في صدى هذه الزلازل
بقضاء من الله سبحانه وتعالى وقدره ، وبحكمته وتدبيره ــ جـلَّ وعلا ــ كانت هذه الزلازل ، وما خلَّفتْه من آثارٍ ، بكت منها العيون ، وحزنت منها القلوب ، وفاض الحنان في قلوب المسلمين خاصة ، وتحركت المشاعر الإنسانية عند آخرين ، والأمر لله وحده يفعل مايشاء ، ويحكم مايريد ، ولا معقب لحكمه ، ولا راد لقضائه وقدره إلا إذا شاء ، والحمد لله على كل حال ، والخير يكون فيما قدَّره مولانا سبحانه ، ولا يعلم عاقبة الأمور إلا هــو ، ومَن لم يرض بقضاء الله وقدره فَلْيعبد غيرَه ... ليذوق الوبال الذي لايُرد عمَّن كفر في عذاب الخلود . وكثرت أقوال الناس ، وتنوعت أحاديثهم ، فبين بيان شرعي من عالم حكيم ، وجاهل لايدري ماذا يقول ، وبين شامت أرعن وضيع النفس ، ولازلنا نحلل الأحداث بحسب طريقة تفكيرنا ، فهناك من يقول : إن الله يعاقبنا بسبب ذنوبنا ، والفساد الذي أحدثناه في الأرض ، وهناك مَن يقول : هذا جزاء ما اقترفته أيديهم .. يقول ذلك بشماتة وحقد ، لأنه عدو لغيره ، ويكره مَن حلّت عليهم الكارثة ، وعاشوا الخسارة الفادحة بكل أشكالها ، وهناك من يتساءل متبجّحا مستهترا : أين الله ؟ ألا يكفي ما عاشه هذا الشعب الذي داهمته الأهوال ، وشرب حميم المرارات !!
إن مايحدث :( من الزلازل وغيرها من المظاهر الطبيعية ) هو حقيقة علمية لاينكرها إلا جاهل أو غبي أو مَن يهرف بما لايعرف ... والتعامل مع مثل هذه الأحداث يجب أن يكون كما فعله الناس معها منذ أقدم الحقب التاريخية ، فهذا الزلزال ليس بجديد على وجه الأرض ، وليس هو بجديد في سوريا الحبيبة أو تركيا الشقيقة ، والمسلمون يعلمون أن الزلازل ستقع ــ في آخر الأيام من عمر هذه الدنيا الفانية ــ كما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي : ( لاينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى... ) وستأتي زلازل أخرى علمها عند الله سبحانه وتعالى . ولقد تحدث العديد من العلماء حول هذا الموضوع : ( ولا شك أن ما حصل من الزلازل في هذه الأيام في جهات كثيرة هو من جملة الآيات التي يخوف الله بها عباده. وكل ما يحدث في الوجود من الزلازل وغيرها مما يضر العباد ويسبب لهم أنواعاً من الأذى، كله بأسباب الشرك والمعاصي، كما قال الله ): وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ( سورة الشورى:30]، وقال تعالى (: مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ)سورة النساء:79 وقال تعالى عن الأمم الماضية: (فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) .
وفي مسألة هل الزلزال ظاهرة طبيعية أم رسالة ربانية؟ يرى بعض العلماء : (بأن زلزال (تسونامي) الذي يعد أكبر الزلازل في العصر الحديث ما هو إلا عقاب من الله عز وجل، لأن هذه المنطقة مشهورة بالسياحة (الجنسية)، ومعظم من يرتادها يكون قاصدا الفحش، مستنكرا أن يكون مجرد ظاهرة علمية، على اعتبار أن الزلازل تحدث في شتى أنحاء العالم، وآخر زلزال كان عام 1992م في مصر، ولم يكن بهذه القوة الفظيعة. ومع ذلك اجتمعت معظم الآراء على أنه عقاب على فسوق البعض، ولذلك سعى الكثير من الناس وقتها إلى معرفة دينهم أكثر، وانتشر الحجاب بين الفتيات الصغيرا ) .
وتحت عنوان : الزلازل عقوبة إلهية للطغاة المفسدين : كتب أحد العلماء : ( ولا يمكن الحديث عن مسألة هل الزلزال ظاهرة طبيعية أم رسالة ربانية، دون الأخذ برأي العلامة الشيخ يوسف القرضاوي الذي يصف الزلازل والبراكين وسائر النوائب بأنها عقوبة إلهية تستهدف إهلاك الطغاة والجبارين، وتأديب العصاة والمفسدين، وتنبيه الناسين والغافلين، واختبار وابتلاء المؤمنين، ويؤكد أن هذه الزلازل والبراكين التي تقع تدلنا على مدى جهل الإنسان بما حوله، رغم ما وصل إليه من علم وحضارة وتقدم، فرغم هذه الثورات الهائلة في التكنولوجيا والفضائيات فما زال الإنسان جاهلا بما سيقع له بعد ثوان، وقد عجز العلماء رغم ما أوتوا من علم عن أن يتنبئوا بوقوع هذا الزلزال أو غيره من الزلازل والبراكين التي راح ضحيتها ملايين البشر. ويشير الدكتور يوسف القرضاوي إلى أن هذه الزلازل والبراكين هي من جنود الله -عز وجل- التي يسخرها لينفذ بها قدرته، وقد سخر الله تعالى الماء ليعذب به فرعون، وسخر الريح ليهلك بها قوم عاد، وسخر الصواعق ليهلك بها ثمودَ، قال تعالى: “فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ”، موضحا أنه قد جاء في القرآن الكريم ما يؤكد لنا أن الله تعالى أهلك أقواما بسبب ذنوبهم، فقال الله عن قوم فرعون: “وَفِرْعَوْنَ ذِي الأوْتَادِ الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلاَدِ فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ”، وقال عن عاد: “وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ فَهَلْ تَرَى لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ”، وقال عن ثمود: “وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) .
ولله الأمر من قبل ومن بعد ... ولنا أن نستذكر ماورد في كتاب الله تعالى من قصص في مجال الأحداث المرعبة ، لنعلم أن عاقبة كل حدث علمها عند الله سبحانه وتعالى ، فالسفينة التي خرقها الرجل الصالح ظاهرها غرق السفينة ومَن عليها ، ولكن العاقبة لم تكن كذلك . والغلام الذي قتله ذالك الرجل الصاله ، كانت عاقبته سعيدة عليه وعلى أهله . والمولود الذي ولدته أمه بعد مخاضها وهي في البحر ، أمر الله سبحانه مَلَك الموت أن يقبض روحه ، ولحكمة ربانية ــ كما جاء في الأثر أن ملك الموت كأنه حدَّث نفسه لو أجلَّ وفاة هذا الطفل إلى ماشاء الله ، فأراد الله سبحانه أن يُري ملك الموت حكمته بل ورحمته ، فأمد في عمر الغلام حتى كبر وأصبح رجلا ، وحكم الناس بالظلم والتسلط والقهر ، وطغى وتجبر ، حتى أن ملك الموت حدَّث نفسه في هذه المرة أنه إن حان أجله سيفعل به الأفاعيل في سكرات الموت . فأخبره العليم الحكيم أن هذا الطاغية هو ذلك الغلام الذي أمرتك بإنهاء حياته وهو طفل ، ولسلم من عذاب الخلد في جهنم
إضاءة :
﴿ ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون ﴾ 96 / الأعراف .
وسوم: العدد 1018