يقترب زلزال التطبيع السعودي الإسرائيلي مسرعا . وما أسهل أن تستجيب أميركا للشروط الثلاثة التي حددتها الرياض لهذا التطبيع .كل شيء يمكن الاتفاق عليه بين الدول الثلاث أميركا وبلاد الحرمين وإسرائيل ، ثمنا للتطبيع الذي سيكون زلزالا تاريخيا يقلب كل المعادلات في المنطقة ، وينفذ تأثيره إلى بقاع عديدة في العالم . أما الشرط الجانبي الذي تطالب فيه الرياض بمنح شيء للفلسطينيين ، وتسميه أحيانا تسمية غامضة مرتجفة " دولة " ، فما هو بأكثر من ضريبة كلام مثلما يصفه مسئول إسرائيلي . والرياض قالت مع اقتراب زلزال التطبيع إنها ستمضي فيه ، ولن تجعل الفلسطينيين عائقا له متوافقة مع نتنياهو الذي قال إنه محظور منح الفلسطينيين حق النقض على التطبيع بين الدول العربية وإسرائيل ، وفي باله بلاد الحرمين . والالتزامات التي يشاع أن الرياض تطالب بها إسرائيل نحو الفلسطينيين ستتظاهر إسرائيل كلاميا تظاهرا غامضا بالموافقة عليها ، فالمهم الفوز الآن بتوقيع اتفاق التطبيع ، وبعده تلعب مع الفلسطينيين لعبتها التي لا تتخلى عنها إذا طمعت في كسب شيء منهم أو من أي دولة عربية ، وهو الوعد بأمور لا صلة لها بالأرض أو الحقوق السياسية ، ويسهل وقفها فورا عند أي خلاف معهم أو بدونه . ودائما تسمي هذه الأمور تسهيلات قد تكون في التنقل ، أو إدخال بضائع معينة إلى غزة كانت ممنوعة ، أو إدخال عمال من غزة للعمل فيها . ومن الالتزامات التي تطالب بها الرياض إسرائيل : نقل بعض الأراضي التي تسيطر عليها في الضفة إلى السلطة الفلسطينية ، وهذا في المنطقة ج ، والحد من النشاط الاستيطاني ، ووقف أي خطوات لضم أجزاء من الضفة . وستعد إسرائيل مؤقتا بالاستجابة للالتزامات المطلوبة وعدا غامضا لا إلزام ولا قانونية محددة فيه ، ولن تنفذ أي وعد ، ومن سيحاسبها ؟ أما وعد الرياض باستئناف المساعدة المالية للسلطة التي توقفت عن دفعها في 2016 ، فمشروطة بردع السلطة للمقاومة الفلسطينية والقضاء عليها ، وهذا هدف إسرائيلي كبير . وواضح أن الرياض لم تطالب إسرائيل بأي التزام نحو غزة مثل رفع الحصار أو تخفيف تشدده . والواقع المشهود أن الرياض ليست لديها صورة دقيقة عن الأحوال في فلسطين ، ولا تهتم بها اهتماما صادقا جادا إلا بقدر تماسها بمصالحها أحيانا تماسا لا تريده .وكل ما تبثه الآن هدفه التمهيد لتطبيعها رسميا مع إسرائيل ، وتسويغه لمن يستنكره . وله قيمته وإشارته ألا يوافق على هذا التطبيع من شباب بلاد الحرمين وفق استطلاع جديد سوى 2% . وفي الدوائر السياسية والأمنية والإعلامية في إسرائيل من يدركون إدراكا يقينيا أن التطبيع مع الدول العربية لن يزيح عن صدر كيانهم ثقل القضية الفلسطينية ، وأنها باقية شوكة حادة قاسية في حلق هذا الكيان . وفي منحى مضاد نرى أن تطبيع الأنظمة العربية المبتورة الصلة برغبة شعوبها الرافضة لهذا التطبيع والمستنكرة له لن يأتيها بالأمان الذي ترتجيه لنفسها من أميركا وإسرائيل . الأمان الحق الراسخ يأتي من مطاوعة رغبة هذه الشعوب التي تعلم علما مستيقنا لا شبهة ولا ريبة فيه أن أميركا وإسرائيل عدوان متغولان للعرب والمسلمين ، وأن من اغتصب فلسطين يغتصب الأوطان العربية والإسلامية بأسلوب أو بآخر ، وأحد آيات هذا الاغتصاب تلهف الرياض وتحمسها للتطبيع مع إسرائيل ، ولو أرادت خلافه ما استطاعت . الأنظمة زائلة حائلة مهما امتد أجلها ، والأوطان باقية بشعوبها بحال من القوة أو حال من الضعف أو بخليط من الحالين ، وأكبر وأجلى آيات هذه الحقيقة المنبثقة من الأزل والمنطلقة صوب الأبد الشعب الفلسطيني الذي ما فتىء في وطنه يقاتل مغتصبه ويزعزع عيشته رغم قوته المادية الكبيرة المتنوعة . إنه المغتصب الأحمق الذي ضلل نفسه زاعما خلو الوطن الفلسطيني من أهله ، وما زال يوالي تضليله لها بتجاهل هذا الشعب وحقه في الحرية والأمن والكرامة وتقرير المصير التي يخص المغتصب بها نفسه كأنه الوحيد في فلسطين ، ويصنع من فوق رأس الشعب الفلسطيني علاقات طبيعية مع أنظمة تقاسمه تفوقه في وهنه على بيت العنكبوت . إنها بيوت عنكبوت تتساند وتتعاضد في جبهة واحدة . ودائما رب خير في شر لا نريده ، وهذا ما يقرره رب العزة _ جل في علاه _ : " وعسى أن تكرهوا شيئاَ وهو خير لكم " ( البقرة : 216 ) ، و " جزى الله الشدائد كل خير = عرفت بها عدوي من صديقي " في رأي الإمام الشافعي _ رضي الله عنه _ . إنه لا يغضب ولا يستاء من الشدائد القاسيات المضنيات ، بل يراها وسيلته لتمييز أعدائه من أصدقائه . الأعداء يضرونه ويخذلونه ، والأصدقاء ينفعونه وينصرونه ، وترتيبا تستأهل الشدائد دعاءه لها بكل الخير ، وهذه حال الشعب الفلسطيني الذي ينتسب إليه الإمام العظيم ، وحال الشعب العربي والإسلامي مع محبي إسرائيل من الأنظمة العربية والإسلامية .