وقفة حضارية - اجتماعية، لماذا ملاحظتي الأدبية - الحضارية بالأمس
وكتبت بالأمس عن شيوع المجون، والفحش في الشعر العربي، في العصر العباسي أكثر منه في العصور التي سبقته، وأكدت أن العصر الجاهلي كان في شعره ونثره، وربما في سلوكه أيضا، كان أقل شأوا في هذا الأمر من العصر العباسي وما تلاه..
وكتب إلي أخ حبيب: مستنكرا عليّ :لماذا؟
وأقول لأن إدراك تطورات الحياة الاجتماعية بواقعية، وليس بمثالية، متوهمة يعين الناس على الاستئناف.
ولم تكن بغداد والحواضر الإسلامية الكبرى ، مسجدا يعمره النساك فقط كما يصوره أو يتصوره بعض القاصرين.
لم تكن بغداد كلها حضرة سيدي عبد القادر الكيلاني، ولا سيدي أحمد الرفاعي.
كان فيها "دير حنة" أيضا، يخرج العرابيد من أهل إلى بستانه ويشربون الخمر ويتغزلون بغزلانه، يقول أبو نواس:
يــــا ديــــــــر حنــــة مــــن ذات الأكيــــراح
من يصحو عنك فإني لست بالصاح
إني رأيت فيــــك ظبــــاء لا قــــرون لهــــا
يــــلــــعــــبــــــــن منــــــــا بألبــــــــــــــــاب وأرواح
تاريخ بغداد لم يكن كله تاريخَ الخطيب البغدادي، بل كان أيضا تاريخ "أبوالفرج الأصفهاني" صاحب "الأغاني" بعض الناس يطعنون في أبي الفرج الأصفهاني. ويجرحونه ويكذبونه، وكأنه راو للحديث الشريف!! الرجل جمع أربع مجلدات في الأغاني مع أخبارها. كان عمل الملحنين أن يلحنوا بعض أبيات الشعر ليتغنى بها المغنون والجواري. وعندما يقول أبو الفرج: "صوت" فإنما يقصد "لحن أو أغنية"
وهل يطالب بضبط رواية الأغنيات وأخبار المغنين، بالسند كما يضبط الحديث الشريف إلا من في عقله شيء!!
وكما بغداد كانت الكوفة والبصرة ودمشق وحلب والقاهرة بعد أن بنيت. في حلب مثلا كان دير "مرث مروثا" وأعرّج على ذكره هنا للأهمية، ودير مرث مروثا، ظاهر حلب، في موقع المشهد، الذي يسميه الروافض الكذابون "مشهد النقطة" وكان كذلك متنزها لعرابيد حلب، يقصدونه للشرب والقصف واللهو، هل تعلمون؟ كان كذلك في أيام سيف الدولة الحمداني، المتهم زورا بالتشيع، وقد ذكره الشاعر الصنوبري في قصيدته المئوية في حلب، وأنه كان كدير حنة بالنسبة لأبي نواس.
وأول الغناء في تاريخ الاسلام إنما نشأ في المدينة المنورة، وراج بها، واشتهر به المغني معبد، وأولع بلغناء الأنصار وذريتهم وكذا من قريش سيدنا عبد الله بن جعفر الطيار.
وفي الرواية في كتب الادب، أن سيدنا معاوية قال لسيدنا عمرو بن العاص، رضي الله عنهما، قم بنا إلى هذا الذي أفسد مروءته نهاه عما هو فيه. قالوا: فقصدا ابن جعفر، ففهم سر مجيئهما، فأوحى إلى بعض جواريه من خلف الستر، فبدأن بالغناء، وبدأ سيدنا معاوية يهتز ويتمايل طربا، ويضرب رجليه ببعضهما.
فقال له سيدنا عمرو :هوّن عليك يا أمير المؤمنين، فإن الذي جئت تنهاه أكثر وقارا منك!! فرد عليه معاوية، اسكت لا أم لك إن الكريم طروب.
في كتابه إحياء علوم الدين كتاب السماع: يكتب أبو حامد الغزالي: "من لم يطربه الربيع وأزهاره والعود وأوتاره فهو فاسد المزاج ليس له علاج"
ومن تأمل حياة أبي حامد الغزالي كمثل، قبل الخلوة وبعدها يجد عجبا، ويقول عن نفسه وقد كان مدرسا للعلوم الدينية في النظامية، أعرق جامعة في تاريخ الإسلام" وعدت - إلى التعليم- وعدت ولكنني ما عدت، عدت أنشر العلم للدين، وقد كنت أنشر العلم للدنيا، ويروى عنه أنه كان قبلا "يلبس الحرير ويتختم بالذهب" ولا أدري لماذا لا يميز الدارسون بين مؤلفات الغزالي قبل التوبة وبعدها. وما تغير في الغزالي إلا حاله النفسي.
في مجموعات كثيرة على الواتس، تزعم أنها مختصة في الحديث عن حلب، فلا يتذاكرون من تاريخ حلب إلا مسجد وحضرة ..
وكتبت لهم مرة منبها، "هذه حلب فلا تلبسوها جبة ولا جلبابا"
وكتبت مقالا عن أشهر دور السينما في حلب في زماننا الذي عشت، وعن أشهر الأفلام الجميلة التي شاهدتها فيها. وإن يأذن الله بنشره أنشره.
وكل ذلك ليعلم المنغلقون أن في المسلمين المصطفين الوارثين للكتاب، ظالما لنفسه، ومقتصدا وسابقا بالخيرات بإذن الله. ويعلم المنغلقون "أن في ديننا سعة" كما قال رسول الله صلى عليه وسلم "لتعلم يهود أن في ديننا سعة" نعم في ديننا وفي منهجنا وفي مجتمعنا سعة.
وسوم: العدد 999