خطر الكبتاغون السوري على المجتمعات الخليجية
بات عقار الكبتاغون يدق جرس الخطر في مجتمعات الشرق الأوسط بشكل عام، والمجتمعات الخليجية بشكل خاص على مدار العقد الماضي، إذ أصبح عقار الأمفيتامين فينيثيلين، المعروف على نطاق واسع بالاسم التجاري الكبتاغون، الدواء المفضل بشكل متزايد بين الشباب في دول الخليج، وخاصة في المملكة العربية السعودية. وقد أدى الطلب المتزايد إلى تغذية تجارة المخدرات غير المشروعة المزدهرة التي تمتد بشكل عام من لبنان وسوريا إلى الأردن، ثم إلى دول الخليج.
تدفق تجارة التهريب
لعبت العقوبات الدولية على النظام السوري دورًا مهمًا في تجفيف موارده المالية وزيادة يأس الحكومة للوصول إلى العملة الأجنبية. ومن أجل الالتفاف على هذه الضائقة الاقتصادية، قرر نظام الأسد بالاعتماد على شبكة أقارب رأس النظام والمقربين منهم والقوات العسكرية رعاية شبكات تجارة المخدرات. وقد ضع هذا القرار سوريا – في وقت قياسي – على رأس قائمة الدول المصدرة للمخدرات في العالم.
تزايد الطلب على الكبتاغون في الشرق الأوسط خلال الوقت الذي كان فيه تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» يوسع نفوذه وسيطرته في سوريا، إذ كان قادة تنظيم الدولة الإسلامية يفعلون ذلك طوال ثماني إلى عشر سنوات. توزيع حبوب الكبتاغون على مقاتلي «داعش» قبل المعارك منحهم طاقة وتركيز أكبر. لذلك سرعان ما انتشر العقار بين الجماعات المسلحة الأخرى، بما في ذلك الميليشيات التي تدعم نظام الأسد في الحرب الأهلية السورية. وتم لاحقا تهريب العقار من سوريا إلى السعودية ودول الخليج الأخرى، إذ غالبًا ما يستخدمها الطلاب الذين يستعدون للامتحانات. ومن المحتمل أنه بالإضافة إلى استخدامه للوسائل الأكاديمية والترفيهية، فإنه يتم أخذه من قبل الخريجين الجدد الذين تحولوا إلى العقار كوسيلة للتغلب على ضغوط البطالة بين الشباب التي بلغت في عام 2021 ما يقرب من 29 في المئة في المملكة العربية السعودية. وعلى الرغم من أن البيانات حول تعاطي الكبتاغون لا تزال شحيحة، لكن يبدو أن المملكة العربية السعودية هي الدولة التي بها أكبر عدد من متعاطي الكبتاغون، لكن شعبية العقار تزداد في دول الخليج الأخرى أيضًا.
في تقارير وسائل الإعلام العالمية، تم إطلاق ألقاب مثل «دولة المخدرات» و «جمهورية الحشيش» على المناطق الخاضعة لسيطرة نظام الأسد. إذ شهدت المناطق التي يسيطر عليها النظام في السنوات الأخيرة نموًا هائلاً في تصنيع وتجارة الكبتاغون بآلات خاصة وعشرات المختبرات الصغيرة، إذ حوّل النظام سوريا التي مزقتها الحرب إلى واحدة من مراكز المخدرات الرائدة في العالم، والتي تضم موانئ متصلة بممرات الشحن في البحر الأبيض المتوسط بالإضافة إلى طرق التهريب البري إلى الأردن ولبنان والعراق – وكلها تتمتع بحماية جهاز أمن النظام.
كشفت التحقيقات التي أجرتها وسائل الإعلام أن الكثير من الإنتاج والتوزيع داخل سوريا يشرف عليه قادة في الفرقة المدرعة الرابعة في الجيش السوري، وهي وحدة النخبة بقيادة ماهر الأسد، الشقيق الأصغر للرئيس، وأحد أقوى الرجال في سوريا. وتشير كارولين روز، كبيرة المحللين في معهد نيولاينز للاستراتيجية والسياسة الى إن: «الحكومة السورية تستخدم هياكل تحالف محلية مع مجموعات مسلحة أخرى مثل حزب الله للحصول على الدعم الفني واللوجستي في الإنتاج والإتجار بالكبتاغون».
كما ذكر تحقيق أجرته وكالة «فرانس بريس» أن تجارة الكبتاغون تمتد عبر عدة دول، وإن العديد من اللاعبين الرئيسيين لديهم روابط قبلية، لا سيما من خلال بني خالد، وهو اتحاد قبلي بدوي يمتد من سوريا ولبنان إلى الأردن والعراق والمملكة العربية السعودية. وقالت مصادر متعددة، بمن فيهم مهربون، وضباط استخبارات، وهاربون من الجيش السوري، إن الشحنة يمكن أن تبقى داخل دائرة نفوذ بني خالد طوال رحلتها من التصنيع في سوريا إلى التسليم في السعودية. وقال مستشار سابق في الحكومة السورية «الكبتاغون جمع كل أطراف الصراع؛ الحكومة، والمعارضة، والأكراد، وداعش. حتى في الشمال، موطن آخر الجيوب التي تصمد فيها الجماعات المتمردة والجهادية ضد نظام الأسد، شكلت تجارة الكبتاغون تحالفات غير متوقعة».
وقد قدر تقرير لمجلة «دير شبيغل» الألمانية القيمة الإجمالية لشحنات الكبتاغون التي باعها نظام الأسد عام 2021 بنحو 5.7 مليار دولار. علاوة على ذلك، أشار موقع «سيريا ريبورت» المتخصص في الأعمال والاقتصاد، في عام 2020 إلى أن تنامي حجم صادرات الكبتاغون السوري وتقلص بقية الأنشطة التجارية المشروعة يجتمعان لجعل الكبتاغون أهم مصدر للعملة الأجنبية في سوريا. ويشير حجم الضبطيات التي أجراها مسؤولو الحدود في الدول التي تعترض شحنات عقار الكبتاغون القادمة من سوريا إلى حجم الكارثة. ومع حالة التأهب القصوى للدول الحدودية لشحنات المخدرات من سوريا، اضطر نظام الأسد إلى اللجوء إلى طرق مبتكرة لإخفاء ونقل المخدرات، إذ تم العثور على حبوب الكبتاغون مخبأة في عبوات الحليب المجفف، ولفائف الكرتون، وعلب البيض. كما تم العثور عليها مدفونة في شحنات الشاي والحليب والفواكه الطازجة.
خط سير الكارثة
من سوريا ولبنان، عادة ما يتم تهريب حبوب الكبتاغون براً إلى الأردن، ومن هناك إلى دول الخليج، على الرغم من أن بعض الشحنات يتم نقلها عن طريق الجو والبحر، وغالبًا ما تكون مخبأة داخل أو بين منتجات أخرى. لذلك أصبح الأردن على نحو متزايد ساحة معركة من أجل القضاء على هذه التجارة غير المشروعة. وقد أدى تهريب الكبتاغون إلى قيام المملكة العربية السعودية بحظر واردات الفاكهة والخضروات من لبنان مؤقتًا، لأن السلطات السعودية وجدت في إحدى الضبطيات كميات كبيرة من حبوب الكبتاغون في مثل هذه المنتجات. ففي نيسان/أبريل 2021 صادر مسؤولو الجمارك السعودية في مدينة جدة الساحلية أكثر من 5 ملايين حبة مخبأة في شحنة رمان قادمة من لبنان. على الرغم من أن بعض المصادر قالت إن الرمان جاء من سوريا، فإن السلطات السعودية ألقت اللوم مباشرة على لبنان.
زتواصل السلطات السعودية الإبلاغ عن مصادرة الكبتاغون في المعابر الحدودية البرية والمطارات والموانئ. في أواخر آب/أغسطس الماضي، على سبيل المثال، قالت السلطات السعودية إنها صادرت 46 مليون حبة كبتاغون مخبأة في شحنات طحين تمر عبر ميناء الرياض الجوي. في غضون ذلك، في الإمارات العربية المتحدة، اعترضت السلطات 5.7 مليون حبة كبتاغون في آيار/مايو 2019 كانت مخبأة داخل حاوية طعام. لكن هذه النوبات ما زالت تفعل القليل لوقف تدفق الكبتاغون الى دول الخليج.
في الوقت الذي ستستمر فيه مصادرة الكبتاغون بلا شك ويجب تشجيعها، يجب على دول الخليج التي تسعى إلى تحسين علاقاتها مع سوريا أن تؤكد للمسؤولين في دمشق أن العلاقات السورية الخليجية تعتمد على عمل سوريا على وقف إنتاج وتوريد عقار الكبتاغون. بعبارة أخرى، إذا كانت سوريا تريد حقًا أن تعود إلى الحظيرة العربية، فعليها أن تتوقف عن كونها دولة مخدرات. كما يجب على دول الخليج أيضًا مقاومة ادعاءات الحكومة السورية بأنها تعارض تجارة المخدرات، ولا ينبغي أن تنغمس في ما يُرجح أنه تقارير مزيفة عن حملات القمع السورية لتجارة المخدرات غير المشروعة.
مع عدم وجود نهاية في الأفق لأزمة سوريا الاقتصادية والسياسية، فإن الخوف هو أن الكبتاغون سيصبح دعامة أكبر للحياة في سوريا ولبنان، حيث يتم إنتاج ما يصل إلى خمس الحبوب المنتجة عالميا. وذكر تحقيق لوكالة «فرانس برس» إن بارونات الكبتاغون أقاموا علاقات سياسية قوية هناك. ويقول إيان لارسون، كبير محللي الشأن السوري في المركز المستقل لتحليل وبحوث العمليات «COAR» لقد «أصبحت سوريا المركز العالمي لإنتاج الكبتاغون عن طريق الاختيار الواعي». ويضيف أنه «مع شلل اقتصادها بسبب الحرب والعقوبات لم يكن أمام دمشق سوى القليل من الخيارات الجيدة». كما يشير لارسون، في ورقة بحثية عن نشاط تجارة الكبتاغون: «من مسؤولي النظام السوري ورجال الأعمال المليونيرات في أعلى السلسلة، وصولاً إلى القرويين واللاجئين العاملين في تصنيع المخدرات وإخفائها، تنتشر دولارات الكبتاغون على نطاق واسع في كلا البلدين، سوريا ولبنان». ويصل الى نتيجة مفادها: «للأسف، الأسد، الذي لم يتردد في تسميم شعبه بالمخدرات التي تسبب الإدمان، يهدف الآن – بمساعدة الميليشيات التي ترعاها إيران – إلى إغراق العالم بالمخدرات السورية الصنع. إن محاولة ثني نظام الأسد عن متابعة تجارة المخدرات المربحة لم تعد خيارًا قابلاً للتطبيق فحسب، بل واجبا على المتضررين لاحتواء هذه المشكلة ومكافحتها قبل فوات الأوان».
وسوم: العدد 1012