبنا ، وتأثروا في أساليبهم الكتابية بالقرآن الكريم تأثرا لا يقل عن تأثر إخوانهم من العرب المسلمين ، وحين حاولت الدولة العثمانية في زمنها الأخير أتركة العرب والابتعاد عن لغتهم ؛ رد مسيحيو الشام بالتوسع في قراءة القرآن وحفظه ، وقالوا إنهم أولى من الأتراك بالقرآن . ولنشتبك مع ما يخص التوراة في فتوى الإمام .  أي توراة يجب تطهر المسلم قبل لمسها ؟! توراة بابل التي كتبها عزرا الكاهن في السبي البابلي بعد 400 عام من تلقي موسى  _ عليه السلام _ لها في الألواح الخمسة ، وأضاف إليها الكثير من السيئات متعمدا ؟! أم توراة صفد ؟! أم توراة ناطوري كارتا ( حراس المدينة ) في نابلس ؟! ويعتز أصحاب هذه التوراة بأنها هي التوراة الحقيقية التي نزلت في الألواح الخمسة ، ونميل لتصديقهم لما يظهرونه من محبة ومسالمة للفلسطينيين الذين يصفونهم بإخوانهم ، وغضبوا من منظمة التحرير الفلسطينية لاعترافها بإسرائيل التي لا يعترفون بها ، ويعدونها دولة بلا شرعية دينية ، وبعضهم يتولى وظائف في السلطة الفلسطينية بما في هذا الشرطة . وكان من الممكن ان نعتبر تعدد التوراة شأنا يهوديا  لا دخل لنا فيه بصفتنا مسلمين لولا أن التوراة البابلية التي تؤمن بها إسرائيل تحض على قتلنا وكرهنا وتحقيرنا ، وكل هذا يظهر في معاملة إسرائيل للفلسطينيين ومن تصل إليه يدها المعتدية من العرب مسلمين ومسيحيين ، ومنعت أمس المسيحيين من الوصول إلى كنيسة القيامة مقتربة في هذا المنع بما تفعله في المسجد الأقصى الذي يقتحمه الرعاع من مستوطنيها ونواب الكنيست  خمسة أيام أسبوعيا ، ما عدا الجمعة والسبت ، في حماية الشرطة والقوات الخاصة التي تخليه من المصلين الفلسطينيين ، وتضربهم وتعتقلهم ، ويفعلون نفس الشيء في الحرم الإبراهيمي الذي غيروا كثيرا في عمارته بما يناسبهم ويضايق المصلين الفلسطينيين .  ووصفت ميري ريحيف وزيرة الثقافة في حكومة نتنياهو الأذان ب " عواء محمد " تقصد رسولنا الكريم _ صلى الله عليه وسلم _ ، وحين زارت الإمارات سمح لها النظام بدخول أكبر مساجد البلاد . ولما قتلت الشرطة الإسرائيلية بعض المصلين الفلسطينيين في المسجد الأقصى زمن حكومة بيجن وصف الفلسطينيين بالكفار تهوينا من جريمة قتلهم! وبعد انسحاب القوات الإسرائيلية التي دخلت بعض المناطق في قطاع  غزة في عدوان 2008 _ 2009 وجد تعميم في مستوطنة نتساريم السابقة يحث الجنود على محاربة الفلسطينيين ثأرا من طرد الرسول _ صلى الله عليه وسلم _ لليهود من خيبر . وحاخاماتهم لا يقلعون عن الحث على قتل الفلسطينيين والعرب ، ويواجه كل من يسلم من يهود إسرائيل نبذا شاملا ، ويتعقبونه في كل حركاته لرده عن الإسلام ، ويفعلون الشيء ذاته مع أي يهودية تتزوج مسلما . وقبل عامين قرأت خبرا مدهشا في هذا المنحى ، وإيجازه : أعطت فلسطينية صديقة يهودية نسخة من القرآن الكريم ، ولا يبين الخبر لغة النسخة ، أهي العربية ، أم ترجمة عبرية لمعاني القرآن . ووضعت اليهودية النسخة على منضدة صغيرة قرب سريرها ، ولم تفتحها طوال ستة أشهر ، وفجأة دهمها مرض عضال لم تشفَ منه بأي علاج ، وفي أحد أيام ملازمتها للسرير مدت يدها إلى نسخة القرآن ، وكادت تفقد وعيها لما حدث لها : شفيت تماما من مرضها ! فعزمت على أن تسلم ، وأسلمت على يد شيخ ، ولكن معاناة جديدة بدأت : كيف تخبر والديها المهاجرين من القوقاز بإسلامها ؟! وكانت الأم تتشدد في كره المسلمين أكثر من الوالد ، وتقدر الفتاة أنها ستثور عليها وتعاقبها ، ولا أدري ما حدث لها . وهكذا هم في حرب دينية وقتالية ضدنا ، ولا ننكر وجود من يرفضون هذه الحرب في إسرائيل إلا أنهم قلة لا تأثير لها في عدوانية الأكثرية ، والرافضون الآخرون يتكاثرون في أوروبا وأميركا بحكم ليبرالية مجتمعاتها ، وانزياح البعد الديني عن التأثير على آراء وقناعات مواطنيها بخلاف الحال في إسرائيل التي تتخذ الدين أهم مسوغات شرعية وجودها واغتصابها لوطن الفلسطينيين ، وحتى ملحدوها يوافقون على هذا المسوغ .ودولة بهذا العداء الضاري للعرب والمسلمين لا موجب لفتوى تحثهم  على معاملة كتابها المشكوك في صحته والمعادي لهم  معاملة قرآنهم الكريم . وحجة شيخ الأزهر في  تبرير فتواه بامتداح الله _ تبارك وتعالى _ للتوراة في القرآن الكريم ، وأنه لا فرق في جوهر الكتب السماوية الثلاثة لكونها من مصدر واحد ، هو الله _ عز اسمه _ حجة لا ينكرها أي مسلم ، والمشكلة في اختلاف توراة إسرائيل المعادية لنا  عن توراة موسى _ عليه السلام _ ، وفي أن إسرائيل تعادي ديننا ، وتمنع مسلمين فلسطينيين من حرية العبادة الآمنة في المسجد الأقصى والحرم الإبراهيمي . والمريب  في الفتوى أنها جاءت في ذروة قمع إسرائيل للمصلين في الأقصى ، وفي شهر رمضان ، شهر القرآن الكريم  ، كأنها تشجعها على قمعها لهم ، وتؤيد كل ما تخطط له من تقسيم مكاني وزماني للأقصى . الفتوى هدية عظيمة لها ، وضربة خطيرة للفلسطينيين الذين يدافعون يوميا عنه ، ويواجهون الضرب العنيف من شرطتها  وقواتها الخاصة وجيشها وهمج مستوطنيها ، وتعتقل الشرطة والقوات بعضهم ، وتمنع بعضهم من الصلاة في الأقصى أياما أو شهورا . ولم نسمع حتى اللحظة كيف استقبلت إسرائيل الفتوى ، والموثوق منه أنها ستعدها تاريخية وانتصارا عظيما لها ، والموثوق منه أيضا أنها ، إسرائيل ، وراء هذه الفتوى ، فهي فتوى سياسية يقف خلفها النظام المصري لا قناعة شيخ الأزهر الذي له من وفرة العلم والفقه ما يبعده عن إصدار فتوى في مثل خطورتها على المسلمين ، وعظم فوائدها لإسرائيل وعدوانيتها عليهم . 

وسوم: العدد 978