وسألني أخ حبيب عن أدلة على التمييز الطائفي في عهد الأسدين
وأردت أن أجيب بحديث أعم وأشمل عن التأسيس الطائفي في عهدهما، ومن قبل، مرورا بما كان وبما صرنا إليه. أما الأدلة فنحن نحفظ من قبل:
وكيف يصح في الأذهان شيءٌ ... إذا احتاج النهار إلى دليل!!
دليل وأي دليل..
ونظلم التاريخ إذا قلنا إن التأسيس للنظام الطائفي في سورية بدأ في عهد الأسدين، يمكن ان نقول اكتمل عقده، وتم إحكام دائرة الشر فيه في عهدهما نعم.
وكان المستعمر الفرنسي المؤسس العملي الأول. أما المؤسس النظري الأسبق فهم قوم سبقوا في التنظير، فدعوا ووجدوا بيننا استجابة، إلى تغيير عنوان مظلتنا الجامعة من إسلامية إلى قومية إلى وطنية..وها نحن اليوم نتجرع المرارات!!
في حقيقة الأمر كان بعض القوم يسر تحت تلك العناوين التي لا ضير في ظاهرها ولا فيما وراءها "حسوا في ارتغاء" وأقول لأخي السائل الحبيب، وانظر إلى طبيعة تركيبة الائتلاف بقلب ذكي، وعقل حاضر ،وأنف حمي؛ تدرك ما لا أريد أن أقول. وبقياس الحاضر على الغائب تدرك ما كان.
ولكننا لا نستطيع أن نخلي رجال الكتلة الوطنية الأولى من غفلة، ولا أريد أن أقول من تواطؤ. فقد كان الذي كان. ثم استمرت الغفلة حتى أسلمونا إلى الثامن من آذار. وبعد الثامن من آذار كانت هناك محطة فارقة أرخ لها إذا شئت بتحميدة الشيخ عبد الرحمن حبنكة الميداني رحمه الله تعالى، وخرجنا في شباط ١٩٦٦ من حزب الطوائف إلى حزب الطائفة وإليك بعضا مما كان بعد التصفية البينية فيما يسمى التصحيح المجيد.
وأحب أن أذكر أن الفتنة الطائفية في سورية وعلى مستوى الخطاب ظلت مجرمة، وأن تجريمها ظل يكون أشد كلما غرق البلد في مستنقعاتها أكثر. فلنحفظ هذا ولا ننسه أبدا..
فظلت الطائفية عند أصحابها نهجا لا خطابا. وما زالت كذلك، وأعجب لقوم يسألهم ربهم (لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ؟؟) ويظلون يقولون ما لا يفعلون. بينما غيرهم يفعلون ولا يقولون. واحر قلباه!!
الطائفية وأنت تسألني أدلة عليها، هي سياسات خفية غير ظاهرة ولا معلنة. سيدنا المسيح يقول: من ثمارهم تعرفونهم!! شجرة الزقوم وإن لم نرها نعلم أن طلعها كأنه رؤوس الشياطين.
وقام النهج الطائفي على قواعد استراتيجية عملية في الاستيلاء المتدرج على مراكز القيادة والسيطرة في بُنى الدولة السورية، وأولها الجيش. واستمرت عملية السيطرة على الجيش على محورين: الاستئصال والإقصاء للمخالفين، وضرب بعضهم ببعض، ثم السيطرة على مفاصل القرار، سيطرة عددية، ونوعية.
السيطرة العددية تمت بدفع أكثر أبناء الطائفة إلى الجيش، حتى الذي كان يريد أن يدرس الطب من أبناء الطائفة، يدرسه على حساب الجيش.
والسيطرة النوعية هي السيطرة على المواقع الحساسة، وقيادة الفرق والألوية العملية، وكم من صاحب رتبة لواء في الجيش السوري كان يؤلف كتبا في فن الطبخ، أو يتتبع ملكات جمال العالم، أو يقدم دورات في فن تنسيق الزهور كان الأمر العملي الوحيد الذي أنيط به توقيع قوائم الإعدام على بني أبيه!! أو لعله يكون أمين مخازن للمهمات التالفة ، أو قائد قطعة ملحقة للشؤون الإدارية..
تريد أدلة تحتاج إلى إحصاءات والاحصاءات لا تخطئها أعين الذين يبصرون.
ومن الجيش إلى الأجهزة الأمنية ومن الأجهزة الأمنية إلى مواقع وازرتي الداخلية والخارجية ومنهما إلى الإعلام ومن الإعلام إلى المال والاقتصاد ومنهما إلى التربية والتعليم.
- وأذكر يوم نفذت مجزرة التعليم عام ١٩٧٨ وأقصي عن التعليم خيرة رجاله في المجتمع السوري. ودائما كان الإقصاء يقع على قاعدة نبذ "الثور الأبيض" صحيح مللنا من تكرار الحكاية ولكننا مع الاسف لم نتعلم منها شيئا، ولم نتعلم من صديقنا شيئا ولا من عدونا شيئا.
- مجزرة التعليم في حد ذاتها تحتاج إلى دراسة متأنية، لم تكن يومها أحداث الثمانينات قد اشتعلت، ولا مذبحة مدرسة المدفعية قد نفذت. يومها جاء قرار بمنعي شخصيا من مزاولة مهمة التعليم، لم أكن عاملا مع الدولة، كنت أعلم في التعليم الخاص. وتقصيت لأعلم لم؟؟ قال لي موظف في محافظة حلب وهو يضحك: أهنئك، شغلتك كبيرة، قرار خاص باسمك يوقعه وزير الداخلية. حوالي ألف وخمس مائة مدرس أحيلوا إلى المستودعات كما ألوية الجيش الذين كنت أتحدث عنهم..
النهج الطائفي في سورية -أخي الحبيب-حقيقة واقعة يشهد عليها كل شيء. وإذا أردت الشواهد فاطلب احصاءات أعداد الطلاب في الكليات الحربية، وفي السلك الدبلوماسي، وفي المنح والبعثات العامة، وفي أجهزة الإعلام والثقافة وفي .. وفي ..
والطائفية سم ناقع، لا نقاومه في الوقوع في حبائله، وإنما بالتعالي فوق الراتعين في مستنقعاته. للباطل جولة وللحق دولة. وجولة الباطل ساعة ودولة الحق إلى قيام الساعة. والعدل أساس الملك. هي الحقيقة التي نوقن بها. قل أمر ربي بالقسط. هي الحقيقة الباقية، وهي الحقيقة التي يجب أن نعيد البناء عليها. ورضي الله على من قال "لست بالخب ولا الخب يخدعني"
وسوم: العدد 981