دعوة إلى توقير أحكام شريعة الإسلام
(وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ) والآية خطاب مفتوح لكل من يصف بالحل والحرمة ليس عنده في وصفه ذاك من الله برهان..
وكان منطق الشريعة من أول يوم وفي أكثر من نص، يجري على هذا السياق (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ)
بضعة عناوين كلية جامعة تضم في طياتها فروعا معدودة قليلة. لا أنسَ والنهي موجه لنفسي الغافلة، أن "إنما" الكافة المكفوفة في صدر الآية تفيد القصر. وربما ما يكافئها في القصر، ومنطق تضييق مساحة المحرم، ومحدوديته قوله تعالى (قُل لَّا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ۚ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)
يخيل لي - مجرد تخييل- أن ربنا تبارك وتعالى كما أسكن أبانا آدم الجنة، وأطلق له فيها كل شيء إلا شجرة، أعادنا إلى الاختبار مرة أخرى في صورة مصغرة في هذه الدنيا، وقول بعضنا الأصل في الأمور الإباحة- غير الدماء والأعراض والأموال- صحيح لو التزمه من قالوه..
فهمنا عندما قرأنا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم "الإيمان بضع وستون أو بضع وسبعون شعبةـ وقال بعض الشراح إن السبعين للتكثير أن مقصود الحديث هو تكثير أبواب البر ومناشطه أمام الناس، حتى عد منها إماطة الأذى عن الطريق. وعندما قرأت لبعضهم يقول: الإيمان بضع وسبعون شعبة، ومثلها شعب الكفران!! انقبضت وقلت أين يقع هذا من قول الرسول، وأعلم أن من أراد أن يعد يمكن أن يمد...
حقيقة موضوعنا في هذا المقال، وعلى ضوء ما تقدم من النصوص، أن نؤكد التنبيه ولاسيما في السياقات التربوية للناشئين والشباب على أهمية الدقة والالتزام في الوصف بالحلال والحرام، وبالفرض والسنة..وأن يكون ذلك مبنيا على معطيات أصولية حقيقية لا مجرد إلقاء الكلام على العواهن!!
فهذه أحكام شريعة دقيقة تقام وتقال على أساس صحيح النصوص ومن دقيق الفهم والاستنباط، وليست كلمات تلقى كما المنادين في سوق الخضار..
ولقد سبق الفقهاء الأولون المؤصلون لأحكام هذه الشريعة، فميزوا أحكام هذه الشريعة على خمسة، وزاد الأحناف رضي الله عنهم ما أمتن فقههم !!وأدقه!! فقسموها على سبعة، وقالوا : حرام ومكروه تحريما، ومكروه أو مكروه تنزيها، وقالوا : فرض وواجب ومندوب..وتوسط بين الجميع المباح..
أن نشمل كل الأفعال المرغوب فيها باسم الفرض، وكل الأفعال المرغوبة عنها باسم الحرام تلك بعض الجنايات التي جنت على أمتنا وعلى عقولنا ولا نريد أن تجني على أجيالنا من بعد..لا يصح أن تسمي المكروه تحريما حراما ولا الواجب فرضا، هذا ‘ذا كنت حنفيا بالطبع, صلاة العيد قال الشافغي سنة مؤكدةـ وقال الحنفي واجب، وتعميمها بعمة الفريضة ليس من الرشد، ولو بنية أن تحض االناس عليها، كفعل الذي وضع الأحاديث في فضائل سور القرآن ليحض الناس على قراءتها، وقالوا : نحن نكذب له لا نكذب عليه، وما أكثرهم في هذا الزمان..
القول: هذا حلال.. وهذا حرام ..وهذا فريضة .. وهذا واجب.. كل ذلك أحكام شرعية دقيقة، تنبني على نصوص دقيقة في ثبوتها وفي دلالتها...
ليس دينا أن تضيق ما وسع الله, وليس دينا أن تحرم ما أحل الله، وليس دينا أن تتجاوز استثناء أقره كتاب الله (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ ۚ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ) وو يل لأمة ضيقت على نفسها ما وسع الله به عليها..
وأعجب العجب العجاب في واسع رحمة الله، والمنطق الرفيق لكتاب الله قوله تعالى: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ۖ فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ..)
ولو طُلب من أحدنا .. أحدهم ..أحدكم ، أن يكتب لنا مقالا في صفات الوارثين للكتاب!! الله ..الله .. الله .ثم في صفات المصطفَين منهم، اللهم اجعلنا منهم، هل سيخطر بباله أن يقول وهذه الفئة المصطفاة المختارة من الناس فيها الظالم نفسه، من أشكالي ومن حاله مثل حالي ، وفيها المقتصدـ حالو على قدو، وفيها السابق بالخيرات..!!!
لا تضيقوا على أبنائكم، لا تعلموهم أن كونك مسلما يعني أن تعيش في سجن جدره مرتفعة وساحته ضيقة. لا تقل "حرام" إلا بالمعنى الإصطلاحي الذي وضعت من أجله كلمة حرام. لا تقل "حلال أو فرض أو واجب" إلا لما كان مصنفا تحت هذه العناوين الاصطلاحية التي وضعت لها هذه الأحكام الشرعية. ودر مع الشريعة حيث دارت وإن صعب عليك..
ولنتعلم توقير أحكام الشريعة أن يبتذلها المبتذلون..
اللهم ارزقنا الفقه عنك...
وسوم: العدد 1005