أخرجوا الشعوب العربية من هذا الجحيم
يا له من جحيم ذلك الذي تعيشه الشعوب العربية، فهم وحدهم القابعون تحت الظلم والقهر والاستبداد، وهم على الأرجح الفارون واللاجئون إلى شتات الأرض، هم القاتل والمقتول، هم الشاكون من الفقر والعوز، هم الغارقون في بحار الأرض طلبا للنجاة، وهن ثكالى الأزواج والآباء والأبناء، هن الزائرات المحتشدات حول السجون والمستشفيات أو داخلها، وهن المغتصبات دون أن يغضب لهن أحد.
كل شيء في العالم يتغير إلا أخبار فواجع العرب، فهي المقرر الثابت في نشرات أخبار العالم رغم أنهم الشعوب التي امتلكت كل مقومات الرفاهية والسعادة، فالأرض تنضح بالثروات والمعادن، والجغرافية تتوسط العالم وتطل على كل منافذه، والتراث عريق يدين له ربع العالم بالعرفان والجميل، والدين يأمر بالعدل والإحسان والشورى، ويعتبر أن قتل النفس البشرية دون ذنب أشدّ حرمة من هدم الكعبة التي هي أعظم مقدساته حجرا حجرا.
طبعا العالم لا يخلو من الحروب والنزاعات بين الدول، أو بين أبناء البلد الواحد انطلاقا من اختلافات دينية أو قومية أو ثقافية أو اقتصادية، لكن من المعجز أن تجد في بلداننا العربية سببا جوهريا يجتمع عليه الناس للتسبب في كل هذه الصراعات الناشبة داخل أقطاره، أو حتى بين كل قطر وآخر، خاصة أنه اجتمعت فيهم جميعا كل عوامل الوحدة المعروفة التي نادرا ما تجتمع في شعوب غيرهم مثل وحدة الجنس واللغة والثقافة والتاريخ والدين والمصير المشترك، والسؤال لماذا إذن كل هذا التشرذم؟
مرض عضال
الإجابة واضحة يدركها أغلب الناس لكنهم للأسف ينقسمون حولها إلى ثلاثة فرق؛ فمنهم من يجهر بها فيتحمل أعاصير الغضب التي ستهب عليه ليصبح إما قتيلا أو سجينا أو لاجئا أو شبه إنسان يعيش في شبه وطن، ومنهم من “يتحوط” خشية قولها فيصبح كشيطان أخرس، ومنهم من يتاجر بها بحثا عن الرضا السامي ومعه قليل من متاع زائل، وهي أن بلادنا ابتُليت عمدا بداء الاستبداد الذي من طول التعايش معه اعتقد الكثيرون من هؤلاء “المتحوطين” أنه من طبائع الأشياء.
انظر حولك في غالبية أقطار العرب الحزينة، فستجد أنه لا دواعي منطقية لتلك الدماء التي تراق والدموع التي تسكب، والسجون التي تحل محل الجنائن والحدائق، يكفي فقط أن يذهب شخص واحد أو بضعة أشخاص ليعيش بعدهم الملايين في سكينة وسلام، لكن للأسف ما يحدث في بلادنا العكس تماما، يرحل الملايين أو يموتون أو يقبعون في دهاليز البؤس والتعاسة والسجون من أجل أن يبقى الشخص الواحد وجوقته.
الأمر بسيط للغاية، في السودان مثلا يكفي أن يتم تنحية قادة الصراع جانبا، وهم بضعة أشخاص، ثم يجلس السودانيون جميعا ليقرروا شكل الحكم بناء على قواعد الديمقراطية فتحل أزمة السودان في يوم واحد، وفي ليبيا ما إن يرحل قادة الانقسام حتى نجد بعدها الليبيين يعودون إلى لحمتهم الطبيعية، والأمر يسري في العراق واليمن والصومال وتونس ومصر وغيرها من بلاد العرب المنكوبة بنظام حكم “الريموت كونترول”.
حكم الأقلية
بثقة تستطيع كتابة عنوان عريض لنظم الحكم في أغلب بلداننا هو حكم الأقلية، وأنها في الغالب هي نتاج تحكمات خارجية، تجعلها تعيش معظم الوقت صداما محتدما مع أغلبيتها في الداخل نظرا للتنافر الكبير بين مصالحهما، فهذا يسدد فاتورة من جاؤوا به إلى السلطة ومن يمكنهم الإطاحة به متى شاؤوا، والآخر يسعى خلف حقه الأدبي المشروع في حكم الأغلبية.
ومن المدهش أن ظاهرة استبداد الأقلية لدينا انتقلت من الاستحواذ على السلطة إلى الاستحواذ على ثقافة المجتمع برمته وحياته الثقافية، حيث تجد أن الإعلام الرسمي وشبه الرسمي في مصر مثلا منحاز دائما للأقلية الفكرية الرافضة للحجاب، وتلك التي تنفر من عروبة البلاد، والكارهة للغة العربية، والناقدة للإسلام، والمهاجمة لطقوس الأغلبية خاصة تلك التي تعزز انتماءها الديني أو الثقافي أو القومي.
والعجيب أنه بدلا من العمل على إقناع الأقلية بحق الاختلاف وحق الأغلبية في تقرير المصير، وأنه ليس اضطهادا أبدا للأقلية أن يؤمن غيرهم بغير ما يؤمنون به من ثقافة وسلوك، وحقهم أن يعتزوا بتراثهم الحضاري والفكري والديني؛ نجد دائما هناك من يدعو الأغلبية إلى أن تغير كل ذلك، وينكر عليها حقها في قيادة المجتمع الذي تعيش فيه وتمثل نواته الصلبة.
في الواقع أن مجتمعاتنا مأزومة ولا سبيل صادقا للخروج مما هي فيه من جحيم إلا عبر قواعد الديمقراطية، تماما كما فعلت الشعوب الغربية؛ فخرجت من عصور الظلام إلى عصور النهضة.
فهل نفعلها ذات يوم؟
وسوم: العدد 1048