القنبلة التي قد تنفجر في أية لحظة في المنطقة العربية
غلاء الأسعار والتدهور الحاد للأوضاع المعيشية في المنطقة العربية ليس أزمة اقتصادية عابرة، كما تحاول بعض الأنظمة تصويرها، وكما يحاول بعض المسؤولين السياسيين التعامل معها، وإنما هي أزمة خطيرة تنذر بتوترات سياسية وأمنية واجتماعية قد تؤدي إلى تحولات عميقة في المنطقة، ومن لا يقرأها على هذا الأساس فهو مخطئ وواهم.
الأزمة الاقتصادية والمعيشية التي تعصف اليوم بعدة دول عربية ليست ناتجة عن التطورات العالمية، ولا عن الحرب الروسية الأوكرانية، ولا هي مماثلة لما يحدث في دول أخرى من العالم، وإن كان هذا كله عوامل فاقمت بالفعل من الأزمة الاقتصادية العربية، لكنها لم تكن السبب الرئيس والأساس في ما يعيشه الناس من تدهور معيشي.
ثمة تدهور اقتصادي حاد واستثنائي وغير مسبوق في العديد من الدول العربية، وهو تعبير عن أزمة أعمق بكثير من تلك التي يشهدها العالم بسبب حرب أوكرانيا، وارتفاع أسعار النفط، ففي مصر مثلاً التي هي أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان وثاني أكبر اقتصاد عربي، فقدت العملة المحلية (الجنيه) أكثر من 60% من قيمتها خلال عام 2022، وخلال أسبوعين من العام الجديد واصل الهبوط الحاد بما لا يعطي أي انطباع بأنه من الممكن أن يتعافى خلال الشهور المقبلة. وفي تونس والأردن ولبنان وسوريا ثمة أزمات متفاوتة، إذ أصبح المواطن السوري يعاني صعوبة بالغة في الحصول على الخبز والوقود، وهما سلعتان أساسيتان تدخلان في كل مناحي الحياة اليومية، وفي لبنان لا يزال الدولار شحيحاً بما أدى إلى انهيار العملة، وأدى لاحقاً إلى أزمة مواد تموينية ودوائية، أما في الأردن فإن نسبة البطالة تتجاوز 23% وترتفع بين الشباب لتلامس الـ50%، وهذا يعني أن نحو ربع الأيدي العاملة في البلاد معطلة ولا تجد عملاً ولا مصدراً للرزق. في تونس أيضاً تبخرت العملة الوطنية، حيث كان الدولار الأمريكي يساوي 1.26 دينار تونسي في عام 2011، ليصبح الدولار اليوم بنحو 3 إلى 3.3 دينار تونسي، ما يعني أن العُملة التونسية فقدت أكثر من ثلثي قيمتها خلال عشر سنوات، لكن اللافت هو أن الدولار الأمريكي كان يساوي 2.7 دينار تونسي يوم 24 يوليو 2021، أي قبل يوم واحد من إجراءات الرئيس قيس سعيد التي يصفها الكثيرون بأنها «انقلاب على الديمقراطية».. ما يعني أن العملة التونسية فقدت ما يصل إلى 20% من قيمتها خلال فترة استفراد الرئيس قيس سعيّد بالسلطة، فضلاً عن ارتفاع المديونية وزيادة العجز في الموازنة العامة للدولة.
العالم العربي بحاجة لخطة إنقاذ اقتصادية عاجلة، وإلا فإن الأزمة المعيشية للناس ستتعمق أكثر، وأسعار المواد الأساسية والسلع الرئيسية ستسجل مزيداً من الارتفاع، ورقعة الفقر ستتسع تبعاً لذلك وسيزداد عدد الجوعى والمعوزين والمهمشين والعاطلين عن العمل، وهؤلاء سيتحولون إلى قنبلة بشرية قد تنفجر في أية لحظة على شكل احتجاجات عامة في الشارع. في العالم العربي ثمة رغبة في التغيير والتحول إلى الأفضل عبر تعزيز الديمقراطية وتوسيع المشاركة السياسية ومحاربة الفساد والمحسوبية والرشاوى وعمليات الاختلاس للثروات والمقدرات، وهذه الرغبة تم التعبير عنها بموجة «الربيع العربي» الأولى عام 2011 وما تلاها، وما لم تتحقق تطلعات الشعوب ورغباتها فلا يمكن إلا أن تتجدد تلك الثورات، ولذلك فعلى الأنظمة العربية أن تتصرف على هذا الأساس وتنطلق من هذه القاعدة. الأوضاع الاقتصادية البائسة التي يعيشها العالم العربي حالياً يُمكن أن تتحول في أية لحظة إلى موجة جديدة من الاحتجاجات والعنف والتوترات السياسية والاجتماعية والأمنية، ولذلك ينبغي البحث بجدية وبعقل منفتح في كيفية معالجة هذه الأزمات، وهي أزمات اقتصادية لا يمكن أن تكون بمعزل عن الأزمات السياسية التي تعيشها هذه البلدان، ولا يمكن لبلادنا أن تتجاوز أزماتها، من دون تحقيق مصالحة سياسية ومجتمعية تقوم على الانفتاح والديمقراطية وتُنهي الانقلابات العسكرية التي تُحقق الأمن المؤقت فقط.
وسوم: العدد 1015