ما السبب الرئيسي في تأخّر النصر؟

عابدة المؤيد العظم

وتجمد الربيع العربي وتحوله إلى شتاء طويل

عابدة المؤيد العظم

"أسباب تأخر النصر" موضوع مسبوق كثر الكلام فيه، ولكني لن أردد ما يقوله الناس من أسباب عامة، وأرجوكم أنتم أيضاً ألا تكرروا ما يقولون؛ فلا، لا تقولوا "لن ينصرنا الله حتى يميز الخبيث من الطيب، ولن ينصرنا حتى نتطهر من ذنوبنا ونصفي قلوبنا ونُحَسّن أَعمالنا"، وكـأنهم ينتظرون منا أن نصبح ملائكة في الأرض يمشون؟! 

قولهم نشر الإحباط بين الناس.

وإنهم يبالغون في القول، ويطلبون منا ما لا نحسنه؛ فهل نسوا أن البشر يخطئ ويصيب؟ وأن الدنيا دار شقاء وأن البلاء فيها حتم؟

وإن التقوى تزيد احتمالات النصر وتؤدي للتمكين بالأرض لا شك في هذا. على أني استعرضت القرآن كله فما وجدت آية تشترط الإقلاع عن كافة الذنوب والمعاصي لكي ينصرنا؛ بل وجدت الله رحيماً يعفو عن كثير؛ نصر المؤمنين وهم أذلة، ومكنهم وهم قلة، وسودهم على العالمين وفيهم الكافرون والمنحرفون والفاسقون الضالون.

وإن قولهم يخالف تاريخنا المجيد؛ إذ يقول جدي الشيخ "علي الطنطاوي" رحمه الله، قرأت في التاريخ آلاف الصفحات، وقرأت التاريخ الإسلامي من أوله إلى آخره، وأحصيت ما قرأته عن الحروب بدقة وأناة فوجدت المؤمنين قلة في المعارك الحاسمة التي خاضوها، وانتصروا رغم قلتهم وسادوا وملكوا".

وفي استقراء سريع لسنن من قبلنا وجدت أن النصر يتم بأمرين أساسيين:

1- الإيمان بالقضية والعزم عليها.

2- الصبر؛ وإنما النصر صبر ساعة.

وإن الثوار لا يفتقدون أياً منهما، فلماذا لم ننتصر؟

والحقيقة أن الثورة انتصرت وتقدمت على أرض الواقع ، وسيطرت على بعض المدن المهمة واستقلت ببعض المساحات، وإن الغرب بجبروته وقوته وتفوقه العسكري ما استطاع وقفها، ولا تمكن من تحجيمها، واستمرت وكبرت، وثبت بما لا يقبل الشك أن الفئة القليلة الصامدة تغلب الفئة الكثيرة.

ولم يستطع الغرب النيل منا وتأخير نصرنا إلا عندما اختَرَقَنا واشترى ذمم بعضنا شراء كاملاً. ولولا رجال يغدرون، وآخرون يخونون لتحررت سوريا في شهور قليلة.

وإن محور الشر لا يستطيع الوصول إلينا ولا كشف أسرارنا ولا الاطلاع على خططنا مهما تقدم علمه وأبدع وتفنن في استعمال التقنية الجديدة، وليست لديه إلا الوسائل القديمة "الجواسيس والعيون" و"الخدعة"، ومن أجل هذا ما زالوا يستعينون بأساليب "الحرب الخفية" التي تتلخص بالتفريق بين الناس والتحريش بين الكتائب المقاتلة.

فاستعملوا كافة الوسائل والأساليب الظاهرة والخفية، واستعملوا الدهاء واستخدموا القوة، ومنذ بداية الثورة بدؤوا بإدخال حزب الله وشيعة إيران، واستعانوا بالخبرات المتطورة الروسية. ودعموا النظام بالمال الوفير وكافة الوسائل الممكنة.

ثم اخترقوا الجيش الحر؛ فامتلأ بالمرتزقة والحرامية والجواسيس والمجرمين الذين أفرج النظام عنهن خصيصاً ليشاركوا في القتل ويحرفوا كفة النصر لجانب النظام.

وعلمنا -منذ بداية الثورة- محاولتهم شراء الكتائب واستمالة الرؤوس، وعرفنا -ومن مصادر موثوقة ومباشرة- كيف ساوموا القادة في حمص ومنوهم بالأماني ووعدوهم بالمناصب فانحاز بعضهم إلى الفئة الباغية، ودب الخلاف بين بقية الألوية، واستقلت بعض الفصائل بجنودها وامتنعت عن التعاون فيما بينها فضاعت بعض أحياء حمص بسبب هذا.

ولقد أجازوا دخول المتشددين والغرباء للقتال في سوريا، وحملوهم بما يستطيعون من المذاهب والأفكار الهدامة ليوقعوا بين الناس، ومن آثارهم "داعش" التي تشوه الدين وتحرف العقل وتغير الواقع الجميل، وتمهد لسوريا "المستكينة" التي يريدون.

ولكن أفظع ما فعلوه تمكنهم من شراء ضمائر بالكامل وسرقة الأسرار العسكرية الدقيقة، والسر له قداسته، وفي الحروب تزداد هذه القداسة، وتزداد خطورة إفشائه لأنه يؤثر بشكل مباشر على سير المعركة، حتى ليعتبر هذا من الخيانة.

وإن أكثر ما يدمر هذه الثورة ويؤخر نصرها هو الخيانة، الخيانة قلبت الموازين وهي التي أخرت النصر في سوريا وفي غيرها؛ وهي السر في هزيمة المسلمين على مدار التاريخ، ولقد سيطر اليهود على فلسطين بخيانة الرؤساء العرب، والدولة العثمانية سقطت بخيانة الشريف حسين... والتاريخ حافل بالخيانات.

ولولا شراء الذمم وتدخل الطوائف المختلفة والدول الكبيرة لاختلف الواقع، ولقد ثبت بالدليل وبشهادات موثقة من المطلعين والعارفين أن "القصير" و"تل كلخ" سقطتا عن طريق صفقة كبيرة بُيتت بليل، وفوجئ المجاهدون بها واضطرت الكتائب للانسحاب... ولعل "السفيرة" و"تل عرن" و"تل حاصل" و"خناصر" وغيرها من المدن قد سقطت بمثلها.

ولذلك كانت الخيانة جريمة دولية كبيرة يعاقب عليها القانون الأرضي فكيف بالقانون السماوي؟ وإن الخيانة تخالف الأخلاق الأصيلة وتنافي النخوة والمروءة، وليست من الإنسانية.

الخيانة سلوك مرفوض ممقوت ومن أكبر الكبائر وإن لم تكن كبيرة من باب الدين فمن باب الولاء والوطنية، ولا عجب أن دول العالم  -كلها بلا استثناء على اختلاف دياناتها وولائها ومذاهبها ومشاربها- تتفق جميعاً على تجريم مرتكب مثل هذا الفعل، ويسمونها "الخيانة العظمى". 

وتعني "الخيانة العظمى" عدم الولاء للدولة والعمل ضد مصالحها.

وتُوَجّه تهمة الخيانة عادة لمن يعارض الحاكم أو أعماله، وتكتمل أركانها عند الاتصال بدولة أجنبية بهدف المس من الاستقرار في البلاد. وهي جريمة يحاكم عليها القانون، وتكون العقوبة شديدة مثل السجن المؤبد وقد تصل حتى الإعدام.

وفي الإسلام خيانة شخص (أو مجموعة) لجماعة المسلمين جريمة تستدعي الحد، لأنها تسبب بما نراه من قتل لقادة الجيش الحر الأوفياء، ولكن الخيانة درجات، والخيانة الصغيرة في الحرب لا تقل ضرراً عن الخيانة الكبيرة، وهذه أمثلة واقعية لما يُعتبر خيانة ويساهم في تأخر النصر:

 1- الإرشاد لأماكن الأفراد المطلوبين والجنود المحاربين، بقصد وقف نشاطهم، أو تسليمهم للظلمة.

2- كشف خطط المجاهدين، وأماكن تواجدهم.

3- العمل مع العدو بالتجسس وتصوير المظاهرات لإثبات تورط المدنيين، والتشبيح والاعتقال، والتعدي على الممتلكات التي تستعمل لخدمة الثورة، مثل الأجهزة المتطورة ووسائل الاتصالات.

4- رمي الشرائح التي تدل الطائرات وترشد القذائف على الأهداف الحيوية، مثل مشفى ميداني أو مخبأ للثوار أو ملجأ للأهالي... وكم من امرء تواطأ مع النظام من أجل حفنة من المال، فتسبب بهلاك العشرات.

5- والخيانة في الترويج للمخدرات، ونشر الإدمان، وإلهاء الناس عن الثورة.

يقول الغزالي: "وفي الشريعة إذا ساند الرجل الكفار يُقتل،ْ وإذا قُبض عليه وأقر بخيانته أو شهد عليه مجموعة مزكاة من المسلمين يُعدم. لأن الخائنين -دروا أو لم يدروا- يساعــدون الصهيونية والاستعمار على ضياع بلداننا، وهويتنا في يومنا وغدنا".

وإني أنصح الجميع بالحذر والانتباه، وأقترح بعض الحلول (وعليكم بالباقي):

1- السرّية المطلقة في التحرك، والرسول عليه السلام كان إذا خرج لغزوة ورى بغيرها.

2- تسليم المناصب الحساسة للموثوقين والمعروفين.

3- مراقبة المنافذ الحدودية والحواجز والاهتمام بمن يمر عليها.

4- الاستعانة بالخبراء النفسيين، وأصحاب الفراسة لكشف حقيقة الناس والدخلاء.

5- تقديم الشك وسوء الظن (في ظل هذه الظروف) حتى يثبت العكس! وفي حالة الشك بشخص ضرورة السؤال عنه والتأكد من هويته.

6- أن يعمل أصحاب كل منطقة معاً لأنهم الأقدر على التأكد من هويات بعضهم بعضاً، والتواصل مع الكتائب الأخرى لحصر المقاتلين، ولا يُقبل الغريب إلا بتزكية من الجهة التي جاء منها، أو حتى يتم التحقق من وضعه.

هذا ما حضرني، وإني أرجو من الجميع إعطاء الأمر أهميته والتعاون عليه؛ فالخيانة أمر كبير لا يمكن تجاوزها، وآثارها مُرّة فهي تهدد النصر وترفع عدد القتلى وتزيد الخسائر وتحبط المدنيين، فاحترزوا منها وتحسبوا لها، وحاربوها بكل قوة.