يُحرِّمون علينا قتل الكلاب ويُحللون قتلهم للبشر!
في الوقت الذي يُباد فيه الشعب الفلسطيني باستعمال كل وسائل الدمار، تطلُع علينا إحدى الجرائد الإلكترونية الواسعة الانتشار بمقال تحت عنوان "الداخلية تكشف ميزانية محاربة ظاهرة الكلاب والقطط الضالة في شوارع المغرب" وهو المقال الذي أورد فيه صاحبه مجموعة من المعطيات والأرقام المتعلقة بالقطط والكلاب الضالة، أذكر منها ما يلي:
- اعتبار تقرير لوزارة الداخلية أن داء السُّعار من بين أهم الأمراض الفتاكة التي تنقلها هذه الحيوانات، إذ يؤدي سنويا إلى وفاة ما بين 20 إلى 30 حالة عند الإنسان، و300 حالة عند الحيوانات.
- رصد وزارة الداخلية خلال سنة 2023 غلافا ماليا ناهز 34.5 مليون درهم من أجل مواكبة بعض الجماعات الترابية لبناء وتجهيز محاجز للحيوانات، ولإجراء عمليات التعقيم، وحوالي 8 ماليين درهم لاقتناء معدات وآليات لجمع الكلاب، بالإضافة إلى تخصيص مبلغ 40 مليون درهم لتمويل اقتناء مواد اللقاح والمصل، ووضعها بمختلف مراكز محاربة داء السعار البالغ عددها 672 مركزا.
- اتفاق الأطراف المعنية الممثلة في وزارتي الداخلية والصحة، والمكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية، على تسريع وتيرة تنزيل وتفعيل المقاربة المتعلقة بـ"تعقيم وتلقيح الكلاب الضالة، من خلال إعداد برنامج عمل مندمج سيتم تنفيذه على مدى ثلاث سنوات (2023-2025)، على أن يتواصل تنفيذه بكيفية مستمرة في جميع الجهات إلى غاية تحقيق الأهداف المنشودة". وتجدر الإشارة في هذا الصدد على أنه تم توقيع اتفاقية إطار سنة 2019 برعاية وزارة الداخلية، تحدد وسيلة معالجة ظاهرة الكلاب والقطط الضالة في الإمساك بها وتعقيمها وتلقيحها وإعادتها إلى بيئتها ومنطقتها.
إن من يطلع على فحوى هذا النوع من الاتفاقيات، وعلى الموارد البشرية والمالية المخصصة لتنفيذها، يعتقد أن المسؤولين عندنا قد تمكنوا من تأمين كل ما من شأنه ضمان حياة كريمة للمواطن المغربي، ليكون بذلك انصباب اهتمامهم على حقوق الحيوانات بصفة عامة، والكلاب والقطط الضالة خاصة أمرا بديهيا، لولا أن الواقع البئيس لعدد كبير من المواطنين يفند ذلك، بل ويدفع بكل من خَبُر هذا الواقع إلى الاعتقاد بأن هذه الكلاب والقطط أهم وأولى لدى هؤلاء المسؤولين، من أولئك المحرومين الذين يعانون الضنك والفاقة، التي تحول بينهم وبين توفيرهم للحد الأدنى من أسباب العيش الكريم لهم ولعائلاتهم.
لست أدري إلى أي مدى يمكن اعتبار هذا الاعتقاد صحيحا، خاصة إذا علمنا أن التدابير التي تُتخذ في هذا الصدد لا تتم بمحض إرادة المسؤولين، بقدر ما تُعبِّر عن الاستجابة لإملاءات خارجية، شأنها في ذلك شأن الحريات الفردية، وما يتمخض عنها من انحراف في القيم والأخلاق. ولا شك أن هذا هو السياق العام الذي تشتغل ضمنه جمعيات الرفق بالحيوان المدعومة من قبل الغرب، تحت غطاء الأمم المتحدة والهيئات التابعة لها، والتي تحاول الضغط على المسؤولين الذين يجدون أنفسهم عاجزين من جهة على رفض هذه الإملاءات للأسباب المعروفة لدى الجميع، وعاجزين من جهة أخرى على توفير الوسائل والظروف المناسبة لتجسيد المطلوب منهم بكيفية محكمة، وهو ما تؤكده الأعداد المتزايدة لهذه الحيوانات يوما بعد يوم، وتحيل عليه الاتفاقية الإطار نفسها، ذلك أنه حتى في حالة التمكن من تعقيم هذه الحيوانات وتلقيحها، فإن الاتفاقية تنص على إعادتها إلى بيئتها، بمعنى أن المشكل يبقى قائما من حيث توفير المأوى والمأكل، بالإضافة إلى الإزعاج والأخطار المتعددة التي تمثلها بالنسبة لعدد كبير من المواطنين.
لهذا أقول بأن أولوية المسؤولين ينبغي أن تنصب بالأساس على خدمة الإنسان قبل الحيوان، وهذا لا يعني أني أقر بالإساءة إليها، غير أني لا أرى مانعا من قتلها إذا كانت الضرورة تقتضي ذلك، إعمالا لقاعدة "درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة" مع الالتزام بشرط الإحسان في القتلة، كما هو منصوص عليه في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه: "إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، وليحد أحدكم شفرته، وَلْيُرِحْ ذبيحته". أما الخنوع لإملاءات الغرب الذي يكيل بمكيالين، إن لم أقل بمكاييل حسب مصلحته، بحيث يفرض علينا ما لا يلتزم به هو في عقر داره، بل وينبذه وراء ظهره، فلا يعدو أن يكون نوعا من السذاجة والتبعية العمياء، ولعلنا نجد في مساندته المطلقة للصهيونية الإسرائيلية لإبادة الشعب الفلسطيني، الدليل القاطع على تجسيده للكيل بمكيالين. فماذا يعني دعمَه لإسرائيل بكل ما أوتي من سلاح ومال وإعلام لإفناء غزة وأهلها، قبل أن يأتي الدور على الشعب الفلسطيني بأكمله، ثم يأتي ليطالبنا من خلال الجمعيات الدائرة في فلكه، كما كان الشأن بالنسبة "لشبكة جمعيات حماية الحيوان والتنمية المستدامة (راباد المغرب)، التي أقامت الأرض ولم تقعدها، عندما أدانت بشدة ما أسمته بالأعمال الشنيعة ضد الحيوانات، انطلاقا من بعض الصور التي تم تداولها بخصوص ما وُصف "بأنه سوء معاملة للكلاب الضالة" في المستوصف الجهوي للحيوانات الذي تم إحداثه بغابة المعمورة.
لست أدري ما هي قيم الغرب التي لا زالت تستقطب المنبهرين به، وهو الذي دمر العراق، وسوريا وليبيا، واليمن والسودان، وغيرها من البلدان الإفريقية وهو الذي قدم كل الدعم الممكن لحفنة من الصهاينة الذين دأبوا على اعتماد كل الوسائل اللاأخلاقية واللاإنسانية منذ وطئت أقدامهم النجسة أرض فلسطين في إذلال وإخضاع شعبها الأبي، والذي لم يجدوا من حل معه سوى الإبادة الشاملة، أمام مرأى ومسمع كل العالم، في الوقت الذي يُراد منا الاهتمام بالكلاب الضالة والسكوت على إسرائيل وجرائمها ضد الإنسانية.
في الأخير أقول بأنه إذا وجد سُلَّم لقياس قيمة الذل الذي يعمل الغرب على تجريعنا إياه، فلن تكون أقل من الدرجة القصوى، ومن ثم فإنه يستحيل أن نستعيد عزتنا باتباع أقوام هذه قيمهم، لأنهم بكل بساطة يستاؤون كلما مستنا حسنة، ويفرحون عندما نُصاب بسيئة، مصداقا لقوله تعالى في الآية 120 من سورة آل عمران: ﴿ إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ﴾ وعليه لم يبق لنا من سبيل غير السير على خطى عمر بن الخطاب حين قال:"نحن قوم أعزَّنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزَّة في غيره أذلَّنا الله".
وسوم: العدد 1058