العودة الطوعية بعد الهزة الأرضية
من أهم الأنباء التي سعى وزير الدفاع التركي لإعلانها لطمأنة الجمهور التركي المستاء من أداء الحكومة، عقب الزلزال المدمر الذي ضرب البلاد والعباد في السادس من الشهر الحالي، كانت عودة نحو عشرين ألف سوري من تركيا إلى شمال سوريا، وقد سعى الوزير التركي من خلال هذا الإعلان إلى الرد على حملات شعبية تهاجم السوريين وتتخوف من استنزافهم للمساعدات في الزلزال، رغم أن أكبر المساعدات الدولية لتركيا جاءت من دول عربية!
وحقيقة يجب التوقف كثيرا عند هذا الخبر، وما يكتنفه من معان، فأولا، يبدو جليا هنا كيف تتفوق السردية الشعبوية على إعلام السلطة المركزي، بل تجبر الحكومة على التماهي معها، فالحملات العنصرية الموجهة ضد النازحين السوريين، باتت تهيمن على المزاج الشعبي، لدرجة أن الحكومة اضطرت لمراعاتها، وإن بشكل لا يتفق لا مع القوانين الدولية بحماية اللاجئين، ولا حتى مع الروابط التي يفترض أنها تجمع شعبين شقيقين، يواجهان مصابا جللا واحدا، لم يفرق بين السوري والتركي، ولم يميز بينهما، بينما نرى التمييز بين ضحايا الزلزال في المساعدات الإنسانية!
لقد تعرض السوريون للتمييز مجددا في الحصول على المساعدات، ومراكز الإيواء، فلم يسمح لهم في أغلب الأحيان بالإقامة في مراكز إيواء في المحافظات الأخرى، بل ومنعوا من دخول المحافظات الآمنة عند نقاط التفتيش الأمنية، كما حصل في قونيا، عندما منعت عائلة قادمة من إنطاكيا المدمرة تنتمي لبلدة طيبة الإمام في حماة، منعت من دخول قونيا، ونشرت العائلة صورها وهي مشردة على حافة الطريق السريع بانتظار العودة لإنطاكيا المدمرة، بينما تمكن أفراد منها من الدخول لاحقا، بطريق التفافي إلى قونيا، ليقيموا في فندق على حسابهم الخاص! أما من تمكن من الدخول في الأيام الثلاثة الأولى لقونيا، في خضم الفوضى، فقد حصل على إقامة في مركز إيواء، وغالبيتهم ممن تضم عائلاتهم أفرادا مجنسين بالجنسية التركية، وتمكنوا من الدخول في الأيام الثلاثة التي أعقبت الزلزال حصرا، ولاحقا أصبح الموظف المسؤول عن مقر الإيواء يقول للسوريين القادمين للإقامة بشكل واضح: الأولوية الآن للأتراك. أما من عاد لمحافظته المدمرة فقد سعى إما للسكن في منزله المدمر، أو للحصول على خيمة مؤقتة، هذا إن حصل عليها، ففي كيليس المحافظة الحدودية مع سوريا، تكررت عبارة الأولوية للأتراك، لكن هذه المرة مع الخيم! نعم الخيم في كيليس التركية للأتراك وممنوعة على السوريين! وهناك أصدقاء سوريون اشتروا خيما ونصبوها في الطريق أمام منازلهم خشية الإقامة في منزل متصدع آيل للسقوط مع هزة أرضية جديدة، بانتظار مهندسي تقييم الأبنية ليبلغوهم إن كان البناء المتصدع آمنا للسكن أم لا. لعلها من المرات القليلة التي نسمع بها عن لاجئين ومشردين من زلزال مدمر في الوقت نفسه، يتعرضون لكل هذا الشقاء، في بلد شقيق! ولعله حدث جديد يعيد التساؤل القديم: إذا كانت الرابطة الدينية، التي تم تعويل عليها كثيرا في تركيا، وفي عهد حزب إسلامي الجذور يحكم البلاد منذ ربع قرن تقريبا، لم تحتضن إخوانها السوريين في حدثين فاصلين: في حدثين فاصلين : الحرب والزلزال، فمتى ستثمر هذه الروابط ؟ متى ستزهر خيمة؟
وسوم: العدد 1021