قصة مفاعل ديمونا الإسرائيلي من الألف للياء
الجزء 1 من 2
- من متابعة الموضوع نعرف لماذا تتهافت روسيا وايران على الفوسفات السوري* .
دأب الكيان الصهيوني منذ إغتصاب فلسطين وحتى الآن على إتباع سياسة عدم التصريح بتأكيد او نفي برامجه وخططه حتى جرائم إغتيالاته وذلك حتى يترك اللغط حولها قائماً دون حسم, ما ينطبق على هذه السياسة أيضاً هو الصمت حول وجود السلاح النووي الذي تمتلكه. الا ان خطورة هذا الموضوع جعل جهات غربية تكشف عن برنامج إسرائيل النووي العسكري برمته بينما صمت إسرائيل يبدو كالنعامة دافنة رأسها بالتراب ولا تعلم ان الكل على علم ببرنامجها الخطير بأدق تفاصيله فحتى هذه اللحظة لم تؤكد اسرائيل انها تملك اسلحة نووية رسميا وكل ما تذكره انها لن تكون الدولة الاولى التي تدخل السلاح النووي الى الشرق الاوسط. ومع ذلك فإن كشف الآف الوثائق التي كانت سرية للغاية للحكومة الامريكية والتي تظهر أن الولايات المتحدة بحلول عام 1975 كانت مقتنعة و واثقة مائة بالمائة بأن اسرائيل لديها اسلحة نووية.
"كشف الموضوع امر جيد ولكن ماذا عن الإجراءات ضدها"؟ هنا يظهر النفاق الغربي عارياً حتى من ورقة التوت...
بدأ الكيان الصهيوني نشاطه النووي السري منذ عام 1949 بتأسيس وحدة علمية للجيش الإسرائيلي لتقوم بعملية مسح جيولوجي لصحراء النقب للبحث عن اليورانيوم.
التنقيب اعطى نتائج مشجعة بوجود كميات كبيرة من الفوسفات بالإمكان معالجته لإسترداد كميات معقولة من اليورانيوم .فتم إنشاء لجنة الطاقة الذرية الاسرائيلية في عام 1952 وترأسها إرنست ديفيد بيرجمان الذي كان يشغل ايضا منصب رئيس وزارة الدفاع للبحوث وشعبة البنية التحتية وكان هدفها الأول الحصول على القنبلة النووية الاسرائيلية. وقد تركز نشاط هذه اللجنة على إستخراج اليورانيوم من فوسفات النقب مع إستنباط طريقة جديدة لإنتاج الماء الثقيل اللازم للمفاعل الذري *, في خمسينات القرن الماضي كانت الحرب الباردة بين الغرب والشرق مشتعلة ، وفرنسا في ذلك الوقت كانت جزءاً من الحرب الباردة والساخنة معاً فحرب تحرير الجزائر كانت مشتعلة بشدة ومصر وسوريا كانتا رديفتين لثورة التحرير بإمدادها بالسلاح والدعم اللوجستي, فإستفادت إسرائيل من التوتر القائم بين العالم العربي وفرنسا لتحقيق اهدافها بالتعاون مع فرنسا لتقديم خبراتها في تأسيس المفاعل النووي، حيث كانت فرنسا قد بدأت في تأسيس مفاعلها الذي كان بقدرة 40 ميجاواط يعمل بالماء الثقيل ومحطة اعادة المعالجة الكيماوية في ماركول مما جعل فرنسا شريكا طبيعياً لاسرائيل في تزويدها بكل مايلزم من خبرة ومواد لتأسيس مفاعلها النووي المستقل.
أعزائي القراء ..
بداية كان التعاون مع فرنسا تعاوناً بحثياً فوافقت على تزويد إسرائيل بمفاعل إستطاعته 18 ميغاوات للبحث العلمي ولكن في خريف عام 1956 تغير الوضع جذرياً بعد تأميم قناة السويس وحاجة بريطانيا وفرنسا إلى إسرائيل لشن حرب مشتركة على مصر لإستعادة قناة السويس التي اممها الرئيس عبد الناصر وتحقيق إسرائيل لمطامع إضافية على الأرض.
هذا التحول عمّق العلاقة مع فرنسا للإنتقال الى خطوة متقدمة في التعاون النووي في 3 تشرين الأول/ اوكتوبر 1957 وقعت فرنسا واسرائيل على اتفاق منقح يدعو فرنسا لبناء مفاعل بإستطاعة 24 ميجاواط مع بناء محطة اعادة المعالجة الكيميائية في سرية تامة وخارج نظام تفتيش الوكالة الدولية للطاقة الذرية في ديمونا في صحراء النقب تحت قيادة العقيد "المانوية برات" من المرسوم فيلق الجيش الإسرائيلي. بدأ المشروع في ديمونه عام 1958 ورصدت له إسرائيل 1500 من العلماء والمهندسين والفنيين مع خبراء فرنسيين معدودين كما إنشئت وكالة سرية للمخابرات خاصة بالمشروع لضمان السرية والأمن، ثم شرع بنقل المعدات الضخمه , فتم إستيراد الماء الثقيل من النرويج على شرط أن لا يكون نقله إلى بلد ثالث, وشرع سلاح الجو الفرنسي سرًا بنقل أطنان من المواد الخاصة بالمشروع لاسرائيل في أيار / مايو من عام 1960 ظهرت مشكلة سياسية عندما بدأت فرنسا بالضغط على إسرائيل لجعل المشروع يخضع لعمليات تفتيش دولية للموقع، وهددت فرنسا بوقف وقود المفاعل إن لم يفعلوا ذلك.فلقد عبّر الرئيس ديغول عن قلقه من أن هذه الفضيحة لا مفر من كشفها وخصوصاً في محطة اعادة المعالجة الكيماوية الخارجة عن رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية ، حيث سيكون لهذه المخالفات الفاضحة إنعكاسات سلبية على موقف فرنسا الدولي كون موقفها هشآ بسبب حربها في الجزائر.
إثر ذلك تم عقد إجتماع بين شارل ديغول رئيس فرنسا ودافيد بن غورون رئيس وزراء الكيان الصهيوني لمحاصرة ازمة الأصدقاء.
عرض الرئيس ديغول بإيقاف التعاون بإستكمال المفاعل لقاء تزويد إسرائيل بصفقة طائرات مقاتلة من نوع ميراج , الا أن بن غوريون عرض حلاً قال عنه إنه حل وسط يقضي بموجبه أن تلتزم فرنسا بتأمين اليورانيوم المخصب والتجهيزات التي تم الإتفاق على تصديرها، على أن لا تصر فرنسا على التفتيش الدولي وبالمقابل تعطي إسرائيل تعهداً بأن هدف بناء المفاعل هو للاغراض السلمية .
وبلغة اخرى لا تغيير جوهري طرأ على الموضوع فالمقاولون الفرنسيون انهوا العمل والشحنات الأولية للوقود النووي قد تم توريدها وان المفاعل دخل في مرحلته الحرجه عام 1964 بدأت الشكوك تساور الولايات المتحدة فأرسلت طائرة تجسس من طراز يو - 2 حلقت ليلاً فوق مفاعل ديمونا حيث لم يتأكدوا من ان المنشأة هي لمفاعل ذري وانه اقرب لمصنع للنسيج ومحطة زراعية ومنشأة للتعدين, إلا أن بن غوريون كشف في شهر كانون الأول/ديسمبر 1960 أن ديمونا هو مفاعل ولكن للأغراض السلمية.
في الحلقه القادمه سنقرأ عن عمليات التضليل التي قام بها الكيان الصهيوني لعناصر التفتيش التابعين للوكالة الدولية للطاقة الذريه فإلى اللقاء...
* يحوي الفوسفات السوري على
PPM 130
من اليورانيوم في الطن الواحد . وتبلغ كمية اليورانيوم في كامل الفوسفات في سوريا 40000 طن . تصوروا الان اهمية الفوسفات السوري للدول الطامعة في سوريا ( ولم نتكلم بعد عن ثروة سوريا من الغاز والبترول ) بينما يوزع بشار اسد هذه الثروات يميناً وشمالاً لقاء جلوسه على كرسي مهزوز .
قصة مفاعل ديمونا الإسرائيلي من الألف للياء..
الجزء 2 والاخير .
ذكرت في الجزء الأولى أن بن غوريون كشف في شهر كانون الأول / ديسمبر 1960 أن ديمونا هومفاعل ذري مصمم للأغراض السلمية, ولكن بعد خمسة عشر عاماً منذ ذلك التاريخ اي في عام 1975 وهي فترة ليست بالقصيرة، فقد إعترفت الولايات المتحدة بعد خراب البصرة من أن برنامج الاسلحة النووية الاسرائيلية هو حقيقة ثابتة لا رجعة فيه. هذا التأخير بالإعتراف يعطي دلالة علىإهمال متعمد أو عملية خداع للعالم من قبل الولايات المتحدة , فهل يعقل ان يقوم المفتشونالأمريكيون بزيارة مفاعل ديمونا سبع مرات في ستينات القرن الماضي دون ان تراودهم شكوك منان هذا المفاعل بني اساساً لإغراض عسكرية بحتة! بينما يستعمل الأمريكيون والتلموديون حاسةالشم لديهم ليتحفونا بقرارهم بشن غارات على البناء العسكري المقام في العراق لانه مفاعل ذريفي طور التكوين أي مازال جنيناً في بطن أمه؟
تقرير المفتشين الأمريكيين الذين زاروا ديمونا افادوا "بعدم تمكنهم من الحصول على صورة دقيقةللأنشطة التي تجري هناك, وعزوا ذلك إلى السيطرة الاسرائيلية المشددة حول توقيت وجدول أعمال الزيارات".فقد كانت إسرائيل تلجأ إلى طرق خداعية وحيل تُنصَب لأية هيئة دولية ترغب في زيارة موقع ديمونا إلى حد تثبيت لوحات تحكم كاذبة وعزل مناطق كاملة بالقرميد فوق الممرات والمصاعد والتي اغلقت وحجزت قسماً كبيراً من البناء المتضمن للتجهيزات الهامة لتبقى مغيبة تماماً عن انظار المفتشين الذين لم يجدوا دليلآ (او هكذا زعموا) على عدم وجود "انشطة ذات صلة بمشروع تسليح نووي" مثل وجود اعادة معالجة البلوتونيوم.
والسؤال البسيط جداً : أين أجهزة قياس الإشعاعات والتي تبين وجود مادة مشعة وكم بلغت نسبةا لتخصيب ، وهده الأجهزة متيسرة عند هيئة مراقبة الأسلحة النووية والدول الكبرى ؟؟
اعزائي القراء...
على الرغم من أن حكومة الولايات المتحدة تدّعي انها لم تشجع أو توافق على البرنامج النوويالإسرائيلي الا أنها أيضاً لم تفعل شيئا لوقفه،فالسفير الامريكى لدى اسرائيل "والورث باربور" خدم في إسرائيل بين عامي 1961-1973 لاحظوا (طول مدة الخدمة؟) كان و لاشك يعلم بما تقومبه إسرائيل في ديمونا لبناء برنامج قنبلة نووية في السنوات الحاسمة ولكنه وحسب رأيه كان يرى ان وظيفته تقضي بعزل الرئيس الأمريكي عن الحقائق التي قد تدفع الرئيس الى اتخاذ إجراء سلبي بشأن القضية النووية الاسرائيلية قائلاً: (إن الرئيس لم يرسلني لإسرائيل لتزويده بالمشاكلفأنا لا ارغب أن أكون وكالة للأنباء السيئة له!!).
من هذا الرد السخيف يمكن إعتبار السفير الأمريكي "باربور" عميلاً إسرائيلياً بجدارة , فبعد حرب1967 وضع باربور حداً لجهود الملحقين العسكريين في جمع المعلومات الاستخبارية حول ديمونا ولم يأذن بمعلومات عن شحن الوقود النووي، كما فعل في حجز معلومات عام 1966 عندما كانتإسرائيل على إستعداد لوضع رؤوس حربية نووية على صواريخ حاملة لها ، فلقد تخفى هذاالرجل وراء ستار البيروقراطية وكان أبدا يعمل على أساسها. وعند هذه النقطة يمكننا القول بكلصراحة أن فرنسا وضعت حجر الأساس للمشروع واكملت عليه الولايات المتحدة , بينما كان الحكامالعرب يحاربون مع الولايات المتحدة حربها الباردة ضد الإتحاد السوفيتي.
و عندما اصبح الوضع مكشوفاً للولايات المتحده, اصدرت ال (سي آي إيه) وكالة الإستخباراتالمركزية الأمريكية تقريرآ بنته على لقاء تم بين كارل دوكيت مدير مكتب العلوم والتكنولوجيا فيوكالة الإستخبارات المركزية وإدوارد تيللر الملقب بأبي القنبلة الهيدروجينية توصلوا فيه إلى أنإسرائيل قد تمكنت بنجاح بالبدء ببناء اسلحة ذرية وقد جاء هذا الإستنتاج من السيد تيللر نتيجةلمباحثاته مع أصدقائه في مؤسسة الدفاع والعلوم الاسرائيلية . وفي حوالي عام 1975 توقعت وكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية أن عدد الرؤوس النووية التي تملكها إسرائيل يبلغ حواليعشرين راساً نووياً وانها تملك قنبلتين ذريتين في عام 1967, وقد جهزت إسرائيل 13 قنبلة ذريةبقوة عشرين كيلو طن في حرب 1973 خشية خسارتها للحرب ولقد ظلت تقديرات الإستخباراتالأمريكية تدور حول هذا الأرقام حتى عام 1980.
من هذه التقارير الأمريكية يتبين لنا أن إسرائيل تسعى بالنهاية لمسألة حسم وجودها المصطنع على شن حرب نووية. والسؤال:(هل اليوم أوكل الأمر لايران بالتغافل عن تطوير سلاحها النوويلتأخذ زمام المبادرة بمحاصرة الامة العربية بالاتفاق مع إسرائيل ؟؟
وسوم: العدد 1008