في التعددية الإسلامية.. هل يجب أن يقلقنا هذا ؟؟ وإلى اي حد ؟؟

تضمني ندوات وحوارات ومجالس، يدور فيها الحوار بين ما يمكن ان نسميهم "أصحاب مشروع إسلامي"

ولا أريد أن أقول "أصحاب المشروع الاسلامي" كما كنا نقول من قبل.لأننا بقوة الواقع التي تفرض نفسها على الجميع، تكشفنا عن مدارس وطرائق وفهومات وتطلعات لم يعد من السهل رتقها..

كان جميلا مرحليا الشعار الذي طرحه الشيخ رشيد رضا رحمه الله تعالى، ونقله عنه المؤسس حسن البنا "نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه" ورغم كل ما قيل في العبارة؛ فهي قد أسعفت العاملين للإسلام مرحلة من الطريق، ولكنها أسلمتهم كما يبدو لمفترق طرق؛ على مستوى الرؤية والمشروع. وهذا ما بتنا نعانيه.

أذكر من أواسط السبعينات أنني اشتغلت مع لفيف من إخواني في جماعة الاخوان المسلمين، على وضع منهاج عام لمنتسبي جماعة الاخوان المسلمين، في ثلاث مراحل، العضو المنتسب، والعضو العامل، والعضو النقيب، واشتغلنا على ذلك نحوا من عام، وكنا نتشارك القرار إخوة من أكثر المحافظات، كنا نعمل جميعا كإخوة متحابين متعاونين، ولكن هذا لم يكن يمنعنا ان نشعر أن لبعضنا مشربا يتميز عن مشرب، وانه كلما اقترح زيدنا كتابا ليدرس أو ليدّرس، اقترح عمرو أمامه كتابا آخر يكمله، أو يعالج قضايا المسلمين من وجهة اخرى. كان ذلك حالة ضبابية عائمة، انهينا عملنا واعتمد المنهاج الجميل لفترة على مستوى التنظيم العام ، ثم..

لعل تلك الحالة الضبابية قد أصبحت مطرا، وسقت ربيعا وصرنا نشعر بحجم المفارقات التي نعيشها أو نبشر بها..

هل هي أزمة ؟؟ وما حجمها؟؟ كيف يمكن ان نتصدى لها، دون أن نعكر صفاء الود، فليس من الضروري اذا اختلفت عقولنا ان تختلف قلوبنا؟؟ ولكن هذا الكلام يبقى نظريا في عالم يضطرب فيه كل شيء..

امرؤ القيس قال لابنة عمه فاطمة: فسلي ثيابي من ثيابك تنسلي!! ولكن أوضاع المسلمين وما هم فيه من ضعف وتردي واستهداف قد لا تسمح بهذا الانسلال.

ومقتضيات الوضوح والجد وأخذ الكتاب بقوة لا تسمح بمرحلة الهلامية الاسلامية، وكأننا حين ندعو الى تحمل عبء مشروع اسلامي إنما ندعو إلى ما كنا نسميه قديما، مجلس الصلاة على النبي، صلى الله عليه وسلم، فنذكر الشمائل والمحاسن بجميل القول ثم نرش على أنفسنا ماء الورد ونخرج..

وأزعم انني متابع قديم ومحدث لطروحات الفريق الاسلامي على الساحة لاسلامية العامة، وكذا القطرية الخاصة.

وأزعم ان حجم الاختلاف بين أصحاب المشروع الاسلامي على دجات المسطرة ليست أقل حدة وفجوة من خلافاتهم مع غيرهم مع ما في تموجات هذا "الغير" من تباينات..

لا أستطيع في مقال أن أرصد مفارق الاختلاف بين أصحاب المشروع الاسلامي..

ولعل ابسط سؤال يطرح نفسه عليهم، وعليهم ان يجيبوا عليه بصدق مع أنفسهم، ومع بعضهم، هو هل نحن ذاهبون الى الماضي أو إلى المستقبل. باختصار شديد "عود الآراك أو فرشاة الأسنان"رمزية تختصر الكثير!!

هل نحن ذاهبون إلى "المدينة الفاضلة" كما أسست لها وثيقة المدينة، في الصيغة القابلة المفتوحة بشروط العصر وظروفه ومعطياته، أو نحن ذاهبون إلى المدينة أو الحي "الكانتون" الذي استأثر عبر التاريخ وعلى هوامش كل الحضارات باسم "الحي اليهودي" أو حارة اليهود!! سؤال أعمق من أن نستعجل الجواب عليه..

وثالثا هل مشروعنا مشروع مقاربات مع كل الملل والنحل والأقوام والحضارات، أو مشروع منابذات ومنافرات..!!

لا أدري لماذا بوصفنا مسلمين نظل نحاضر ونؤكد على الفوالق بيننا وبين الحضارة الغربية، والحضارات الأخرى دون ان يخطر ببالنا أن نؤكد على الجذور الاسلامية للحضارة الغربية. ورث الغرب حضارة المسلمين، وبنى على أساسها، ثم قفز رجاله فوقها وادعوا ان جدَّ حضارتهم يوناني، ولم يكونوا صادقين.

حضارة المسلمين هي الحلقة الأقرب لحضارة الغرب، والمسلمون أخذوا فيمن أخذوا عن يونان واسسوا وأضافوا، واليونان أخذوا فيمن اخذوا عن اهل مصر والشام وبلاد الرافدين، حقائق التاريخ لا يتجاوزها محقق صادق.

وليس من معنى كلامي ان الحضارات نسخ طبق الأصل عن بعضها!! "تاريخ الأفكار" فرع معتمد من فروع علم السياسة، ومن شاء أن يجارينا جاريناه.

الأطفال الصغار هم الذين يظلون مشغولين بإثبات انهم قادرون على رفع اللقمة الى أفواههم، وربط خيط الحذاء بأنفسهم..

فجوات بل ربما خنادق كثيرة، لم يعد يمكن تجاوزها بعبارة "ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه"

منذ أيام كان دبلوماسي تركي رفيع، يقرر - ربما لما يسمع ويقرأ - أن الدواعش قد تسللوا إلى "كبرى الجماعات الاسلامية المعاصرة" وسماها باسمها، ولا اريد أن أفعل، وهذه الملاحظة لم تصدر من فراغ.

منذ سنوات استمعت الى حوار على فضائية لأحد الذين يسمع قولهم، ينكر على هذه الجماعة "دعوتها الى الدولة المدنية" ويفند ذلك على أسس شرعية محضة، ويعتذر للذين يدعون إليها بأن ظروفا خاصة تدعوهم الى ذلك..

أحببت أن أهمس بأن الفقيه الحنفي الكبير الشيخ مصطفى الزرقا في كتابه "المدخل الفقهي العام" الذي صدرت طبعته الأولى العامَ الذي ولدت فيه ١٩٤٧ يقول فيه بالدولة المدنية، ويؤكد أن كل العقود في الإسلام عقود مدنية، حتى عقد الزواج. وهو كفء بما يقول.

أما نحن فحري بنا أن نحافظ على وحدة القلوب، وننطلق على بصيرة في اختيار التوجهات والمشروعات، من غير إعاقة ولا تثريب.

عندما كانت بغداد تضج بالحياة كان أبو العتاهية ينشد:

رغيف خبز يابس

تأكله في زاوية

وكوز ماء بارد

تشربه من خابية

ومسجد بمعزل

عن الورى في ناحية

تقرأ فيه دفترا

مستندا لسارية

المشكلة ما تزال الأبيات جميلة، وما تزال تداعب الخيال!!

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 1008