العام الأصعب: لا تتركوا الأردن وحيداً
منذ إنشاء إمارة شرق الأردن عام 1921 وهذا البلد الصبور، وشعبه الكريم، وحكّامه عبد الله الأوّل، طلال، الحسين بن طلال، وعبدالله الثاني في "معاناة شديدة" لمواجهة صعوبة الحياة الاقتصادية.
قال لي الملك حسين على دعوة غداء كريمة، متسائلاً: "هل تعرف ما هي المهمّة المستحيلة لملك الأردن؟".
أجبته بسذاجة وبراءة ومنطقية: "إنّها مسألة إيجاد صيغة تفاهم مع عدد من الجيران من ذوي المصالح المتناقضة والعقليّات المتصادمة".
ضحك الملك حسين، رحمه الله، وقال: "هذا بالطبع مهمّ، لكنّه ليس الأهمّ".
سألته: وما هو الأهمّ لملك الأردن؟
أجاب بصوته الرخيم المميّز: "إنّه الاقتصاد يا سيّدي".
وأضاف: "مهمّة مليك البلاد أن يجول في العالم مستغلّاً كلّ مهاراته واتّصالاته لتدبير الفارق الكبير بين نفقات وإيرادات هذه الموازنة التي تواجه كلّ عام عجزاً ماليّاً لا حلّ له".
منذ إنشاء إمارة شرق الأردن عام 1921 وهذا البلد الصبور، وشعبه الكريم، وحكّامه عبد الله الأوّل، طلال، الحسين بن طلال، وعبدالله الثاني في "معاناة شديدة" لمواجهة صعوبة الحياة الاقتصادية
أسباب العجز الدائم
موقع الأردن الاستراتيجي يفرض عليه شكل اقتصاده واتّجاهات سياساته.
يقع الأردن في الجزء الحيوي من شبه الجزيرة العربية، وتحدّها سوريا من الشمال، وفلسطين من الغرب، وتلاصق السعودية من الشرق والجنوب، ويحدّها العراق من الشرق.
تبلغ مساحة البلاد 89,341 كلم مربّعاً، وتكاد تضيق بالسكّان الأصليين والنازحين الذين يكاد يُقارب عددهم جميعاً 11 مليوناً.
قال الملك حسين هذا الكلام ولم يمهله القدر كي يواجه تداعيات الأوضاع في العراق، والهجرة الجماعية من سوريا إلى الأردن، وتكاليف حماية الحدود من توحّش تنظيم داعش، وأخيراً ارتفاع تكاليف الحياة بسبب عامين من الكورونا وعام من الحرب الروسية - الأوكرانية.
الأردن هو الدولة الوحيدة في العالم التي تحمل على كاهلها وتتحمّل نزوح ولجوء أعداد من البشر تكاد توازي عدد سكّانها.
في البدء حمل بحبّ الأشقّاء الفلسطينيين الذين أصبحوا الآن مكوّناً رئيسياً من مكوّنات المجتمع الأردني بعد مرور 70 عاماً على وجودهم. ثمّ تحمّل النزوح العراقي ثلاث مرّات: الأولى عقب الحرب مع إيران، والثانية عقب غزو الكويت، والثالثة عقب الاحتلال الأميركي للعراق. وبعد نشوب الحرب الأهليّة السورية، كان الأردن المقصد الثاني للنزوح السوري.
7 تحدّيات أساسيّة
يقول مسؤول عربي خبير بشؤون الأردن إنّ إشكاليات وتحدّيات الأردن يمكن تحديدها على النحو التالي:
1- العجز الدائم الناشئ عن الفارق بين الإيرادات والنفقات.
2- نقص الموارد الأساسية من غذاء أساسي وطاقة.
3- انخفاض تحويلات العمالة الأردنية في الخارج مقارنة بالأعوام السابقة.
4- تناقص المساعدات الخارجية والهبات.
5- وجود فساد إداري في الخدمات والاستثمار.
6- مشكلة شحّ المياه.
7- ارتفاع تكاليف السلع والخدمات الأساسية عقب الحرب الروسية - الأوكرانية.
يحاول الأردن جاهداً أن يجعل من البلاد نقطة جذب للأعمال والاستثمارات الدولية من خلال ملتقى دافوس الذي عُقد على ضفاف البحر الميت، ومن خلال جولات وزيارات الملك عبدالله الثاني لواشنطن وعواصم العالم وزياراته المكّوكية لأبوظبي والرياض والدوحة.
الأردن هو الدولة الوحيدة في العالم التي تحمل على كاهلها وتتحمّل نزوح ولجوء أعداد من البشر تكاد توازي عدد سكّانها
يسعى الملك عبدالله من خلال علاقات اقتصادية قويّة مع بغداد والقاهرة أن يُنشئ مثلّث علاقات تجارية تساعده في مجال الكهرباء والطاقة الذي يُعتبر مسألة حياة أو موت في الأردن، خاصة بعد سعي البلاد إلى أن تكون مركزاً استراتيجياً إقليمياً للربط والتوزيع الكهربائي مع سوريا وفلسطين ولبنان.
لكنّ أزمة ملك الأردن هي التالية: كيف ترضي الجيران وفي داخل كلّ منهم أزمة: سوريا في حرب، والعراق في انقسام، ولبنان في انهيار، وفلسطين بلا أمل في مشروع الدولتين، وإسرائيل تعيش جنون اليمين المتشدّد، وكلّ من السعودية ومصر مشغولتان بأوضاعهما الداخلية بالدرجة الأولى.
في الوقت ذاته يصرّ جنون إيتمار بن غفير، المتطرّف الأشدّ في إسرائيل، على تهديد سلامة المسجد الأقصى الشريف، مضاعفاً المسؤولية على الأردن لأنّه صاحب الوصاية على المسجد وسلامته ورعايته.
الأزمة الكبرى.. والاستثمار الممكن
تواجه الحكومة الأردنية، التي يقودها بشر الخصاونة، وهو رجل قدير لا يعرف التأجيل أو المماطلة في التصدّي للمشاكل، أزمة كبرى بسبب تأرجحها بين الالتزام بقواعد الاقتصاد الحرّ في التعامل مع مسألة دعم السلع الأساسية، وبين "أنين الناس الكادحة التي تصارع من أجل ربطة خبز ومقعد دراسي وسرير في مستشفى".
المطالب هائلة والموارد محدودة فيما التحدّيات الجديدة الإضافية لا تستطيع الجبال أن تتحمّلها وتهدّد الجميع من حاكم وحكومة ومحكوم بشكل شديد القسوة.
إذا تأثّر الاستقرار في الأردن فهذه مسألة لا مزاح فيها لأنّنا نتحدّث عن صمام أمان يرتبط بمسألة العراق وإيران، ويرتبط بحدود السعودية، ويرتبط بحدود سوريا التي يحاول تنظيم داعش العبث بها، ويرتبط بأمن الضفّة والحدود مع إسرائيل التي تعتبر أنّ الأردن هو الضامن لها.
من هنا يصبح واجباً على الأشقّاء في الخليج اعتبار سلامة الاقتصاد الأردني مسألة جوهرية في المرحلة الراهنة لأنّ انفلات الأوضاع ليس من مصلحة أيّ قوّة، إلا من يحلم بالفوضى وزيادة اشتعال الصراعات في المنطقة.
إذا كان نهج دول الخليج الجديد هو الاستثمار ذا العائد لا الدعم القائم على العواطف السياسية، كما صرّح وزير خارجية السعودية في دافوس أخيراً، فإنّ الأردن يمتلك مجالات مربحة وجيّدة يمكن أن تغري بالاستثمار فيها.
باختصار: لا تتركوا الأردن وحيداً.
وسوم: العدد 1016