النظام المرواغ .. أو أنهم يراوغون كما يراوغ !!

في شبيبتنا من سبعينات القرن الماضي، حفظ الشعب السوري أجمع طبيعة حافظ الأسد المراوغ. كانت شعارات الوحدة والحرية والاشتراكية والعمال والفلاحين والبروليتاريا واليسار تلفت أغناق السوريين من عجب، وهم يرون حافظ أسد يتحالف مع طبقة المستعلين الجدد، الذين لم يكونوا يملكون أصالة الإقطاعي الأول، ولا عصامية الرأسمالي الذي كدّ وكدح حتى ملك. يومها وأبناء جيلي جميعا سيذكرون هذا أطلق السوريون "نكتتهم" التي شاعت وزاعت وانتشرت: يشبهون حافظ الأسد بسائق التكسي، الذي يغمّز يسارا ثم ينعطف يمينا. نكتة تلخص كل ما يمكن أن يكتب عن نظام المراوغة التي يمكن للمرء أن يُسهب في توصيفه.

كل ما يحكيه بشار الأسد وجوقته، ومنه ما قاله وزير خارجية الأسد منذ يومين في الجمعية العامة عن ترحيب الأسد بعودة اللاجئين، وبإعادة الإعمار، وبمساعدة المحتاجين...

كل هذه الأقاويل وبما فيها الحديث عن الحل السياسي، بأي بعد من أبعاده، وبأي تصور من تصوراته؛ ما هو إلا صيغة من صيغ المراوغة الأسدية المتأصلة× التي تشكل طبعا موروثا في بنية الزمرة الحاكمة، وليس مجرد حالة عابرة يقتضيها ظرف، أو تتطلبها مصلحة له عارضة...

لا أستطيع أن أخمن فأجزم أن "قواميع" المعارضة العتيدة ،يدركون هذا من طبيعة الزمرة الخؤون. وأنا أتابعهم منذ أكثر من اثني عشر عاما وهم يتبارون ويتنافسون في تقديم التنازلات، وتوفير المزيد من الوقت، لكي يستثمر فيه الجبت والطاغوت، وفي هذا وحده ما يكفي للوصف بما يستحقه هؤلاء...

ولكنني أستطيع أن أجزم أن كل دول العالم، والإقليم تدرك هذا من الطبيعة اللولبية الأفعوانية المراوغة للنظام اللعوب...

بل أزيد , فاقول إن كل دروس المراوغة والمناورة والمماحكة إنما تلقتها الزمرة الفاسدة المفسدة في تلك "الجحور" جحور العمالة والخيانة، ومكاتب عقود التأجير والاستئجار. حيث استأجر المفسدون في الأرض للشعب السوري قامعا لامعا جريئا يذهب معهم حيث يأمرون.

أتذكر شاه إيران رضا بهلوي، عندما أعطته الولايات المتحدة الأوامر بتسليم التاج والصولجان. يصدق بعض الناس أن ثورة الملالي انتصرت بما حملت من ورود.. يصدق بعض الناس أن الجيش الإيراني بفيالقه الضخمة لم يكن قادرا على سحق الثورة والثوار. يصدق بعض الناس أن أوباما كان صادقا أو جادا عندما طلب من بشار الأسد أن يغادر، وهو الذي ظل مع وزير خارجيته كيري يتحدث عن "الحل السياسي" ويمنح المجرم المزيد من الوقت لاستكمال جريمته. الوقت الذي ما يزال مفتوحا حتى ساعة كتابة هذه الكلمات. والشعب الذي ما زال مشبوحا تحت رحمة قصف الطيران متعدد الجنسيات روسي وأسدي وطيران دول التحالف الخمسين.

اللعبة ملعوبة. وهي كلمات معبرة. وكل الذين يشتركون فيها بأي شكل، وعلى أي وجه؛ يدركون أبعادها. ويعلمون من هم ضحاياها. ولسان حال هؤلاء الناس: الطعنة في ظهر غيري مثل الطعنة في كيس تبني. وإنها لبسيطة ما حالت عن ظهري..

كل هذا مفهوم، وقد يستغرب، وقد يستنكر، قد يستهجن، ولكنه في سياقات الصراع البشري المحموم؛ قد يكون مفهوما على وجه ما مع المزيد من إشارات التعجب والاستفهام ، ولكن الذي لا يمكن أن يكون مفهوما، وغير مستنكر ولا مستهجن..أن يفرح الضحية لأن القوم يضحون به، ويضحكون عليهـ وهم يسوقونه إلى حتفه، كما كان الناس يزينون خاروف العيد بالورود والأشرطة حمراء أو صفراء. العالم اليوم يلعب على لعق دم السوريين . ومن تولى أمر السوريين مغتبط جزل مسرور ...

ستقولون لي : ولكن لا حياة لمن تنادي.

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 999