آفة هذا الزمان انحراف الإنسان عن الفطرة السويّة بالتحوّل خَلقيا وخُلقيا
من الحقائق القرآنية الثابتة قول الله تعالى : (( فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيّم ولكن أكثر الناس لا يعلمون ))، ففي هذه الآية الكريمة من سورة الروم ،يكشف الله عز وجل عن حقيقة الفطرة السوية التي فطر الناس عليها ، وإدراك ذلك إنما يحصل إذا ما التزموا دينه القيّم الذي هو الإسلام، والذي لا يقبل منهم أن يبتغوا غيره، وهو ما يؤكده قوله تعالى : (( فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا ))، ففي هذه الآية من سورة فاطر ، ينفي الله تعالى الانحراف عن سنته بما فيها الفطرة التي فطر الناس عليها ،وهو انحراف يحصل إما بالتبديل أو بالتحويل . أما التبديل فيكون عن طريق إحلال شيء بديل عن غيره ، وأما التحويل فهو إحداث تغيير في الشيء . ولقد نفى الله تعالى عن سنته التبديل والتحويل معا ، وهو ما يعني ثباتها على حالها الذي وضعت عليه، وذلك لتمامها وكمالها ، مصداقا لقوله تعالى : (( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا )) .
ومقابل ثبات سنة الله في الخلق دون تغيير ، ينحرف الخلق عنها إما تبديلا أو تحويلا أو هما معا . ومع اقتراب نهاية العالم كما أخبرت بذلك رسالة الإسلام العالمية والخاتمة ، يزداد انحراف الخلق عن تلك السنة بحيث لا تقوم الساعة إلا على المنحرفين عنها انحرافا فاحشا ،وهم شرارالخلق كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام مسلم رحمه الله تعالى ، وقد وصفوا في هذا الحديث بأنهم فيهم خفّة الطير أي فيهم نزق وطيش ،وأحلامهم أحلام السّباع أي بعقول ناقصة ، لا يعرفون معروفا ولا ينكرون منكرا.
ومن آفات زماننا هذا أننا صرنا نسمع بالانحراف عن الفطرة السوية التي فطر الله عز وجل الخلق عليها عن طريق التحوّل الخَلقي والخُلقي معا . والتحوّل صيغة على وزن : (تفعّل ) تفيد المطاوعة حيث يقال حوّلته ، فتحوّل . ومن التحوّل الخًلقي ما بات يعرف بالتحوّل الجنسي ،أوالمتحوّلين جنسيا ، وهم الذين طاوعوا من دعوهم إلى هذا التحوّل . ومعلوم أن هذا التحوّل الخًلقي مسبوق بتحوّل خُلقي إذ لا يطاوع متحوّل جنسيا من يدعوه إلى هذا التحوّل في خِلقته إلا بعد أن يطاوعه في دعوته إلى تحوّل في خُلقه . ولقد صار التحوّل الجنسي اليوم مطلبا وحقا من حقوق الإنسان عند الأمم الغربية العلمانية ، كما أنه صار وسيلتها في الضغط على غيرها من الأمم، وعلى رأسها أمة الإسلام عربها وعجمها من أجل نشر هذا النوع من التحوّل فيها على نطاق واسع ، وهو انحراف عن الفطرة السوية، يستهدف تدمير المجتمعات المسلمة من خلال استهداف نواتها الصلبة التي هي الأسرة .
وإذا كان الناس السوية فطرتهم يستهجنون ، ويستقذرون التحوّل الخًلقي من بعده الجنسي ، فإن كثيرا منهم يغفلون عن التحوّل الخُلقي الذي صارت له عدة تجلّيات يجمع بينها ما يمكن تسميته بانهيار منظومة القيم الأخلاقية في عالم اليوم . وإذا كان التحوّل الخُلقي مذموما عموما عند العوام، فإنه أشد ذما عند من يوجدون في طليعة المجتمع وقيادته من علماء، ودعاة ،و فلاسفة ، ومفكرين، ومربين ... ولقد صرنا هذا الزمان نتفاجأ يوما بعد آخر في مجتمعاتنا العربية الإسلامية بتناسل مثل هؤلاء المتحوّلين عن مبادئهم وقيمهم ومواقفهم ، وقد تم تحويلهم إلى ذلك عن طريق ما صار ينعت بالقيم الكونية التي هي نتاج قناعة غربية علمانية فرضها تطور أصحابها اقتصاديا، وتكنولوجيا، وعسكريا . وصار التصور الغالب في عالم اليوم هو أن من يملك المال، والتكنولوجيا، وأسلحة الدمار الشامل هو الغالب والمسيطر الذي يتحكّم في تحوّل الإنسان خَلقيا وخُلقيا في هذا العالم .
وإذا كنا لا نستغرب تحكّمه في مناطق نفوذه ، فإننا نستغرب أن يتخطّى تحكّمه هذا مناطقه إلى مناطق نفوذ عربية وإسلامية عن طريق إملاءات وضغوط تتراوح بين وعد ووعيد أو إغراء وتهديد ، أو بتعبي آخر تلويح بجزرة أو عصا.
وأسوأ تحوّل أخلاقي على الإطلاق ما يسقط فيه بعض أهل العلم والفكر حين يتحوّلون إلى أبواق دعائية تخدم المشروع الغربي العلماني الذي بهدف إلى حمل الإنسان على التحوّل عن قيمه، و أخلاقه ، ومبادئه ، والتزاماته ، وعهوده ، ومواثيقه التي عاهد وواثق بها عقيدته وقناعته ومن تجمعه بهم .والأشد سوءا أن يستغل بعض هؤلاء الإسلام من أجل تطويعه، وإعداده، وتحضيره لهذا التحوّل متذرعين بممارسة النصح والإصلاح ، والتوعية ، والتوجيه ، والتربية على أهله عن علم، وخبرة، وتخصص مموّهون على ما يدسّونه لهم من سمّ ناقع في دسم وعسل ،وهم بذلك يقايضون آخرتهم بعرض الدنيا الزائل ،وبئس ما يفعلون ، وساء ما يحملون من أوزارهم ، وأوزار من يحذون حذوهم في التحوّل عن الفطرة السوية التي فطر الله تعالى الناس عليها ، و قد قضى سبحانه وتعالى ألا تبديل ولا تحويل لها إلى أن يرث الأرض ومن عليها .
وسوم: العدد 1006