لماذا أكثرهم لا يؤيد مشروع إحياء الأمة؟

قد تراودُ بعضَهم أفكارٌ تثبيطية، وتوهينيةٌ، وانهزامية، تبرر لهم عدم تأييد مشروع إحياء الأمة..

فقد يقولون: إن صاحبَ المشروع، يريد أن يعمل لإبراز نفسه، وليحصل على منصب يتفاخر به، ويتباهى أمام الناس.

لأنهم رأوا بأم أعينهم ، أن جميع الذين شكلوا أي تجمع وتحت أي مسمى ، كان الواحد منهم  يبادر فوراً إلى إظهار نفسه بأنه رئيس الجبهة الفلانية ، أو التجمع الفلاني..

 مع العلم أنه قد لا يحتوي هذا التجمع إلا على شخصه المبجل..

وهؤلاء، هم صغارُ القوم، وسفهاؤهم، والتافهون من بني البشر.. فأحلامهم كأحلام العصافير، واهتماماتهم اهتمامات الأطفال.

غير أن صاحب المشروع يختلف كل الاختلاف عن بني البشر.

ويعلن للاطمئنان، والتوثيق، وبالخط العريض، وبالصوت العالي أنه لن يستلم أي منصب، لا رئيساً ولا نائباً..

بل سيكون خادماً في المؤخرة، ويقدم استشاراته للجنة التي ستستلم إدارة هذا المشروع، من راء حجاب.

فهو لا يتطلع إلى مناصب الدنيا الصغيرة، بل يتطلع إلى مناصب كبرى، وعليا، في أعالي الجنان، حيث النعيم المقيم، وحيث أن المناصب هناك ستدوم أبد الآبدين، وليس لأيام أو سنوات معدودة، ثم تنتهي..

   ويقول أحدهم: إن هذا الطلبَ الذي تطلبه من الناس، كبيرٌ جداً، يحتاج إلى رجالٍ ذوي بأسٍ شديدٍ، وذوي همةٍ عاليةٍ، تعانق الثريا، وتزاحم السحاب في السماء.. فهل بقي رجال بهذه المواصفات؟؟؟

قلت له: وأنا أمسك قلبي كي لا ينفجر..

أعتقد أنه قد بقي عددٌ قليلٌ جداً من الرجال - وأنت منهم -.. فلنعمل سويةً على زيادتهم.. وتكثير عددهم..

وقال آخر: أنتَ تنفخُ في رماد!!

فقلت له: ولكن هذا النفخ في الرماد.. سيعمل على تأجيج الجمر الكامن تحته، ويجعله يشتعل، ويتوهج، ويتحول إلى نار موقدة، حامية، ثم يشتد ضُرامها.. ومن بعدها.. تتحول إلى نارٍ تلظى، تمور، وتشهق وهي تفور.. وحينئذ تأكل الأخضر، واليابس للعدو الماكر..

الجميعُ – إلا قليلاً منهم – ينظرون إلى المخاطر التي ستنتج عن سلوك طريق بعث، وإحياء الأمة.. ولا ينظرون إلى عِظَمِ مكانة الله تعالى، وقدسيته، والجوائز الثمينة التي سيحصلونها من الله تعالى.

ولا ينظرون إلى أنهم مأمورون، بالعبودية الكاملة لله تعالى، وليس لهم مهرب ولا مفر..

لا تشفقوا، ولا تخافوا على دين الله.. فهو سينتصر يقيناً عاجلاً أو آجلاً، سواءً على أيديكم أو أيدي غيركم.

وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (١٧١) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (١٧٢) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (١٧٣) ﴾ الصافات.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (٧) ﴾ محمد.

فإن انتصر الإسلام على أيديكم.. فأنتم السعداء والفائزون.

وإن لم ينتصر على أيديكم.. وانتصر على أيدي غيركم، فأنتم الخاسرون، والمتخاذلون.

وفي كل الأحوال سينتصر الإسلام رغم أنف الكافرين.

﴿ يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (٨) ﴾ الصف.

والعاقل، واللبيب هو الذي يضع نفسه في المقدمة، وينطلق إلى جنات الخلد، غير هيَّابٍ، ولا وجِل.

وينادي بأعلى صوته: حيَّ على الجهاد، حيَّ على القتال..

واعتذر كثير من الناس

 

واعتذرَ بعضهم، عن تأييد مشروع إحياء الأمة؛ بسبب انشغالهم بأمور الدنيا.

واعتذر بعضهم الآخر، بدون إبداء سبب.. مع أنهم يكتبون كلاماً أحلى من العسل.

وكأن هؤلاء الأحباب، لم يسمعوا كلام الله الجليل، الذي يزلزل الأركان، ويفتت الأكباد.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ (٢) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ (٣) ﴾ الصف.

ففي هذه الآية، تقريعٌ، وتوبيخٌ، وتعنيفٌ، وتأنيبٌ، وزجرٌ، وتشنيعٌ، ومقتٌ كبير من الله، وسخطٌ ، وغضبٌ، على الذين لا يفعلون، ما يقولونه..

أما الفريق الثالث: وهو الأغلبُ، فقد بقي صامتاً صمت القبور، وساكناً سكون الكهوف، وخامداً خمود الجحور، إلا من دعوات بعضهم بالتوفيق.

ولكن، ما أسباب عدم تأييد أكثر الناس لهذا المشروع؟؟

 

علماً، بأن هذا البرنامج الموجز جداً، والشامل لكل ما يحتاجه الإنسان، ليقوم بهذا المشروع، على أحسن ما يرام.. كان الكاتب الحقيقي هو: الله تعالى ﴿ فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ، وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى (١٧) ﴾ الأنفال.

وعلماً، بأن هذا البرنامج، لم يأتِ به، أحدٌ من الأولين ولا الآخرين، ويتحدى العالمين أن يأتوا بمثله، أو أفضل منه، ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً.

وليس هذا الكلام، من باب الغرور، أو الاستكبار، أو الاستعلاء على الناس.

لأن الكاتب البشري، يُقرُ، ويعترفُ: بأنه ما كان هذا من ذكائه، ولا شطارته، بل إلهامٌ من الله، وفتحٌ مبينٌ، مَنَّ به اللهُ عليه، ويتبرأ من طاقته، وقوته، وحوله، ويعيد الأمر كله لله.

ويقول للرافضين، المتعللين بأي سبب من الأسباب، هاتوا برنامجاً أفضل منه، وحينئذ سنرمي هذا البرنامج بالزبالة.

1-    استكباراً، وحسداً.. فأبو جهل، كان يعلم علم اليقين، أن محمداً صلى الله عليه وسلم على حق، وأنه رسول الله.. ولكن الكبرَ، والحسدَ، منعاه من الإيمان.

2-    انهماكُ كثير من الناس، وانشغالُهم بالحياة الدنيا، فليس لديهم وقت للاهتمام، أو التفكير بالآخرة.

3-    كثيرٌ من الناس - إلا من رحم الله - قد أُشرِبَ في قلوبهم، الذلَ، والهوانَ، والخنوعَ، وتعشش في صميم فؤادهم، وألفوا عليه، واستمتعوا بما هم عليه من حياة دنية، بحيث لو هبطت من السماء حقائبُ، بعضها فيها الحرية، وبعضها فيها الكرامة، وبعضها فيها العزة.. لرفسوها بأرجلهم، وآثروا أن يبقوا كما هم، أذلاءَ، لأن في الحرية، والعزة، والكرامة، يتطلب دفع ضرائب باهظة، من الدم، والسجن، والقتل، مما لا يستطيعون تحملها..

ولتستبين سبيل المجرمين

 

وسنقول بالفم الملآن، وبصوت عالٍ، وبنبرة قوية، تهز كيان الذين لا يزال في قلوبهم شيء من حمية، لهذا الدين العظيم.

ليستبين طريق المجرمين، عن طريق المؤمنين.. وليستبين طريق العاجزين، المتهالكين، عن طريق الأقوياء، الأشداء..

وليستبين طريق القاعدين، المتثاقلين إلى الأرض، والذين ألفوا، وتآلفوا العيش بين الحفر، ويخافون مجرد أن يتطلعوا إلى صعود الجبال..

ويستبين طريق المحلقين في السماء، والذين يعيشون على ذرى الجبال.

إن دينَ الله، جَدٌ وحَدٌ كحد السيف، وليس هزلاً ولا لعباً..

ولا يقبل الانحراف أو الميلان، عن الحد المرسوم له، من قبل صانعه، ولو مليمتر واحد.

وخاصة أن حَديته، مثلُ حَدية الصراط المنصوب على ظهر جهنم، فأيُ خروج عن الصراط الرفيع جداً، والذي ثخانته بثخن الشعرة، يوقع الإنسان في جهنم.

إن دين الله، شديدُ القوى، صلبُ العود، وقاسي المعدن، وليس عجينةً قابلةً للتشكل، والتبدل حسب الأهواء.. وليس سائلاً مائعاً، ولا هلامياً يتغير حسب الأزمان، والأعراف، والتقاليد.

ليس ديناً سهلاً، وبسيطاً، وساذجاً. بحيث كل من هبَّ ودبَّ، يقبل عليه، بدون دفع أثمان، ولا ضرائب.

وليس دين تهويمات، وتراتيل، وأنغام بالدُف، والقيثارات، والطبل والمزمار، وركيعات، وتسبيحات!!

وبعدها يرجع إلى بيته في أمان، وسلام، وراحة، وطمأنينة، وبدون أن يدفع أي ضريبة، ويظن أنه قد أدى ما عليه في دين الله، من واجبات، وفروض، وأصبح جاهزاً ليدخل الجنة من أي باب يشاء.

هذا ليس دين الله، بل هو دين الكهنوت، والشيعة، والمتصوفة، الذين يقولون: دعوا ما لله، لله.. ودعوا ما لقيصر، لقيصر..

وهي نفس المقولة التي كان يقولها مشركو قريش ﴿ وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (١٣٦) ﴾ الأنعام.

إن دينَ الله، هو دينُ القوة، والعزة، والمنعة، والإباء، والشموخ..

 ولا يقبل لأتباعه، أن يكونوا أذلاءَ، مهانين، مقموعين، مستكينين، مستخذين، خانعين.. والطواغيتُ يضربون وجوههم، وظهورهم، وأدبارهم.  

 فالذين يقبلون هذه الحياة الدنية، المتدنية، السفلية.. ليس لهم علاقة بدين الله.. وليس لهم أي رابط به، وأولى لهم أن يبحثوا عن دين آخر، يقبل المستذلين والمستخذين، والمتخاذلين، والخانعين؛ لينتسبوا إليه..

دينُ الله، جاء ليُخرج الناس من الظلمات إلى النور، ويُحررهم من العبودية للعبيد، إلى العبودية لرب العالمين، ولينقلهم من السفح الهابط السفلي في الأرض، إلى ذرى الجبال، وليكونوا هم السادةَ، والقادة، والأماجد..

 فالذين يخافون، أن يتحركوا من السفح المنحدر، نحو الذروة، ولو لمتر واحدٍ، خشية السقوط ، وخشية الجروح، ويصرون على البقاء بين الحفر، وبين الجحور.. ليس لهم علاقة بدين الله.

أو أن روحَ هذا الدين العظيم، لم تلامسْ شغاف قلوبهم بعدُ، ولا يزال بينهم وبين دين الله أحقابٌ، وأحقابٌ.

وسوم: العدد 999