الغرب والبديل الثالث في مصر!!
حسام مقلد *
تؤكد كل الدلائل العملية على الأرض أن الانقلاب العسكري في مصر قد باء بالفشل الذريع، وأن الشعب المصري العظيم قد فرض إرادته على المتآمرين الذين حشدوا كل قواهم لإجهاض التجربة الديمقراطية الوليدة، وأضحى السؤال الآن: ما البديل لحكم العسكر؟!
طوال الأسابيع الماضية تجري لعبة شد وجذب بين جميع الأطراف المحلية والإقليمية والدولية...، وهناك جهود استخباراتية مضنية لتضليل الجماهير وتشتيت انتباههم من خلال التسريبات المفتعلة...، وإثارة السحب الدخانية الكثيفة في أكثر من اتجاه للتعمية على المصريين، وبعثرة قواهم، وتبديد طاقاتهم، ونسف توحُّدِهم حول تحقيق أهداف ثورة 25يناير.
ويجري الآن ترويع المصريين بأبشع الوسائل من تصفية للجنود، وقتل للمتظاهرين أو اعتقالهم، بالإضافة إلى إشعال الجامعات وضرب الطلاب والطالبات وسحلهم في الشوارع وفي كلياتهم ومدنهم الجامعية، والحكم بأحكام قاسية ومغلظة على الشباب والفتيات والأطفال الصغار الذين يتم اعتقالهم وسط المظاهرات السلمية التي يعبرون من خلالها عن رفضهم للانقلاب!
وتحاول عصابة الانقلابيين أن تبدو متماسكة وناجحة في إدارة شئون البلاد، وتدعي أنها تسير بخطى واثقة نحو المستقبل، وقد أنهت هذه العصابة ما تسميه بوثيقة دستور 2013م، ودعا من يُسمى بالرئيس المؤقت الشعب للاستفتاء عليه، وكأن شعب مصر العظيم مجرد قطعان من الحمقى والمغفلين يساقون بالعصا أو بالجزرة، وكأن هذا الشعب سيثق في العسكر ويذهب للاستفتاء ليشارك في هذه المسرحية الهزلية المفضوحة...!!
أليس هؤلاء العسكر هم من أهدروا بانقلابهم الغاشم إرادة الأمة في خمسة انتخابات سابقة جرت بعد ثورة 25يناير المباركة؟! نعم سيذهب للاستفتاء بعض الشرائح الانقلابية من الأقلية السياسية أو الطائفية أو الفلولية ... وسيجري تزييف إرادة الأمة وتزوير النتيجة فمن يقتل 7000 إنسان بريء لن يتردد في تزوير الاستفتاءات والانتخابات لتثبيت أقدامه وتوطيد أركان الدولة العسكرية البوليسية القمعية التي يؤسس لها...!!
لكن الجماهير الغفيرة من شعب مصر الأبي ستضرب عرض الحائط بكل ما يتمخض عن هذه المسرحيات السمجة، فالقاعدة تقول: "إن ما بني على باطل فهو باطل" ... والانقلاب باطل لم يعترف به الشعب المصري، ومنذ نحو ستة أشهر والمصريون في الشوارع والميادين يعبرون عن رفضهم لجريمة الانقلاب، وعدم الاعتراف به ولا بما ينشأ عنه!!
ويؤكد التحالف الوطني لدعم الشرعية يوميا رفضه للانقلاب، وسعيه لإعادة عربة الديمقراطية في مصر إلى مسارها الصحيح، والإشارات الواردة من قيادات هذا التحالف تؤكد على إصرار الشعب المصري على استعادة كرامته وحريته، وأنه لا مجال لعودة دولة العسكر الاستبدادية في مصر ثانية مهما كانت الظروف، وأن الكفاح الوطني مستمر لرفضها وفضحها وفتح صندوقها الأسود لإسقاطها تماما مهما كانت التضحيات!!
على صعيد آخر تحاول أطراف إقليمية وعالمية كثيرة إنجاح العسكر بكل ما أوتيت هذه الأطراف من قوة!! لكنهم يعلمون أن الانقلاب العسكري إلى زوال إن عاجلا أو آجلا، وأنه سيسقط لا محالة أمام رفض جماهير الشعب المصري التي يتزايد غضبها كل ساعة في الشوارع، لكن المشكلة التي تواجه الغرب (أوربا والولايات المتحدة الأمريكية) هي أنه لا يوجد بديل للعسكر في مصر سوى الإخوان المسلمين، وهؤلاء لهم مشروعهم الحضاري المتكامل الذي يسعى لاستقلال مصر وتحرير إرادتها من التبعية للغرب، وبناء مواقفها انطلاقا من المصالح الوطنية والقومية الحقيقية لمصر ولأمتيها العربية والإسلامية.
ولذلك يسعى الغرب بكل قوته لإيجاد بديل ثالث يتولى أمر مصر فلا تعود للنموذج الحضاري المستقل بقيادة الإخوان، ولا تُترك في أيدي العسكر الذين ترفضهم الجماهير ولن تقبل بهم ولن تسكت على قمعهم واستبدادهم ثانية بعد أن ذاقت طعم الحرية وعرفت معنى الكرامة الإنسانية!!
لقد نسي الغرب في حمأة اندفاعه لإجهاض تجربة الرئيس محمد مرسي، وفي غمرة تآمره مع الأطراف المحلية والإقليمية على الثورة المصرية ـ نسي الشيفرة السرية ومفتاح حل اللغز في مصر...!!
وهذه الشيفرة تكمن في كلمتين اثنتين هما: (الشباب والتدين) فالأجيال المصرية الجديدة لا تعرف الخوف ولن يرهبها العسكر بكل بطشهم وجبروتهم، وفي اللحظة الموعودة سيجد هؤلاء العسكر أنفسهم أمام طوفان بشري غير منقطع يواجه ظلمهم بكل بسالة وشجاعة، ولن ترهبه دباباتهم ولا مدافعهم وطائراتهم، وسيهدم الشباب بصدورهم العارية المعبد على رؤوس الجميع... وساعتها ستحترق مصر إن لم تتحرر تماما من سيطرة العسكر لتكون دولة مدنية متحضرة، لكن لن تحترق مصر وحدها بل ستشتعل معها المنطقة العربية برمتها والعالم كله من خلفها...!!
كلمة السر الثانية هي التدين، فلن يقبل الشعب المصري النموذج العلماني الإباحي الماجن الذي يروج له العسكر والعلمانيون المتحالفون معهم في أدبياتهم (وسهراتهم...) لن يقبل المصريون جميعا: مسلمون ونصارى بغير النموذج الحضاري الوسطي المعتدل الذي يحفظ للقيم الروحية مكانتها، ويعلي من شأنها في المجتمع، مع توفير الحرية والكرامة والاستقلال والعدالة الاجتماعية لجميع المواطنين، دون أي تفرقة على أساس الدين أو اللون أو الجنس أو الأصول العرقية!!
نخلص من كل ما سبق إلى أنه لو كان الغرب حريصا حقا على الاستقرار في مصر والمنطقة والعالم، ومهتما بمصالحه الاستراتيجية الحيوية للغاية مع الشعب المصري فيجب أن يعلن فورا وبوضوح تام رفضه للانقلاب العسكري الغاشم، ويجب أن يتوقف فورا عن دعمه له، ويكف عن الضغط على دول الخليج لضخ الأموال في شرايينه.. فهذا الانقلاب ميت لا محالة!!
وعلى الغرب مصارحة نفسه دون خجل بأنه أخطأ خطأ فادحا عندما تآمر (أو تواطأ...) على الرئيس مرسي، وأفضل للغرب القبول بالإخوان المسلمين المعتدلين وإشراكهم وإدماجهم في السياسة الدولية من السعي المحموم بحثا عن البديل الثالث، فهذا البديل الشائه مرفوض تماما من شعب مصر الحر الأبي، ولن يزيد النار إلا اشتعالا ...!!
* كاتب إسلامي مصري