التقارب التركي الإيراني على طريق خارطة سياسية جديدة في المنطقة
التقارب التركي الإيراني
على طريق خارطة سياسية جديدة في المنطقة
مسؤول تركي:
البلدان وصلا إلى نقطة يمكن فيها العمل معا في ما يتعلق بسورية
إبراهيم العلبي
شهدت العلاقات التركية الإيرانية خلال العامين والنصف الماضيين من عمر الثورة السورية توترا وصف بالحاد على خلفية التناقض الكامل بين موقفي البلدين تجاه الملف السوري، لكن الأسبوع الفائت شهد تحسنا ملحوظا في تلك العلاقات وتقاربا مبنيا على رغبة كل من الطرفين، وكل وفق أولوياته وأجنداته.
فقد بدأ التقارب بين طهران وأنقرة مع زيارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى تركيا يوم الجمعة الماضي، حيث التقى برئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، وتعزز هذا التقارب بزيارة وزير الخارجية التركي محمد داوود أوغلو إلى إيران، والتي قابل فيها الرئيس الإيراني حسن روحاني.
كما سيتوج الإطار الجديد للعلاقات التركية الإيرانية بزيارة الرئيس الإيراني إلى تركيا، وتتبعها زيارة مشابهة لرئيس الحكومة التركية إلى إيران، كما أفادت المصادر الديبلوماسية من الطرفين.
لقد كان واضحا، من خلال التصريحات التي أدلى بها وزيرا خارجية البلدين في الزيارة المتبادلة أن القضية التي تشغل بالهما هي القضية السورية، ومن الواضح أيضا أن التطور الجديد في العلاقات مرتبط بالشأن السوري، وبشكل أدق؛ ببروز نقاط التقاء مستجدة بين الطرفين حوله.
فبالإضافة إلى الدعوة التي وجهها البلدان لوقف إطلاق النار في سورية قبل مؤتمر جنيف2، فقد تحدثت كل من إيران وتركيا الأربعاء الماضي عقب زيارة الوزير الإيراني إلى أنقرة عن بواعث قلق مشتركة لديهما من تزايد الطابع الطائفي للحرب الدائرة في سورية، والخطر الذي يمثله والذي يتجاوز حتما حدود المنطقة، حسب تعبير وزير الخارجية الإيراني.
فيما بادله نظيره التركي التصريح بحقيقة القلق الذي ينتاب الديبلوماسية التركية، وإن كان في سياق مختلف، حيث يقول "بالجلوس هنا مع وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف يمكن التأكيد أننا سنعمل معا على مكافحة مثل هذه السيناريوات التي تهدف إلى أن يكون الصراع طائفيا".
ولا تزال ثمة خلافات كبيرة بين أنقرة وطهران حول الملف السوري، بيد أن مسؤولا تركيا بارزا أكد، في تصريح أوردته رويترز، أن "إيران وتركيا وصلتا إلى نقطة تريان فيها أن في إمكانهما العمل معا في ما يتعلق بسورية"، وأوضح أن البلدين يعتقدان أن الوضع يحتاج إلى حل عاجل، لكن السؤال المهم هو كيف؟".
غزوان المصري الخبير بالشؤون التركية لا يستغرب التطور الأخير على صعيد العلاقات التركية الإيرانية، ويعزوها إلى التطورات المتسارعة في المنطقة والعالم، حيث رأى في حديث له مع "مسار برس" أن تركيا وهي تتتبّع الأحداث والتطورات في المنطقة والتغييرات الاستراتيجية، وخصوصا التغيير الذي حصل في السياسة الأمريكية تجاه المنطقة، والتقارب الإيراني الأمريكي على خلفية اتفاق جنيف حول الملف النووي الإيراني الذي أنهى الحصار على إيران، لا يمكن لها أن تبقى تتفرج بدون أن تتحرك، كما لا يمكن أن تبقى خارج هذه التطورات، فالدول قائمة على المصالح، وكل دولة تحرص على مصلحة بلدها، كما يقول المصري.
وذكّر الخبير التركي بسياسة تصفير المشاكل التي انتهجتها تركيا تجاه دول الجوار منذ صعود حزب العدالة والتنمية إلى السلطة، معتبرا أن سياسة تركيا الأخيرة في الانفتاح على العراق وإيران امتداد لتلك السياسة، ونوه - في هذا المقام - بتصريح رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان من موسكو قبل أيام حينما قال: "إننا استطعنا تحقيق خطوات كبيرة في التصالح مع دول الجوار إلا مع سورية، لأننا لا نستطيع الجلوس مع من قتل 150 ألف إنسان".
وأكد المتحدث باسم الخارجية التركية لاواند كومركجو للجزيرة نت أن سياسة تركيا لم تتغير فيما يخص سورية، وما زالت تصريحات بلاده هي نفسها بهذا الخصوص، لكن ما تغير الآن - حسب كومركجو - هو الانتقال من تبادل الاتهامات بين البلدين إلى بحث العمل الثنائي لإنهائه، "أي أن هناك فرصة لتحويل إيران من جزء من الصراع إلى جزء من الحل".
ويرى غزوان المصري أن إيران استغلت عدم التوافق الأمريكي الروسي لتحقيق مصالحها والسيطرة على المنطقة وسورية بشكل كبير، واعتبر في الوقت نفسه أن دمشق تقاد الآن من قبل إيران ميدانيا وسياسيا وخارجيا، وعلى السوريين - من وجهة نظره - إذا اقتنعوا بالحل السياسي لـ"الأزمة في سورية" أن يبحثوا عن الحل في طهران وليس في دمشق، لأن طهران قادرة على وقف المجازر والآلة العسكرية هناك.
ولكن المصري غير متفائل في هذا الصدد بالوصول إلى حل مع إيران، لأنها جزء من المشكلة، ونظام الأسد جزء من مخطط عمره سنوات طويلة كلفها أموالا طائلة، ولا يمكن أن تتخلى عنه بسهولة، ولكن، وعلى الرغم من ذلك، "ينبغي أن لا نكون بعيدين عن الحوار السياسي ومعرفة طريقة التفكير الإيرانية".
أما الباحث في منظمة البحوث الاستراتيجية الدولية في أنقرة علي حسن باكير، فيرى أن تركيا تعرضت لمحاولات ابتزاز أمريكية على خلفية دعمها للثوار السوريين واتهامها أمريكيا بدعم القاعدة أو التساهل المتعمد معها.
وبموازاة الابتزاز الأمريكي تحاول إيران - برأي باكير - تقديم الجزرة إلى تركيا متمثّلة بإطلاق سراح الطيّارين الأتراك المختطفين سابقا في منطقة نفوذ حزب الله في لبنان، ودفع حكومة المالكي للتصالح مع أنقرة، وإعادة فتح قنوات التواصل التي كانت عالقة سابقا على خلفية الملف السوري، مع التركيز على العزف على وتر المخاوف التركية من الجماعات الراديكالية ومحاربة “الإرهابيين”، وهو الملف الذي من الممكن أن يتحوّل بكل سهولة إلى مصلحة مشتركة بين روسيا وأمريكا وإيران وتركيا والعراق، ويحل محل المصلحة المشتركة السابقة بين تركيا وعدد من الدول الإقليمية والدولية والمتمثلة بالإطاحة بالأسد.
وكتلخيص للمشهد؛ بين الخبير بالشؤون التركية غزوان المصري أن المصالح الاقتصادية المشتركة بين إيران وتركيا على صعيد الطاقة والتبادل التجاري قائمة أصلا، أما التسارع الملحوظ في تطور العلاقات بين البلدين ناجم عن تسارع الأحداث الدولية، وبخاصة عزوف الولايات المتحدة عن الشرق الأوسط وانتقالها إلى المنافس الحقيقي وهو الصين.