الرّوحُ المعنويةُ، ودَوْرُ القِيَم الإيمانية في الإنجاز الـمُثمِر 5+6
(5)
مَــدخَـــل الحلقة (5)
انتهينا في الحلقات السابقة (2 و3 و4) إلى النتيجة الآتية:
إنّ الإيمان والقِيَمُ الإيمانية في الإسلام، تُحدِّد الصفات الخُلُقية للإنسان المسلم كما أرادها اللّه عزّ وجلّ، التي بدورها، تُبقيه باستمرار، مُتَمَتِّعَاً بروحٍ معنويةٍ عالية، وهذه الرّوح المعنوية هي الشرط الذي لابدّ منه لتحقيق الإنجازات، صغيرةً كانت أم كبيرة، والإنجازات عادةً تُقوّي درجة الإيمان عند الإنسان، وتزيده ثقةً بإيمانه. وهكذا، تكتمل دورة: (الإيمان والإنجاز).
وقمنا بذكر نماذج من الصفات الخُلُقية الإسلامية، التي لابدّ للإنسان المؤمن أن يتحلّى بها، وعرفنا تأثيرها المحوريّ في تحقيق الإنجازات. وفي هذه الحلقة (5)، نتابع دراسة نماذج أخرى من الصفات الخُلُقية الإسلامية، ذات التأثيرها المحوريّ في تحقيق الإنجازات، فنذكر منها ما يأتي:
ح-المراقبة:
فالمؤمن باللّه وباليوم الآخر يخشى اللّهَ سبحانه وتعالى، ويشعر برقابته عزّ وجلّ، وبأنّه لا تخفى عليه خافية، والمؤمن هذا حق الإيمان، يعلم يقيناً أن الإنسان يستطيع إخفاء بعض الحقائق في أعماله عن الناس جميعاً وحتى عن أقرب الناس إليه ..لكنه أبداً لا يستطيع فعل ذلك مع اللّه السميع البصير، فهو يَعي جيداً قولَ اللّه سبحانه وتعالى في محكم التنزيل:
(إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَىٰ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ).. (آل عمران/5).
(يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ).. (غافر/19).
فالإيمان يجعلنا نستشعر، باستمرار، رقابة اللّه عزّ وجلّ علينا في كل عملٍ نقوم به، بل في كل نيةٍ لعملٍ نُخفيها في صدورنا، وهذه الرقابة الصارمة إذا ما أصبحت يقيناً في قلوبنا وعقولنا نتيجة إيماننا، إنما تدفعنا دَفعاً لإنجاز أعمالنا، خشيةً من اللّه سبحانه وتعالى، وخوفاً من التقصير، ورجاءً للأجر والثواب والمنزلة الرفيعة عنده سبحانه وتعالى، وحول هذا يقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن الإحسان: (أن تعبدَ اللّه كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك).. (مسلم).
ط-التعاون على البِرِّ والتقوى:
إنّ التعاون على فعل الخير وإنجاز الأعمال هو روح الإيمان الحيّ، إذ يـَحيى المؤمن لإخوانه، كما يحيى بهم، فهو معهم روحٌ واحدة، فلا أثرة ولا تفرّق، وإنما تعاون وبِرّ.
فالأعباء جسام، والأعمال كثيرة، والإنسان وحده لا يستطيع أن يعمل ويُنجز دون أن يكون معه إخوة آمنوا معه باللّه، يساندونه ويدعمونه في السرّاء والضرّاء، ويَشدّون أزره بقواهم وإمكاناتهم المختلفة، وهو وهُم، يعلمون تمام العلم، أنهم بذلك ينفِّذون أوامر اللّه عزّ وجلّ، الذي آمنوا به، فهو يقول لهم: (وتعاونوا على البِرِّ والتقوى).. (المائدة/من الآية2)، ويطيعون رسولهم وقُدوتهم صلى الله عليه وسلّم، حين يقول لهم: (المؤمنُ للمؤمنِ كالبُنيان يَشدُّ بعضُهُ بَعْضاً).. (البخاري ومسلم).
تـَجانُسٌ روحيٌّ وتعاونٌ ماديّ، وطريق واحد، وهدف واحد، وإنجازات مشتركة للأعمال، وتعاضد وتكاتف للتغلّب على الصعوبات والعقبات، هكذا يفعل الإيمان بالإنسان المؤمن!..
* * *
وخلاصة القول:
فإنّ الإنسانَ المؤمن حَقَّ الإيمان، يمتلك من الصفات الخُلُقِيّةِ والسلوكية، ما لا يملكه أيُّ إنسانٍ آخر، لذلك فهو يتمتّع بروحٍ مَعنويةٍ عاليةٍ دوماً، لأنّه:
- أمين لا يُفَرِّط بحق اللّه وحقوق العباد.
- وقويّ باللّه عزّ وجلّ، وبثقته بنفسه.
- وصادق حريص على التزام الحقّ في القول والعمل.
- ومُستقيم يعتبر كل عملٍ يقوم به، طاعةً يُقدّمها لربّه.
- ومـُخلِص يبتغي وَجْهَ اللّه ورضاه في كلّ تصرفاته.
- وصابر يـُجالِدُ الصعابَ، ويُواجِهُ الأعباءَ مهما ثَقُلَتْ.
- ومُتوكِّل على اللّه حق التوكّل، مُتيقِّن من إيمانه وطريقه، يلتجئ إلى خَالِقِهِ باستمرار، فيطلب منه العون والـمَدَدْ، بعد أن يتّخذَ كلَّ الأسباب الممكنة لإنجاز أعماله.
- ومُراقِبٌ للّه عزّ وجلّ، فَيَخشاهُ ويخافُ عِقابَه ويرجو ثوابَه.
- ومُتعاون على البِرّ والتقوى مع إخوانه الذين يحيى لهم وبهم.
- و.. و.. من الصفات الكثيرة التي يَستمدُّها من إيمانه باللّه ومَلائكتِهِ وكُتُبِهِ ورُسُلِهِ واليومِ الآخِرِ والقَدَرِ خَيْرِهِ وشَرِّه،.. وهذه الصفات هي التي تَصُوغُ شَخصيَّتَهُ وتُشَيِّدُ بُنيانَه ليكونَ بـِحَقّ، خليفةَ اللّهِ في أرضِه.
* * *
وبعودتنا:
إلى العوامل المؤثرة في الروح المعنوية التي أوردناها في بداية بحثنا هذا، ومقابلتها مع الصفات التي يتمتّع بها الإنسان المؤمن حق الإيمان، نجد أنّ:
- الأمانةَ تستوجب امتلاك الكفاءة والخبرة.
- والقوّةَ تُفضي إلى الثقة بالنفس، وإلى الاستقرار النفسيّ.
- والصدقَ والإخلاصَ والصبرَ، يقودُ إلى النجاح والانتصار.
- والاستقامةَ تَستجلب ثوابَ اللّه وتشجيعه.
- واليقينَ يدعو إلى الاستيعاب ووضوح الأهداف، وإلى الاقتناع بالعمل وبالهدف.
- والتوكّلَ يـُحَرِّضُ على الإعداد الجيّد للأعمال، وعلى السَّعْيِ باستمرار، إلى تأمين الإمكانيات اللازمة لإنجاز الأعمال.
- ومُراقبةَ الله تؤدّي إلى إتقان الأعمال، وإلى السُّمُوِّ بالنفس إلى مستوى القدوة الحقيقية الراقية.
- والتعاونَ على البِرِّ والتقوى، يوفّر الأنصارَ، ويَرْقى بالعمل إلى مستوياتٍ رفيعة، ودرجاتٍ راقية.
* * *
* * *
وبالمحصلّة النهائية:
فإنّ الإنسانَ المؤمن، يمتلكُ كلَّ العوامل التي تجعل روحه المعنوية في أعلى حالاتها، ما يجعل الأعمال التي ينجزها في أسمى درجات الرقيّ والرِفْعَة والإتقان.
وإذا لم يستطع الإنسان المسلم أن يكونَ بهذه الدرجة الراقية في إنجاز أعماله، فانظر إلى ثنايا نفسه، لتكتشف أنّ درجةً من الضعف تعتري مستوى إيمانه، بدرجة الضعف نفسها في إنجاز أعماله.
والأمّة أو الحركة الإسلامية التي تريد أن تمتلك أسبابَ القوّة، لا بدّ لها أن تكتشفَ وتـُحدِّدَ الخللَ في (درجة الإيمان) لدى أفرادها أولاً، ثم تضع الحلول الناجعة لتصحيح مستوى الإيمان لديهم، والنتيجة الحتميّة لذلك، ستكون إنجازاتٍ وانتصارات. ومن دون ذلك، ستبقى الأمور رَهناً لهذا الضعف الإيمانيّ في النفوس، الذي لا يُرجى منه أيّ خير، بل فشل عامّ، وهزائم متلاحقة، وانحسار مستمرّ، وتخلّف خطير.
قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العظيم:
(كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ، ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۙ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).. (الأنفال52 و53).
* * *
" والحمد للّه ربّ العالمين "
الرّوحُ المعنويةُ
ودَوْرُ القِيَم الإيمانية في الإنجاز الـمُثمِر
(6)
مثال توضيحيّ رقم (1)
عن أهمية الروح المعنوية في الإنجاز، ودور قِيَمِ الإيمان في ذلك
طارق، مهندس ميكانيكيّ يعمل في مصنعٍ لإنتاج الأقمشة، منذ تسع سنوات، وهو ذكيّ ونشيط، يُحبّ عَمَلَه، كما يُحبّ مُديرَهُ الذي لا يبخل عليه في تقويم إنجازاته، فهو يمدحه بحماسةٍ أمام مسؤوليه، ويعمل على تحصيل ترفيعاتٍ سنويةٍ له.
وطارق يُحب المصنع الذي يعمل فيه، لأنه يحتوي على المكائن المتطورة، التي أُدْخِلَ الحاسوب إليها مؤخّراً. وهو متزوج وله طفل وطفلة، ينام مُبكّراً ويصحو مُبكّراً، وعندما يلتحق بعمله المبكّر، غالباً ما يُفاجَأ بأنّ مديره المهندس المخضرم مَنصور، قد سبقه إلى تشغيل المكائن وتهيئتها للعمل، والعمّال كلهم يحبّون المهندس طارق ويبذلون معه جهوداً كبيرة، وبخاصةٍ عندما يُتَّخذ قرار، لإنتاج أنواعٍ خاصةٍ من الأقمشة غير المتوافرة في الأسواق.
في شهر تموز الفائت، استدعى المديرُ طارقاً، ليبلّغه أنّ إحدى الشركات التجارية الكبيرة في إسبانية، اطّلعت على إنتاج المصنع من الأقمشة، وتريد أن تُبرِم مع إدارته عَقداً لتصدير أنواعٍ راقيةٍ منها، وأنّ على المصنع أن يُقدّم، خلال شهرٍ واحدٍ، نماذج من الأقمشة للشركة الإسبانية، لدراستها وتقرير الموافقة أو عدمها، على إبرام العقد، لتصدير القماش إلى إسبانية، ومدّة العقد خمس سنواتٍ يمكن تجديدها. وهو من العقود المغرية جداً، إذ إنه سيُحدِث نقلةً نوعيةً في تطوير الإنتاج وتسويقه.
بعد ثلاثة أسابيع من الاستنفار الكامل للمهندس طارق مع عمّال المصنع، قُدِّمَت النماذج إلى الشركة الإسبانية، التي أجابت بالموافقة على إبرام العقود.
خلال أشهر، كان المهندس طارق والعمّال، يعملون حِصّةً إضافيةً ليلية، لإعداد التصاميم وتنفيذها، وذلك بعد الرجوع إلى بعض الدراسات والـمَـراجع العالمية المشهورة، الخاصة بصناعة الأقمشة، كما أنّهم كانوا يداومون أيام الجمعة مدة ست ساعاتٍ إضافية. ومن الجدير بالذكر أن زوجة طارق كانت تشكو وتتذمّر خلال تلك الفترة، بسبب غيابه ساعاتٍ طويلةٍ عن البيت، وبسبب الزيارات الليلية المتكررة المتبادلة مع مدير المصنع.
في النتيجة، نجد أنّ المهندس طارق، قد أنجز عملاً مرموقاً، كان السبب في النجاح التامّ، في إبرام عَقدٍ رابحٍ للمصنع، مع الشركة الإسبانية الشهيرة، وهذا الإنجاز كان نقطة تحوّلٍ مهمّةٍ في عمل المصنع، وفي مقدار الإنتاج ونوعيّته، وأوضاع العاملين فيه.
* * *
باستعراض وقائع المثال من أولّه إلى آخره، نلاحظ أنّ جميع العاملين في المصنع: مُديراً ومُهندساً مسؤولاً وعُمّالاً، كانوا يعملون بروحٍ معنويةٍ عالية، ساعدتهم على الإنجاز الكبير، وقد تولّدت هذه الروح المعنوية عند المهندس طارق ممّا يأتي:
1-الاختصاص والخبرة: فهو يعمل في اختصاصه نفسه منذ تسع سنوات.
2-الكفاءة: فهو مهندس كُفُؤ وذكيّ.
3-التشجيع والمكافآت: التي لم يبخل مديره عليه بها، فهو يمدحه باستمرار ويـُحَصِّل له الترفيعات المستمرّة.
4-الإمكانيات الجيدة: سواء أكانت لدى المهندس طارق، أو لدى مديره المهندس منصور، فضلاً عن الإمكانيات المادية الخاصة بالمصنع، الذي يحتوي على المكائن المتطوّرة.
5-الاستقرار النفسيّ: الناجم عن الأجواء التعاملية الإيجابية السائدة في المصنع، وعن العلاقة الجيدة مع المدير، وعن حياته الأسرية والاجتماعية الهادئة، بدليل أنه ينام مبكّراً ويصحو مبكّراً، بانتظام، فلا تعكير ولا مُنغِّصاتٍ في حياته الاجتماعية العامة.
6-القدوة الحسنة: المتمثلة في مديره الكُفُؤ النشيط المنظَّم، أولاً، والحريص على النجاح، ثانياً، بدليل أنّ المهندس طارق، كان غالباً ما يُفاجَأ بمديره وقد سبقه في الالتحاق بالعمل وتشغيل المكائن، والسهر معه ليلاً أثناء الإعداد لإنتاج النماذج، إذ كان يتبادل معه الزيارات الليلية كثيراً بقصد العمل المشترك، لدرجة أنّ زوجة طارق كانت تتذمّر أحياناً بسبب زيارات العمل الليلية المتكرّرة.
7-التعاون: ما بين المهندس طارق ومديره من جهة، وما بينه والعمال من جهةٍ ثانية، الذين كانوا يبذلون كلَّ جهدٍ ممكنٍ لإنجاز العمل، بل كانوا يقومون بأعمالٍ إضافيةٍ ليلاً وأيام الجمعة.
8-توافر الأنصار: فالمهندس المخضرم منصور، مدير المصنع، كان نصيراً مخلصاً للمهندس طارق، والعمّال جميعاً كانوا أنصاراً له أيضاً، ببذل جهودهم المضاعَفَة والمتميّزة.
9-الإعداد الجيد: سواء بمضاعفة الجهود والقيام بأعمالٍ تصنيعيةٍ ليليةٍ إضافية، فضلاً عن العمل أيام الجمعة، أو بالتشاور المستمرّ بين المهندس طارق ومديره، أو بالرجوع إلى الدراسات والـمَراجع الأجنبية للاستفادة منها في مجال صناعة الأقمشة.
10- توافر القناعة بالعمل وبالهدف: فالاقتناع بالعمل متوافر أصلاً، وإنّ تحقيق الهدف، وهو النجاح في إبرام العقد المتميّز مع الشركة الإسبانية، كان يراود جميع العاملين، لتحقيقه.
11- الاستيعاب ووضوح الهدف: فالمهندس طارق مع جميع العاملين مستوعبون عملهم وهدفهم لإنجازه، ومن ثمّ، تحقيق النقلة النوعية في تطوير الإنتاج وتسويقه، الذي سينعكس عليهم وعلى أوضاعهم الاجتماعية والمعاشية.
12- النجاح والانتصار والإحساس بالإنجاز: فالمهندس طارق ذكيّ ونشيط، وقد حقّق نجاحاتٍ سابقة، لإنتاج أصنافٍ من الأقمشة غير متوافرةٍ في الأسواق.
13- الثقة بالنفس: كانت واضحةً لدى جميع العاملين، لاسيما أنّ النجاحات السابقة التي حقّقوها للمصنع، كانت تُعزّز هذه الثقة العالية باستمرار.
* * *
ومن الجدير بالذكر، ومن خلال المتابعة، عُرِفَ أنه كانت تُقام الصلاة في أوقاتها يومياً، في مسجدٍ شُيِّد في المصنع نفسه، وأنّ جميع العاملين، مديراً ومهندساً مسؤولاً وعُمّالاً، كانوا ملتزمين بصلاة الجماعة.
كما كان أحد علماء الدين الفعّالين، يُلقي عليهم درساً يومياً بعد الدوام الرسميّ، يرُكّز فيه على الصفات الخُلُقية والسلوكية الإسلامية، التي يجب أن يتحلّوا بها في حياتهم العملية، لأنّ اللّه عزّ وجلّ (يُحبُّ إذا عَمِلَ أحدُكُم عملاً أن يُتقِنَهُ). وعُرف فيما بعد، أنّ هذا المصنع كان أحد مشاريع العمل الخيريّ لإحدى الجمعيات الناشطة، التي تستثمر أموالها لصالح الفقراء والمحتاجين وأعمال الأمر بالمعروف والنّهي عن الـمُنكَر، في سبيل اللّه، وأنّ المسؤولين عن تلك الجمعية،كانوا قد عقدوا لقاءً موسّعاً مع جميع العاملين في المصنع، يَحثونهم على زيادة الإنتاج وتحسينه، لأنّ الشريحة التي تستفيد من عائدات هذا المشروع الصناعيّ قد توسّعت كثيراً، ولا بد من تطوير العمل كَمّاً ونَوْعاً، للوفاء بالالتزامات المتعدّدة.
ولم ينسَ المسؤولون أولئك، التذكير بالأهمية العظيمة لأهداف الجمعية في المجتمع، التي ينتمي إليها كلّ العاملين في المصنع، ولم يغفلوا عن التذكير بأنّ الأجر والثواب عند اللّه سيكون أكبر وأكبر من زيادات الرواتب المقرّرة، فعملهم جميعاً هو جهاد بالمال والوقت، في سبيل اللّه عزّ وجلّ.
* * *
كما تبيّن أنّ الإنجاز الكبير الذي تحقق من قِبل المصنع، كانت وراءه أسباب أخرى رفعت من درجة الروح المعنوية لدى العاملين، انعكاساً للبُعد الإيمانيّ العظيم، الذي كان يتداخل في مراحل العمل كلها، من أوله إلى آخره:
- فالعاملون جميعاً كانوا مؤمنين، ومُلتزمين حقّ الالتزام بموجبات إيمانهم: (صلاة الجماعة، وجود المسجد في المصنع، الدرس الدينيّ الأخلاقيّ اليوميّ،..).
- وكانوا جميعاً يعرفون المعنى الحقيقيّ للأخلاق الإسلامية العملية: أمانة، وصدق، وقوّة، وإخلاص، وصبر، ويقين، وتَوكُّل، واستقامة، وإحساس برقابة اللّه سبحانه وتعالى، وتعاون على تحقيق هدفٍ واحدٍ مُوَحَّد.. وماشابه.
- وأهمّ ما في الأمر، أنهم كانوا يعملون لتحقيق أهدافٍ آمنوا بها: وهي توفير الأموال للفقراء والمحتاجين، وللأعمال السامية النبيلة في سبيل اللّه.
- وكان من المهمّ أيضاً، أنّهم كانوا يعملون لوجه اللّه عزّ وجلّ وحده، وينتظرون ثوابه مهما كانت النتائج.
إنّها الصفات الإيمانية التي كان لها الدور الكبير في تحقيق هذا الإنجاز، فعملت على ظهوره بأفضل صورةٍ ممكنة، عن طريق تحقيق أفضل الشروط لإنجاز الأعمال مهما كانت كبيرة.
وإنّه الإيمان الذي يفعل فعله القويّ، الذي بدونه ستبقى هناك ثغرات في النفس الإنسانية، تنفذ منها السلبيات، فتنال من الروح المعنوية لهذه النفس البشرية، وبالتالي تُخفض من درجة إنجازها ورُقيِّه.
* * *
-يتبع إن شاء الله.
يوم الأربعاء في 31 من أيار 2023م.
وسوم: العدد 1034