الشعب الليبي على العهد عروبةً وحباً لفلسطين

انبسطت على قلبي سحابة غم ثقيلة سوداء حين قرأت نبأ اجتماع نجلاء المنقوش وزيرة خارجية ليبيا مع إيلي كوهين وزير خارجية إسرائيل ؛  في إيطاليا ، وأن وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني استضاف الاثنين . ومثلما هو مألوف في أخبار التطبيع ، كانت إسرائيل عبر إعلامها أول من كشف حدوث الاجتماع ، وخرجت حكومة طرابلس عن المألوف العربي في هذه الأخبار حيث تصمت الحكومة العربية المعنية صمت القبور ، فلا تنفي ولا تؤكد ، ولا يجرؤ أحد من الشعب على سؤالها . خروج حكومة طرابلس عن المألوف ظهر في مسارعة رئيسها عبد الحميد الدبيبة إلى وقف المنقوش احتياطيا عن العمل ، وإحالتها إلى التحقيق .  رد فعل الحكومة القوي بدا دالا على مفاجأتها بالاجتماع ، وأنه حدث دون إذنها وعلمها ، وتوكيدا لهذه المفاجأة قالت إنه حدث صدفة ، ودام عشر دقائق . ولأن إسرائيل لا "تستر" أحدا ؛ ذكرت هيئة البث الإسرائيلية على لسان مسئولين إسرائيليين  لم تسمهم أن الطرفين اتفقا مسبقا على الإعلان عن الاجتماع ، وهذا يوضح أن حكومة الدبيبة كانت شريكة في الإعداد له والموافقة عليه ، وسيكون لهذا تبعات خطيرة عليها قد تطيح بها . وما ذكرته الهيئة الإسرائيلية يجعل غضب لابيد زعيم المعارضة من الإعلان الإسرائيلي عن الاجتماع لا موجب له . وما زالت الأخبار تترى  حوله  ، وفيها أن المنقوش هربت إلى تركيا ، وإذا صح خبر هروبها فسيضيف إلى حكومة الدبيبة أثقالا وهموما جديدة . سيؤكد السماح لها بالهروب موافقة هذه الحكومة مسبقا على الاجتماع ، وأنها كانت غير جادة في إحالتها  إلى التحقيق . ولم يطل انبساط سحابة الغم الثقيلة السوداء على قلبي . قشعتها عواصف غضب الشعب الليبي على الاجتماع .اندفع طوفانا إلى شوارع المدن الليبية رفضا له . رفعوا العلم الفلسطيني ، وأحرقوا العلم الإسرائيلي . كانوا صادقين تلقائيين في غضبهم . اقتحموا مبنى وزارة الخارجية ، وأضرموا النيران في ليل  الطرقات ، واحتشد بعضهم أمام بيت رئيس الوزراء في حي النوفلين في طرابلس . وقد يطاح به . الشعب الليبي على العهد  عروبة وحبا لفلسطين . لم توهن وفاءه وعزمه وصدقه وحيويته اثنا عشر عاما من الصراعات الداخلية الدموية ،  والتشتيت في أنحاء البلاد وخارجها ، وحكومة في غرب البلاد وحكومة في شرقها ، وكثرة الأيدي الأجنبية الممزقة لوحدة البلاد . كيف اختزن الشعب الليبي كل هذه القوة  في الثقة بالذات وبعروبة الانتماء ؟! كيف لم يهوِ أسيرا صريعا لخرافة ربيع التطبيع التي هوى في قعر ظلمتها السحيق كثير من العرب والمسلمين الرسميين ؟! كلهم ظامئون للمسة رضا وحب من إسرائيل ، وكلهم يتخذونها معبرا سالكا   لرضا  أميركا وحبها العصيين على نيلهم مباشرة رغم  خضوعهم لها وإفادتها الكبيرة المتنوعة منهم سياسة وأمنا وتجارة واقتصادا . هل نقول إنه تراث  معمر القذافي الناري في حب العروبة ودرتها فلسطين ؟! في هذا شي من صواب ، لكن نضيف إليه  القول إنها عظمة الشعب الليبي الفطرية الطالعة انبثاقا  من شعوره الإسلامي العروبي العميق ، ومعمر في البداية والخاتمة رمز من رموز هذا الشعور . إنهم أحفاد المجاهد العظيم عمر المختار الذي استشهد ذودا عن تراب ليبيا وحرية شعبها . " عمر المختار"  الاسم الذي يردده أهل غزة مئات المرات يوميا لكونه اسما للشارع الرئيسي فيها امتدادا من الشجاعية في الشرق ووصولا إلى شاطىء البحر في الغرب . وسارع  وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي  

كوهين إلى الإفادة من الاجتماع ، فطلب من المنقوش حماية ما في ليبيا من قبور يهودية ، وللمناسبة ، اليهود يهتمون  بالقبور أشد من اهتمامهم بكنس عبادتهم . هل لهذا الاهتمام صلة بعيشهم قديما في مصر الفرعونية التي أولت القبور عناية عظمى حتى ليسمي بعض الكتاب ، ومنهم أحمد حسن الزيات ،  الحضارة المصرية حضارة الموت . وفي الأمل بالإفادة من التطبيع مع ليبيا قال كوهين في اجتماعه مع المنقوش إن : " حجم ليبيا وموقعها الاستراتيجي يمنحان العلاقة معها أهمية كبيرة ، وإمكانات ضخمة لإسرائيل . " . يريد للتطبيع معها أن يكون  مشابها للتطبيع مع المغرب . وتسللت في تضاعيف أخبار الاجتماع عبارة تصف " التراث اليهودي " في ليبيا بالغنى ! أي غنى تراثي ينتجه 70 ألفا في بلد في سعة ليبيا ؛ غادروه تباعا بعد قيام إسرائيل ؟! وفي ما فعله الشعب الليبي الوفي الحر غضبا ورفضا للتطبيع مع عدو الأمة الألد الذي لا يستثني بلدا من بلدانها من شروره ومؤامراته المخربة ؛ قدوة مثلى ساطعة  للعرب والمسلمين . الشعوب العربية كلها لا تريد أي  مسالمة لهذا العدو  . البلاء الكبير الداهي في الأنظمة . وفي دبي ، هاجم مسافرون عرب في طائرة تهم بالإقلاع الناشط يوسف حداد الذي دخل البلاد لبث دعاية تجمل صورة إسرائيل القبيحة ،  وهو جندي احتياط في لواء جولاني . إسرائيل والغرب والمطبعون العرب لن يبتعدوا عن القلعة الليبية العروبية الفلسطينية ، وسيوالون الهجوم على خنادقها وأسوارها تهيئة لاقتحامها ، وكثير منهم موجود في داخلها يمهد للاقتحام . وعلى كل القلاع العربية والإسلامية أن تتوحد وتتقوى ببعضها بعضا ، فالأعداء يصرون على اقتحامها كلها ، وإذا توحدت قهرتهم وسلمت ، وإذا تفرقت اقتحموها واحدة تلو الأخرى وأهلكوا من فيها .  

وسوم: العدد 1047