ماذا حققت حملة الشيطنة الأكبر تاريخيا؟

ياسر الزعاترة

يُضرب المثل بالمكارثية التي تمثلت في حملة الحكومة الأمريكية مطلع الخمسينيات على الشيوعيين. يُضرب المثل بها كأكبر حملة استئصال مارستها الدول ضد خصومها الأيديولوجيين، لكن المسافة بينها وبين الحملة التي تابعناها على جماعة الإخوان المسلمين في مصر تبدو كبيرة، ذلك أن الأولى قد ركزت على البعد الأمني في مواجهة تيار ساد بين المثقفين، أكثر مما كان له حضور في أوساط الجمهور، فيما كان الحضور الإعلامي فيها أقل شأنا، ربما لأن سطوة الإعلام في ذلك الوقت تبدو أقل بكثير مما هي عليه هذه الأيام.

منذ عام ونصف، عاشت مصر واحدة من أكبر عمليات الشيطنة، ربما في التاريخ البشري ضد جماعة الإخوان المسلمين، وهو ما أسهم في إخراجها من الحكم عبر انقلاب عسكري أظهرته الحملة إياها بوصفه ممثلا للإرادة الشعبية، فيما هو في الحقيقة لا يمثل غير فئة من الناس، بصرف النظر عن الخلاف حول نسبتها في الشارع.

من الصعب المرور هنا على ما فعله الإعلام المصري طوال عامين، فقد شن حملة بالغة البشاعة لا علاقة لها بما عرفه الإعلام من تزوير في التاريخ، فهنا شطبت جميع القيم والمعايير المهنية والأخلاقية في حملة اعتمدت في شقها الأكبر على أكاذيب لا صلة لها بالحقيقة، لاسيما أن الإخوان لم يحكموا البلد من الناحية العملية، بل ظلوا على هامش السلطة، إذ أي رئيس هذا الذي يحتاج إلى شباب عاديين لكي يحموا قصره الذي تركه الأمن عاريا أمام هجمات البلطجية؟!

لا قيمة لرئيس لا يسيطر على المؤسستين العسكرية والأمنية، فكيف حين تكونا معا ضده، وتتآمران عليه، وفيما كان تآمر الجيش عليه بحاجة إلى إثبات إلى أن وقع الانقلاب، وحتى وصلتنا تسريبات أحلام وزير الدفاع بأنه سيصبح رئيس جمهورية، فقد كان موقف جهاز الأمن واضحا كل الوضوح، ولم يكن بحاجة إلى أي إثبات لمن كان يرى الأمور بعقل المنطق، مع قليل من الحياد.

وفي حين كانت خمس جولات انتخابية سابقة على الانقلاب تؤكد أن الجماعة، ورغم حملات الشيطنة والضخ اليومي والتآمر لا زالت تحظى بحضور كبير في الشارع، فإن الوضع بدأ مثيرا للشكوك وسط هذا الركام من الهجوم اليومي الذي سيظل محفورا في ذاكرة التاريخ كنموذج على الهراء والافتراء الذي لا يكبح جماحه كابح.

على أن ما جرى منذ الانقلاب، ولغاية الآن يكاد يثبت أن النظرية التي كنا نتبناها، وأصابنا بعض الشك فيها خلال العام الماضي تبدو فاعلة بقدر كبير، أعني استعصاء الوعي الجمعي للأمة على التشويه رغم أدوات الإعلام إياها، وبالطبع لما تختزنه روحها من نماذج للصدق، مقابل نماذج الكذب، ونماذج التضحية مقابل نماذج الانتهازية.

منذ الانقلاب، والشارع يزدحم بالحراك الشعبي، ورأينا تضحيات رائعة، ليس في رابعة العدوية وحسب، بل في عدد من المواقع الأخرى، ورأينا صمودا مذهلا للشباب والرجال، وللحرائر أيضا، كل ذلك يؤكد أن حملات الشيطنة لم تسفر عن تغيير الغالبية لقناعاتها، وإن أثرت بهذا القدر أو ذاك في قطاعات من الناس.

لو نجحت حملة الشيطنة، لما كان لهذه الملايين التي تخرج إلى الشوارع أن تواصل حراكها كل هذا الوقت، ذلك أن الشعور بالتعاطف الشعبي هو الذي يمنح المحتجين القدرة على الاستمرار في احتجاجهم.

يذكّرنا ذلك بقضية بالغة الأهمية تفضح قصة الإرادة الشعبية التي وقفت خلف ما يسمونه ثورة 30 يونيو، ففي حين تزدحم الجامعات بالحراك منذ بدء العام الدراسي، فإننا ورغم احتجاجات في الشارع طوال عام من حكم مرسي، إلا أننا لم نشهد في تلك الجامعات أية احتجاجات ضده، ومعلوم أن الجامعات هي “باروميتر” أو مؤشر المزاج الشعبي في أية دولة من الدول، ولو صحّ أنه كان ضد مرسي، لرأينا احتجاجات في الجامعات ضده، لكنه كان احتجاجا مرتبا من الأمن، ومن بعض الفلول والطائفيين وأصحاب المليارديرات، مع قلة من القوى الثورية التي عجزت قبل 30 يونيو عن إخراج أكثر من بضعة آلاف إلى الشارع.

قبل أيام أجريت انتخابات التجديد النصفي لنقابة الأطباء، ورأينا كيف حصل الإخوان فيها على 30 في المئة من الأصوات (هذه هي الحسبة الأهم وليس المقاعد)، ولو صحّ ان الجماعة معزولة كما يزعم أولئك، لما حدث ذلك، لاسيما أن من بين أعضائها المعتقلين أكثر من 200 طبيب (لو كانت معزولة، لما انشغلوا بشيطنتها ليل نهار حتى الآن).

الآن، يمكن القول إن وضع الانقلاب قد بات عاريا أكثر من ذي قبل. وحتى لو نجح في تثبيت نفسه مرحليا، فإن ذلك لن يحدث بسبب نجاح حملة الشيطنة، أو بسبب التأييد الشعبي، بل لأن ميزان القوى مختل تماما لصالحه (في الداخل جيش وأمن وقضاء وإعلام، وفي الخارج وضع عربي ودولي مساند).