الانتخابات التركية.. الوجه الآخر لخطاب الكراهية
مركز أمية للبحوث والدراسات الاستراتيجية
مع اقتراب الاستحقاق الانتخابي يوم 14 من أيار تزداد الحالة المحلية التركية بين القلق والتقرب مما ستضفي عليه النتائج صباح 15 من أيار.
إلا أن المتابع للشأن التركي من الخارج يدرك أن مستويات القلق والترقب الدولي في أروقة صنع القرار في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية و "إسرائيل" أعلى منه من الساحة الداخلية والوطنية التركية، حتى بدا بشكل جلي حالة الاصطفاف المعلن من قبل الغرب إلى جانب مرشح تحالف المعارضة كلجدار أوغلو، وعمليات الحشد والتحريض صريحة اللفظ والدلالة تجاه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وتحالف الجمهور الذي يقوده في هذا الاستحقاق المصيري لمستقبل تركيا بشكل خاص والمنطقة بشكل عام.
بينما ترقب مراكز صنع القرار وترصد المزاج العام للناخب التركي وأثر حملات الضغط الإعلامية والاقتصادية تجاه حكومة الرئيس أردوغان وحزب العدالة والتنمية وما سينتج عنه في الاستحقاق الانتخابي.
بدا واضحا لكل متابع للشأن الداخلي التركي ارتفاع خطاب الإقصاء والكراهية، هذا الخطاب الذي لم تعهده الساحة السياسية التركية من قبل، حتى أن المراقبين وجدوا أن في خلال الساعات الماضية وبعد انسحاب المرشح محرم انجه، أن خطاب تحالف المعارضة المنقسم على نفسه أيدولوجيا وقيميا وبرامجيا، يعلن صراحة أنه تحالف وجد لإسقاط أردوغان وحزبه، وغض الطرف عن تاريخ ومنجزاته أردوغان تجاه تركيا وشعبها، لدرجة تعالت فيه أصوات تتوعد رموز النظام بالمحاكمة في حال انتصارهم عليه.
ناهيك عن خطاب الإقصاء والعنصرية والتهجير الذي لم يعد خفيّا على كل ذي بصيرة، لتعود مظاهر استعداء قيم التديّن والحجاب، والتي دفعت بعض العناصر الحزبية لدى تحالف المعارضة للتجرؤ على مهاجمة بعض المحجبات، وتوعدهن أن مساحة رفاهية الدين الإسلامي التي سمح بها أردوغان قد اقترب زوالها، وحان العودة بعقارب الساعة إلى الوراء.
إنها "انتخابات الكراهية" تلك حقيقة التوصيف لهذا الحال الذي بدأ الشكل الإعلامي والسياسي الذي يصعد بها الآن إلى السطح، فالمعارضة عبر مرشحها كلجدار أوغلو وأحزابه الشريكة لم تقدم للآن برنامجا سياسيا وانتخابيا يليق بمكانة تركيا الحديثة إقليميا ودوليا، ولم تعالج القضايا والهموم اليومية للناخب التركي، الذي يؤمن أن هذه الأزمات وعلى رأسها الوضع الاقتصادي هي أزمة مفتعلة على مستوى دولي، وهي مسألة وقت وتنقضي، خصوصا ما صرحت به واشنطن بوست الأمريكية بضرورة دعم تركيا ماليا في حال إقصاء أردوغان من المشهد السياسي.
نعم إنها "انتخابات الكراهية" التي أجمع المراقبون أن هدف المعارضة الوحيد فيها هو إخراج أردوغان من الحكم، وعليه قدموا لكل دول الغرب صكوك الولاء والتبعية وتقديم الحاضر والمستقبل التركي رهينة لهم، بعدما عاشت تركيا مستقلة مع أردوغان في قرارها السياسي، تصنع سلاحها، وتنتج دواءها، وتزرع غذائها، وتتطور بنيتها التحتية، وترفع قيم الديمقراطية والتعددية والعدالة الاجتماعية وفصل السلطات، وتعزيز دور الشباب في منظومة العمل والقرار السياسي وأدواته التنفيذية.
إنها "انتخابات الكراهية" التي جمعت من ينتسبون للمدارس الإسلامية مع خصومهم العلمانيين واليساريين والقوميين تحت عنوان إقصاء الرئيس التركي أردوغان وحزبه وشركائه عن الحكم، والذي قبلوا من أجل ذلك أن يذيبوا كل خلافاتهم البينية مقابل أن يجتمعوا على عداء وشيطنة أردوغان ومنجزاته.
وكلما اقتربت ساعة الحسم و موعد الاستحقاق الانتخابي في تركيا.. ستسقط مزيد من ورقات التوت عن سوءة هذه المجموعة التي اختطفت المشهد الانتخابي الديمقراطية من ألقه وشكله السياسي المشرق إلى مساحات الشخصنة والكراهية واستعداء أردوغان على حساب كل ما يحقق الحفاظ على الوطن التركي ومقدراته واستقلاله.
لكن لا يعلم هؤلاء أنه ضريبة ارتفاع خطاب الإقصاء والكراهية سيكون له نتاجات خطيرة في المستقبل القريب على النسيج الاجتماعي الوطني بعد انتهاء موجه الانتخابات وظهور نتائجها، وعلى المستوى المحلي وتماسك الشعب كما كان سابقا.
ولعل ما يحدث، إنما هو نذير خطير لابد لصنّاع القرار في تركيا أن ينتبهوا إليه، و يدفعوا بنداء موحد تجاه الجميع وإلى قادة تحالف المعارضة للتخفيف من لغة التحريض، والخطاب الذي يحشد للعنف اتجاه المنافس السياسي وحاضنته الشعبية، مما قد يدخل البلاد في أتون صراع لا يحمد عقباه.. وهو ما أشارت له صحف عالمية وحذرت منه صراحة، وتمني النفس فيه ضمنا.
وهنا على القائمين على القرار السياسي في تركيا العمل الجاد والسعي الدؤوب لتخفيض مستويات هذا الخطاب وتداعياته والتحذير منه، والاجتهاد على توحيد الرؤى نحو إعادة خطاب الساسة الأتراك إلى مربع التنافس السياسي القائم على مبادئ البرنامج السياسي، لا خطاب الإقصاء والكراهية.
ومع هذا فإن الناخب التركي بدأ يدرك أن انتخابات بلاده تجاوز الحدود الجغرافية، والأيدلوجية والقومية، لتكون الشغل الشاغل للعالم في جميع مستوياته السياسية والاستراتيجية، وأنه بصوته الانتخابي سيحدد شكل النظام التركي في المئوية الجديدة، إما مع تحالف الرئيس التركي أردوغان وحزب العدالة والتنمية وشركائه ومسيرة التطور والتنمية والاستقلال الشامل، والعودة للجذور التاريخية والحفاظ على القيم الدينية والوطنية وتماسك الأسرة، أو تحالف المعارضة كلجدار أوغلو وشركائه والاندفاع لمسار الارتهان والتبعية للغرب، وكبح جناح السيادة في ميزان المكانة الدولية إلى العودة لمربع الأداة الدولية لخدمة مشاريع الغرب في المنطقة.
ويعزونا الأمل أن الناخب التركي بذكائه وفطرته السمحة قد يتجاوز الأبعاد الاقتصادية المرهقة والمؤقتة، و يندفع للحفاظ على بلاده والتجديد لمن طالما حقق وعوده السابقة فصارت حقيقة اليوم، ويدعوهم ليعيش معه رؤية تركيا المستقبل.. ويصفع بذلك كل المتربصين ببلاده في الداخل والخارج، ويثبت للعالم أنه يعلي قيمة الوطن على المصالح الضيقة، و يتجاهل بعقلانيته أصوات التيارات السياسية الإقصائية وخطاب الكراهية..
ولم العجلة فالخبر أقرب لفجر صار على موعد مع الإشراق، ومعرفة ما سيكتبه ﷲ من خير لتركيا وللمنطقة بأكملها، والله لا يضيع أجر من أحسن عملا.
وسوم: العدد 1033