الحركة الإسلامية وضرورة المراجعة
خلال السنوات القليلة الماضية كانت الحركة الإسلامية تتصدر المشهد السياسي في العديد من الدول العربية، إن لم يكن فيها جميعها، خاصة بعد موجة ثورات الربيع العربي، التي آلت في بعض الحالات الى إتاحة الفرصة أمام الإسلاميين لتولي الحكم أو المشاركة فيه، أو الظهور في صدارة المشهد السياسي بسبب مشاركتهم في الأحداث الشعبية وبسبب وجودهم في الشارع.
ومع تصدر الإسلاميين للمشهد السياسي في عدة دول عربية، سرعان ما تحولوا إلى محط استهداف من قبل الأنظمة السياسية المستبدة، وأجهزتها الأمنية القمعية والمتسلطة، وهو ما أدى إلى تباين التجارب بالنسبة للإسلاميين الذين نقصد بهم غالباً «جماعة الإخوان المسلمين»، على اعتبار أنها أكبر الحركات الإسلامية ممن يمارسون العمل السياسي. خلال السنوات الأخيرة انتهى العديد من تجارب الحركة الإسلامية إلى الفشل، ففي مصر مثلاً أصبحوا موزعين بين المنافي والسجون، بعد استخدام النظام القوة المفرطة ضدهم، بينما في حالة مثل الأردن أصبحوا مفتتين ولهم شكل أقرب الى أحزاب الديكور الصغيرة، على الرغم من أنهم ما زالوا ممثلين في البرلمان ولهم وجود مهم في الشارع، وبين هذا النموذج وذاك ثمة نماذج أخرى فريدة مثل، حالة تونس التي ما زالت لم تتضح نهايتها، وحالة المغرب التي تورطوا فيها بالتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي والموافقة عليه.
في الواقع أصبحت تجربة الحركة الإسلامية في العالم العربي بالغة التباين والتمايز في السنوات الأخيرة، إذ لا تزال حركة حماس (ذراع الإخوان المسلمين في فلسطين) تتبنى خيار المقاومة، وترفض الاعتراف بإسرائيل، بينما حزب العدالة والتنمية (ذراع الإخوان المسلمين في المغرب) يعترف بإسرائيل ويرفع علمها وهو الذي وقّع على اتفاق التطبيع معها، وبين هؤلاء وهؤلاء رفض الإخوان المسلمون في الأردن اتفاق السلام مع إسرائيل الموقع عام 1994، لكنهم في الوقت ذاته كانوا ممثلين في البرلمان الذي وافق على الاتفاقية ولم يستقيلوا منه. الموقف من قضية فلسطين والاعتراف بإسرائيل ليس سوى مثال على التباين في مواقف الحركة الإسلامية، واختلاف تجاربها على امتداد العالم العربي من محيطه إلى خليجه، والأمثلة على ذلك كثيرة وتحتاج إلى كثير من البحث والنقد والتمحيص، لكنّ الشاهد هنا هو أن تجارب الإسلاميين في الحكم والمشاركة السياسية تحتاج إلى مراجعة نقدية حقيقية ومنصفة وتحتاج إلى دراسة تنتهي إلى نتائج وتوصيات عملية. في بعض الحالات مُني الإسلاميون بخسارة حادة وفشل ذريع، وكان لهذا الفشل انعكاسات كبيرة على واقع العمل الإسلامي، وعلى المجتمعات العربية، إذ أصبحت المنطقة العربية تشهد موجة من الردة عن الدين بشكل عام، وتراجعت وتيرة التدين في أوساط عموم الناس، وتحول الإلحاد الى ظاهرة، فضلاً عن أن الآلاف من أبناء الحركة الإسلامية أصبحوا إما في السجون أو المنافي، أو قرروا طوعاً أو كرهاً ترك العمل السياسي والانكفاء على أنفسهم، هذا فضلاً عن الخلافات والانشقاقات والتلاوم الذي لا فائدة منه، وكل هذا كان نتيجة لفشل تجارب الحركة الإسلامية في العمل السياسي والحكم.
ما يجب على الحركة الاسلامية إدراكه هو أن الأجدر والأولى عدم خوض التجربة التي يغلب الظن عليها أنها ستفشل، لأن تكلفة الفشل في العمل السياسي باهظة جداً، ولذلك فإن مراجعة المرحلة السابقة وتقييمها والتوصل الى خلاصات وتوصيات تتعلق بالمستقبل أمر ملحّ وبالغ الأهمية. والمرحلة الراهنة التي تعيشها الحركة الإسلامية تعيد الى الأذهان المرحلة التي مرّت بها الأحزاب الشيوعية في العالم والمنطقة العربية خلال فترة ما بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، إذ كان العالم أمام تجربة فشلت وبدأ الناس ينفضّون من حولها، وهو ما أحال الأحزاب الشيوعية سريعاً إلى دكاكين صغيرة ليس لها الكثير من الجمهور. هذا طبعاً مع اعترافنا بوجود الكثير من الاختلافات، وأهمها أن الحركة الإسلامية تستند إلى دين سماوي لا يُمكن أن يُهزم أو يتهاوى كما هو الحال بالنسبة للنظريات الدنيوية التي يضعها البشر.
وسوم: العدد 1012