ثقل الدم الإسرائيلي يتجول «زنقة – زنقة» من تركيا إلى إثيوبيا وإندونيسيا وفي الأردن «تسوية» مع عقيدة «الخسارة»
قد يتمكن جمهور فضائية «السودان» وجنوب إفريقيا وزيمبابوي، الذي يتابع الشاشات، ومعه متابعو قناة «سرت» الفضائية الليبية، من ملامسة ولو جزء بسيط من «ثقل دم» العدو الإسرائيلي، عبر مشاهدة رجال الأمن في المدينة الحليفة «أديس أبابا»، وهم يسحبون أعضاء الوفد الإسرائيلي المتسلل لاجتماعات القمة الإفريقية.
شبكة «سي أن أن» أشارت للمسألة، وفي الجزائر وجهت التحية للوفد الجزائري وشقيقه الجنوب إفريقي، بسبب التمكن من «رصد ثم طرد» المتسلل الإسرائيلي.
لا يوجد مكان، أو زاوية، أو حوش أو زقاق أو «زنقة – زنقة» على طريقة الراحل معمر القذافي في العالم لا تحشر إسرائيل فيه أنفها الفضولي ثقيل الدم. كيف يتوقع هذا الكيان المرتاب أن يتحول إلى «جزء طبيعي» من شعوب المنطقة، ويتعايش معها في رفقة كل تلك «اللصوصية»؟!
رفاقنا في القارة السوداء حصلوا على الفضائيات، ومنها «الجزيرة» واطلعوا على تفصيلات « فضيحة الوفد الإسرائيلي» في إثيوبيا، الذي جر خارج القاعة برفقة أمنية، كما يليق بكل متسلل يصر على حضور عرس لا تربطه بأطرافه أي علاقة.
حسنا فعل الأمن الإثيوبي، وهو يسلط الضوء ضمنا على «جزء يسير» من العذاب، الذي يكابده شعبنا الفلسطيني مع عدو لا أخلاقي ويبحث فضوله عن الزوايا غير الشرعية ويحضر المناسبات دون «دعوات»!
المشهد كان مضحكا جدا، والوفد الجزائري «مستيقظ»، وثقل الدم الإسرائيلي هذا وصل حتى أطراف الزلزال التركي، حيث طرد الأمن التركي أيضا متسللين يتقمصون هيئة «طاقم إنقاذ» كانوا يحملون أسلحتهم خلافا لبقية خلق الله.
كيان الاحتلال مجددا، خلية سرطانية مريضة مختلة فضولية تتلصص، لا تؤمن بالآخر، وأحد المعلقين على القناة العبرية الثانية وصف ما حصل بأنه «فضيحة»، موجها اللوم للمضيف الأثيوبي في إهانة إسرائيل، بدلا من توجيهه للوفد الذي «انتحل» صفة الغير واستعمل بطاقات دعوة مزيفة.
فرض النفس بثقل دم وحشر الأنف وإظهار القدرة العجيبة على التعامل مع الفضول والتدخل في شؤون الآخرين هي مزايا اللص والمجرم.
وهي أيضا مزايا العدو، الذي يمارس كل أصناف الإجرام ضد الشعب الفلسطيني.
«لص» ثقيل الدم
الإسرائيليون يتجسسون بليل ويتسللون من خلف الأضواء والكاميرات، ويحاولون بكل صلف وبلا خجل أو وجل فرض إيقاعهم، وحشر أنوفهم في ما يخصهم وما لا يخصهم!
وما فضحته صحيفة «الغارديان» في تحقيقها المذهل، دليل إضافي على ذلك، بعدما توسعت قناة «الجزيرة» مرتين في بث التفاصيل، حيث قراصنة إرهابيون يتجسسون على جميع الدول مقابل دولارات.
حتى انتخابات في قرية فلبينية أو مدينة إندونيسية، لم تسلم من فضول هذا العدو واستعراضاته البشعة.
لماذا يتجسس الإسرائيليون على الانتخابات المتعلقة بالمجالس البلدية في جزيرة مثل الفلبين مثلا؟!
ما الذي يخدمهم وهم يسيطرون على فلسطين ويحتلونها بدعم غربي ويملكون السلاح النووي؟!
تلك مسألة مرتبطة بجوهر اللص السارق، والمجرم، الذي يتصرف دوما بارتياب، ويحاول البحث عن شرعية عبر حشر أنفه وعبر الفضول البشع، والذي يحمل معاني الكثير من الانحطاط.
لكن إسرائيل لا تخجل وبعض الدشاديش العربية أيضا تحتفي فيها وتتسابق لأحضانها ولا تخجل في المقابل.
فقط في قناة «الأقصى»، التي تمثل بعضا من المقاومة على شاشة التلفزيون، وتبث من مكان بعيد في بيروت، التي يملأها الإحباط هذه الأيام، تحاول لفت النظر الى أن جرائم وتدخلات إسرائيل أصبحت كونية، في الوقت الذي تندفع فيه الموجة الإبراهيمية.
وتلك طبعا طبيعة هذا الكيان، وتلك أيضا حقيقته، لكن السؤال ما هي حقيقتنا نحن في المقابل؟ وكيف نضع حدا لكل هذه الدراما السمجة؟!
خوف التعايش
ذلك سؤال يمكن أن نستنبط منه سؤالا آخر، أردني بامتياز هذه المرة، حاولت مرة فضائية «رؤيا» الوقوف عنده، وهي تبث برنامجا حواريا يحاول استقراء المستقبل، في سياق ما أسمته القناة ومذيعها بالتحديات التي تفرضها إيقاعات اليمين الإسرائيلي على المصالح الأساسية والحيوية في الأردن.
القوم «الرسميون» في بلادي يشعرون بالخجل من القول إنهم قلقون وخائفون من إسرائيل، تلك التي صافحها الموقف الرسمي، قبل أكثر من ربع قرن، وأقام معها اتفاق سلام، لم تلتزم بأي من بنوده.
وهو اتفاق لا تشير له اليوم شاشة التلفزيون الرسمي، إلا من باب تذكير الرأي العام الخائف والقلق، من الارتماء في أحضان التعايش، والتكيف مع عدو لا يرحم في تلك الأيام القديمة، التي كان فيها الأردن يرفع من قيمة عملية السلام، التي ماتت لاحقا وشبعت عظامها موتا.
كنا في البحر الميت، وسمعنا بعض الرفاق والأصدقاء والخبراء الذين يمكن حسابهم على الموقف الرسمي، ودون كاميرات الفضائيات.
لا أحد يريد الإقرار أن الموقف الرسمي فقد القدرة على الإقناع اليوم، وفقد التأثير على الجمهور الأردني، وفقد القدرة على التواجد في مجلس اجتماعي، كما قال لنا أحد الوزراء السابقين لاستعراض تلك المعلبات والمقولات القديمة، تحت عنوان «السلام وأثاره ومكاسبه».
اليوم يفتي أحدهم أن التكيف «يقلل الخسائر». مشكلتنا في عقيدة «الخسارة».
وسوم: العدد 1020