عظمة هواري بومدين في استرجاع جسد سيّدنا الأمير عبد القادر
مقدمة القارىء المتتبّع:
كتب صديقنا منير مانع على صفحته: "وفور وصول الأمير عبد القادر إلى دمشق توجّه مباشرة إلى ضريح الشيخ الأكبر الإمام ابن عربي الحاتمي (...)[1]".
عقّب قارىء جزائري وبالحرف: "وأوصى بدفنه بجانب أبيه الروحي لكن النظام البومديني شاء غير ذلك. الاستبداد يحتاج لأصنام حتى و ان كان لا يعبدها".
أقول: قرأت الكثير -فيما أزعم- عن سيّدنا الأمير عبد القادر رحمة الله ورضوان الله عليه ومن طرف أبنائه، وأحفاده، وأعدائه، ومنافسيه، والمعجبين به. ومن جزائريين، وعرب، وفرنسيين، وغربيين ولا أعرف -فيما أذكر، ولغاية هذه الأسطر- أنّ سيّدنا الأمير عبد القادر أوصى أن لايدفن في الجزائر.
ليس من مقاصد المقال إثبات الوصية، أو نفيها.
لماذا لم يدفن سيّدنا الأمير عبد القادر بالجزائر؟
ماأجزم به أنّ المجرم نابليون حين أطلق سراح سيّدنا الأمير عبد القادر من سجن لامبواز بفرنسا، اشترط عليه أن لايعود لمحاربة فرنسا المجرمة، وتعهد سيّدنا الأمير عبد القادر أن لايعود لمحاربة فرنسا المحتلّة، وظلّ وفيا لعهده إلى أن لقي ربّه[2]. وأبقى الاحتلال الفرنسي إخوة سيّدنا الأمير عبد القادر رهينة في حالة ماإذا حاول العودة للجزائر، ومحاربة فرنسا المحتلّة من جديد[3].
يفهم من هذا الشرط، والتّهديد أن لايدفن سيّدنا الأمير عبد القادر في الجزائر مادام الاحتلال الفرنسي للجزائر قائما، ولو سعى سيّدنا الأمير عبد القادر إلى ذلك. والسّبب في ذلك أنّ الاستدمار الفرنسي كان يخاف سيّدنا الأمير عبد القادر حيّا، وميتا كما كان يخافه وهو في سجن لامبواز بفرنسا.
تعظيم الرئيس هواري بومدين لسيّدنا الأمير عبد القادر أثناء الثّورة الجزائرية:
قال الأستاذ حميد عبد القادر في كتابه، وحسب ترجمتي[4]: "كان مقرّ قيادة هيئة الأركان بقيادة بومدين يضم صورة سيّدنا الأمير عبد القادر. ومكتوب على الجدران: "استرجاع السيادة الوطنية ماهو إلاّ مرحلة، والثورة هي الهدف"، صفحة 70
وذكرت في مقال[5] الأسباب التي دفعت الرئيس هواري بومدين لوضع صورة سيّدنا الأمير عبد القادر في مكتبه أيّام الثّورة الجزائرية، لمن أراد الزيادة.
منطق الدولة مقدّم على عاطفة الفرد:
مايجب التأكيد عليه أنّ الرئيس هواري بومدين رجل دولة، وتعامل مع سيّدنا الأمير عبد القادر من كونه رجل دولة[6].
أحسن الرئيس هواري بومدين حين أعاد جسد سيّدنا الأمير عبد القادر لموطنه الجزائر الذي أفنى زهرة شبابه، وأيّامه في الدفاع عنه رغم إغراءات الاحتلال الفرنسي، وتهديدات فرنسا المجرمة له. وأحسن حين أقام له جنازة رسمية مهيبة.
مايعني أنّ تعظيم الرئيس هواري بومدين لسيّدنا الأمير عبد القادر ليس وليد الرئاسة، والحكم بل هو من عهد الثّورة الجزائرية، وما قبلها حين كان في عزّ شبابه ويتّخذه مثالا في الشجاعة، و قدوة في محاربة المحتلّ الفرنسي، وكلّ محتلّ".
وسلوك الرئيس هواري بومدين مظهر من مظاهر القوّة، والعظمة، والحضارة.
خيانة آيت حمودة:
سبق لآيت حمودة أن حارب الرئيس هواري بومدين لاسترجاعه الجسد الشريف لسيّدنا الأمير عبد القادر، حين قال: " كيف لبومدين أن يسترجع رفاة الأمير عبد القادر وهو الذي خان واستسلم ! وأضاف: أنا ضدّ أن يبقى الأمير عبد القادر في مقبرة العالية، وضدّ أن يبقى قبره يعلو الجميع".
كتبت أردّ على جريمته، وخيانته عبر مقال لمن أراد الزيادة[7].
عظمة سورية في استضافة سيّدنا الأمير عبد ىالقادر حيّا، وميتا:
كانت سورية الحبيبة، وما زالت، وتظلّ عظيمة حين استضافت سيّدنا الأمير عبد القادر حيّا، وميتا، وأكرمته، وأحسنت مثواه، وأنزلته منزلة الكبار، والعظماء التي تليق بمقامه الرّفيع.
وكانت وفيّة لعهدها حين أعادت جسد سيّدنا الأمير عبد القادر الشريف إلى الجزائر، والجزائريين معزّزا، ومكرّما وبما يليق بمقامه العظيم.
لبّت سورية العظيمة طلب الجزائر، والرئيس هواري بومدين بسرعة فائقة، ودون شروط في استرجاع سيّدنا الأمير عبد القادر ولم ترفض بزعم "أنّ أوصى بدفنه في سورية؟ !".
هذا الموقف العظيم لسورية الحبيبة يحسب لها، ويضاف لماضيها المجيد، وعظمتها، وحضارتها العريقة الرّاسخة.
تظلّ الجزائري أبد الدهر تثني على سورية الحبيبة في استضافة سيّدنا الأمير عبد القادر، وكرم وحسن الضيافة، والوفاء بالعهد، وأداء الأمانة إلى أصحابها كاملة غير ناقصة.
[1] "تحفة الزّائر في مآثر الأمير عبد القادر وأخبار الجزائر" لمحمد بن الأمير عبد القادر، الجزء الثاني، دار الوعي، رويبة، الجزائر، عني به الأستاذ داوود بخاري والأستاذ رابح قادري، الطبعة الثانية، 1436 هـ - 2015، من 613 صفحة، صفحة 108.
[2] للزيادة فيما يخصّ وفاء سيّدنا الأمير عبد القادر، راجع من فضلك مقالنا بعنوان: الوفاء بالعهد لدى الأمير عبد القادر – معمر حبار
وبتاريخ: الثلاثاء 13 شوال 1442 هـ الموافق لـ 25 ماي 2021.
[3] للزيادة راجع من فضلك كتاب: "سيرة الأمير عبد القادر، تأليف أخيه الأمير بن أحمد بن محي الدين الحسني الجزائري، مستخرج من مخطوط كتاب: تعطير الشام في محاسن تعطير دمشق الشام للشيخ جمال الدين القاسمي"، مؤسّسة الأمير عبد القادر الجزائري، 14442ه-2020، من 194 صفحة.
[4] Hamid Abdelkader "Houari Boumediene, Un homme, une rėvolution 1954-1962", CHIHAB ĖDITION, Algėrie, décembre 2012, Alger, Algérie, Contient 126 Pages.
[5] راجع من فضلك مقالنا بعنوان: هواري بومدين وصورة الأمير عبد القادر- معمر حبار
وبتاريخ: الأربعاء 6 شوال 1444 هـ، الموافق لـ 26 أفريل 2023
[6] للزيادة، راجع من فضلك مقالنا بعنوان: الرئيس هواري بومدين بومدين.. رجل دولة، وأقام دولة – معمر حبار
وبتاريخ: الأحد 20 ذو القعدة 1443 هـ، الموافق لـ: 19 جوان 2022
[7] مقالنا بعنوان: الثلاثاء 12 ذو القعدة 1442 هـ الموافق لـ 22 جوان 2021
جرائم نورالدين آيت حمودة في حقّ سيّدنا الأمير عبد القادر – معمر حبار
وسوم: العدد 1036