الدرس الذي يجب أن تستخلصه العلمانية الغربية وأذنابها في بلاد العروبة والإسلام من نتيجة الانتخابات في تركيا

أصيب العلمانيون في الغرب هم وطوابيرهم الخامسة في بلاد العروبة والإسلام بنكسة جراء نتيجة الانتخابات في تركيا، لأنهم كانوا يحلمون بهزيمة الرئيس طيب رجب أردوغان ، والذي بهزيمة يهزم حزبه ذو المرجعية الإسلامية في بلد جعل منه كمال أتاتورك معقل من معاقل العلمانية على الطراز الغربي، والذي كان فيه التضييق على الإسلام كأشد ما يكون ، وبهزيمة حزبه أيضا تهزم كل الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية في بلاد العروبة والإسلام ، وبهزيمة حزبه تقع هزيمة الإسلام أيضا في تركيا التي عرف تاريخها أربعة قرون من الخلافة الإسلامية والتي كان بينها وبين الصليبية صراع طويل سجله التاريخ بدقائقه  .

ولقد شد العلمانيون في الغرب  وأذنابهم  في بلاد الإسلام أنفاسهم، وهم يتحرقون لسماع هزيمة أردوغان ، وفوز غريمه العلماني إلا أن الرياح جرت بخلاف ما اشتهت سفنهم حيث هزم من راهنوا عليه رهانهم الخاسر، وهو لحد الساعة لم يقو على الاعتراف بهزيمته كما يقضي بذلك العرف الجاري  به العمل بين كل من يهزم في الانتخابات الرئاسية، لأن طعم الهزيمة كان أشد مرارة عليه ،وهو الذي كانت العلمانية الغربية تقف خلفه بكل إمكانياتها ، وكان أذنابها في بلاد العروبة والإسلام يقفون خلفه أيضا ، وربما كان فيهم أصحاب أموال ممن موّل حملته الانتخابية الفاشلة .

ومما عزّى به العلمانيون في الغرب هم وطوابيرهم في بلاد العروبة والإسلام أنفسهم لتجاوز صدمة الخسارة، أنهم صاروا يتحدثون عن الفارق الضئيل في الأصوات بين الفائز والخاسر ، علما بأنه لو كان خاسرهم هو الفائز لقالوا إنه نصر ساحق . ولم يقف أمر المنتكسين عند هذا الحد بل اقتبسوا من كلام المرشح الخاسر مقولة مفادها أن تركيا مقبل على مستقبل مجهول ، وأنها ستواجه مصاعب.... ، ولو كان الخاسر العلماني هو الفائز لقيل عكس هذا الكلام ،لأن العلمانية تزعم أنها تملك عصا سحرية قادرة على تحويل المعدن الخسيس إلى ذهب إبريز حسب ما يعتقد أصحابها ،وما يزعمون.

ومما نشر على موقع معروف بميول أصحابه العلمانية عندنا مقال تحت عنوان : " هل شكلت كاريزما أردوغان عامل الحسم في الانتخابات الرئاسية التركية ؟ " وهو مقال أرفق بصورة كاريكاتورية لأردوغان وهو يمتطي هلال العلم التركي وخلقه نجمته ، وبيده زمامه . وواضح من هذه الصورة أنها تعبر عما يعتبره خصومه العلمانيون في الغرب ، وأذنابهم في بلاد يعرب استغلالا للإسلام الذي لا يقبلون بوجوده في المجال السياسي ، وهو وجود يجرّمونه . وواضح أيضا من عنوان المقال أنه عبارة عن سوء تبرير لفوز أردوغان حيث جعلت كاريزميته هي سر نجاحه، علما بأن هذه الكاريزما التي يعتبرها البعض هبة من السماء، إنما صنعها اقتران القول بالفعل عند صاحبها ، وترجمها واقع تركيا الذي تغيركثيرا عما كان عليه، وقد سار فيه التغيير الإيجابي أشواطا بعيدة في شتى الميادين والمجالات بالرغم من كثرة العيدان التي دأب خصومه في الخارج والداخل على وضعها في عجلة إنجازاته المتميزة كي تتعثر ،وتفضي به إلى الفشل . ومعلوم أن كاريزما أردوغان تعزى إلى استقامته الدينية التي جعلت قوله مطابقا لفعله  فيما يعد به شعبه من وعود لم يتخلف عن الوفاء بها، بل كان يزيد عما يعد به  الشيء الكثير.

وما يؤرق العلمانيين في الغرب ، ويؤرق أذنابهم في وطننا العربي أيضا ، هو استقامة أردوغان الدينية التي هي سر نجاحه نجاحا حطم مزاعمهم بأن علمانيتهم هي  الوحيدة التي تملك مفتاح سعادة البشرية، وتستأثر بصنع رفاهيتها دون وجود بديل آخرعنها ، وهذا  إنما هو زعم، وغرور يركبونه .

ولقد سجل التاريخ أن الرئيس أردوغان كان مستهدفا بسبب تدينه من جهة ،ومن جهة أخرى بسبب نجاحه  وذلك حين تعرض لمحاولة انقلاب عسكري فاشلة  مدبرة من طرف خصومه في الداخل والخارج، خصوصا وأن تركيا قبل أن تصير بلدا ديمقراطيا، كانت معروفة بتعاقب الانقلابات العسكرية عليها .  ولو أن تلك المحاولة الفاشلة  نجحت، لسكت الغرب المنصب نفسه وصيا على الديمقراطية سكوت الشيطان الأخرس مكتفيا بالتعبير عن أسفه الكاذب، كما فعل حين وقع الانقلاب العسكري الدامي في مصر على الشرعية والديمقراطية .

وخلاصة القول في هذا المقال أنه يجب على العلمانية الغربية هي وأذنابها الذين زرعتهم  ورما خبيثا في  جسم وطننا العربي والإسلامي أن يستفيد درسا بليغا من نجاح الرئيس أردوغان في انتخابات لم تدخروا جهدا  وقد جندوا كل ما يملكون ما ظهر منه وما بطن ، وما خفي أعظم من أجل تحقيق حلمهم بهزيمته أمام  أحد المحسوب عليهم .  ولاشك أن الدرس البليغ هو تخلي العمانية  عن النظرة الاستعلائية التي تنظر بها إلى الإسلام ، وتؤمن بأنه منافس  قوي لها ، وأنه حين ينافسها في انتخابات ديمقراطية شفافة ويفوز عليها ،يلزمها  أولا الإقرار بهزيمتها ثم ثانيا الاعتراف بأنه ندّ لها لا يمكن تجاهله ، وأن له برامجه ومشاريعه الخاصة التي  يرجع الحكم عليها  إلى الناخبين دون سواهم ، وأن يكون التنافس معه ببرامج ومشاريع ، وليس بالدعاية الإعلامية المغرضة التي تهدف إلى  تجريمه ، وشيطنته، وخلق الفوبيا منه في نفوس من يصدقون أراجيفها. وبناء على هذا يجب تعامل  العلمانية مع الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية على قدم المساواة مع باقي الأحزاب على اختلاف مرجعياتها  والوقوف على مسافة  واحدة من جميعها عوض التلويح باستئصالها من واقع لا يمكن أن يقبل ذلك.

وسوم: العدد 1034