المشهد الفلسطيني تغير إلى الأبد
المؤكد أن المشهد الفلسطيني لا يُمكن أن يعود إلى ما كان عليه قبل السابع من أكتوبر 2023، حيث إن قواعد الاشتباك في المنطقة تغيرت وشكلُ الصراع بين الفلسطينيين والاحتلال تغير إلى الأبد. ما يحدث في الأراضي الفلسطينية، وفي جنوب لبنان حالياً يؤكد أن المنطقة دخلت مرحلة جديدة وبدأت عصراً مختلفاً عن السابق، فلا الفصائل الفلسطينية باقية على حالها، ولا إسرائيل كذلك، ولا القواعد التي تحكم العلاقات بينهما ستظل على حالها، ولذلك فإن المشهد الفلسطيني سيتغير – أو تغير بالفعل – إلى الأبد بعد عملية «طوفان الأقصى» التي نفذتها حركة حماس والحرب الإسرائيلية التي تشهدها غزة حالياً.
عملية «طوفان الأقصى» والحرب الإسرائيلية اللاحقة لها على غزة، تشكلان محطة فاصلة في التاريخ الفلسطيني، والتحول الحالي لا يقل من حيث الحجم والأهمية عن انتفاضة الأقصى في عام 2000، وهذه الأيام لها ما بعدها، ونستطيع أن نقول بأن أهم ملامح التحول في المشهد الفلسطيني هي كالتالي:
تحقيق الأمن والرخاء في الأراضي الفلسطينية يتحقق بتسوية شاملة تضمن للجميع حقوقه وتُشعر الفلسطيني بأنه أصبح يعيش في دولته المستقلة التي تحافظ على كرامته وحقوقه
*أولاً: الأحداث الحالية أعادت القضية الفلسطينية إلى واجهة الاهتمام على مستوى العالم بأكمله، وليس فقط في منطقة الشرق الأوسط، ولذلك نجد أن كل قادة الدول الكبرى في حالة استنفار منذ يوم السابع من أكتوبر، ويجري البحث على مستوى العالم وليس على المستوى الإسرائيلي في كيفية التعامل مع الوضع الراهن وهذه التطورات الدراماتيكية الكبرى، وهذا أيضاً ما يُفسر التأخر في العملية البرية التي يعتزم الإسرائيليون تنفيذها في القطاع، بل التردد أيضاً في هذه العملية، إذ لا يوجد إجماع بشأن جدوى هذه العملية، لا داخل إسرائيل، ولا في أوساط حلفاء الإسرائيليين الذين يدرسون الموقف ويخشون من مستنقع قد يغرق فيه الجيش الإسرائيلي لسنوات. *ثانياً: الأحداث الراهنة أثبتت للجميع أن القوة وحدها لا يُمكنها تحقيق الأمن لمن يمتلكها، فالقوة القاهرة التي يتمتع بها الإسرائيليون لم تضمن لهم الأمن حتى الآن، والحروب السابقة العنيفة التي استخدمت فيها إسرائيل سياسة الأرض المحروقة، لم تنجح في إخضاع الفلسطينيين، وهذا يعيدنا إلى المربع الأساس وهو أن العملية السياسية المعطلة منذ عام ألفين (منذ انتهاء مؤتمر كامب ديفيد الثاني في يوليو 2000)، ما زالت تنتج مزيداً من اليأس والإحباط لدى الفلسطينيين، ولا يُمكن أن ينتهي هذا الحال إلا بإعطاء الفلسطينيين حقوقهم، وتمكينهم من إقامة دولتهم المستقلة، والتوقف عن العدوان المستمر عليهم، سواء بالقتل اليومي أو بالحصار المستمر المفروض على القطاع.
*ثالثاً: لدى القوى الفلسطينية اليوم من القوة ما أصبح يجعلها قادرة على «المبادرة»، وهذا ظهر منذ عام 2021 عندما بادرت المقاومة في غزة إلى معركة «سيف القدس»، وعلى الرغم من الحرب المدمرة التي شنتها إسرائيل في ذلك الحين، إلا أن النتيجة التي انتهت اليها تلك الحرب هي أن لدى الفلسطينيين القدرة على الردع وعلى الرد، وأن المعادلة الجديدة هي أن فلسطين وحدة واحدة وجبهة واحدة لا تتجزأ، وإن أي اعتداء يستهدف الضفة أو القدس فإنه من الممكن أن يأتي الرد من غزة.
*رابعاً: وهنا الأهم، وهو أن الفصائل الفلسطينية قالت في السابق وأرادت التأكيد مجدداً على أن ثمة خطوطا حمرا لا يُسمح للاحتلال بأن يتجاوزها، وأهم هذه الخطوط الحمر هو المسجد الأقصى المبارك، إذ أن الاعتداءات المستمرة والمتكررة على الحرم الشريف في القدس تؤدي إلى إشعال حالة كبيرة من الغضب في الأوساط الفلسطينية، وهذا الغضب سرعان ما تتم ترجمته إلى هجمات مسلحة على غرار «طوفان الأقصى». ولذلك فإن أي تسوية مقبلة يجب أن يوضع في مقدمتها القدس الشريف والأقصى المبارك، لأنه مفتاح السلام في المنطقة.
والخلاصة هو أن المشهد الفلسطيني يدخل مرحلة جديدة بالكامل، والعودة إلى ما قبل السابع من أكتوبر يبدو الآن مستحيلاً، والتحرك العالمي حيال ما يجري أمر مهم، لكن الأهم هو أن يُدرك الجميع، سواء أكانوا الاسرائيليين أو العرب أو الدول الغربية الكبرى، أن تحقيق الأمن والرخاء في الأراضي الفلسطينية لا يُمكن أن يتم للطرف الأقوى دون غيره، ولا يُمكن أن يتحقق بالقوة القاهرة ولا بالمجازر ولا بالقتل والدماء، وإنما يتحقق بتسوية شاملة تضمن للجميع حقوقه وتُشعر الفلسطيني بأنه أصبح يعيش في دولته المستقلة التي تحافظ على كرامته وحقوقه.
وسوم: العدد 1054