القضية السورية المَنسيّة
بعد أشهر قليلة تدخل سورية عامها الثالث عشر وهي تعيش في أحلك ظلام وأسوأ حال، فقد أجهز سفاحها بشار الأسد على أكثر من مليون مواطن، وغيّب في سجونه ومعتقلاته أكثر من نصف مليون، وهجّر نصف الشعب السوري بين من غادر إلى بلاد الغرب والشرق أو السكن في خيام لا تقي بردا ولا حرا، واستجلب مرتزقة من الروافض ليحلوا في مساكن من هجّر أو نزح، ولتتغير طبيعة البلاد الديمغرافية ولتصبح الأكثرية المسلمة السُنيّة التي تعد (80%) إلى أقلية ضعيفة مضيعة.
ولم يكتف مجرم الحرب الطاغية بشار الأسد باستقدام الروافض، بل عمل على استقدام الروس والإيرانيين؛ ليغتصبوا ثروات البلاد من أهلها ويضعوا أيديهم على أصول وأملاك الدولة السورية المستباحة.
لقد شغلت القضية السورية حيزاً رئيسياً ضمن أولويات المجتمع الدولي والعالم بمختلف منظماته عند انطلاق ثورتها، غير أن ذلك الاهتمام الدولي بدأ يتقلص بصورة ملحوظة ولافتة للنظر، مع مرور الوقت، وهذا الأمر أدى إلى “تمييع القضية السورية”، وحلول قضايا أخرى محلّها على رأس أجندة قضايا المجتمع الدولي والقوى العظمى بالمنطقة والعالم، وهذا الواقع المستجدّ بات يشكّل تهديدا كبيرا على الحراك في سورية ويلقي بظلال قاتمة على المشهد الإنساني فيها.
في بداية الثورة السورية، تفاءل اللاعبون الدوليون، آملين “حلا سلميا للقضية السورية” دعا له مبعوثون أمميون ضمن وساطة دفعت إلى جولات تفاوضية وأخفقت إخفاقاً ذريعا، لاسيما على وقع صراعات اللاعبين الكبار، واستغلال “القضية السورية” من أجل تحقيق مصالح ذاتية في المنطقة، الأمر الذي دفع بالقضية إلى التفاقم، ومن ثمَّ مهّد الطريق إلى خفوت نجمها من قائمة اهتمامات العالم وأولوياته، لحساب قضايا دولية أخرى.
لقد كان تعاطي المجتمع الدولي مع القضية السورية مثاليا في بدايتها، من حيث الاهتمام بشتى التفاصيل ومحاولات تدارك تلك القضية قبل أن تتفاقم، غير أن ذلك الاهتمام تهاوى ومن ثم باتت الصورة الآن واضحة، تنم عن أن الغرب استسلم في تلك القضية، ولم يعد يرى أي حل سياسي لها.
وحدد متابعون عوامل رئيسية دفعت إلى “تمييع القضية السورية” إلى هذا النحو الذي شكّل خطرا بالغا على المشهد في سورية.
ومن تلك العوامل ما يتعلق بخلافات الدول الكبرى، لاسيما المحور الصيني الروسي الإيراني الداعم لنظام مجرم الحرب بشار الأسد، في مواجهة صف من يدعي أنهم أصدقاء سورية، فضلا عن تحول الساحة السورية إلى ساحة للصراعات الدولية المختلفة، مما فوّت أي فرصة للحل في سورية أو الاحتكام للقوانين الدولية.
وكان لبزوغ قضايا أخرى رئيسية تأتي على رأس أجندة أولويات المجتمع الدولي، منها الأزمة الأوكرانية التي شغلت في فترة من الفترات الحيز الأكبر من الاهتمام دوليا، فضلا عن القضية الفلسطينية وقد أخرجتها منظمة حماس من الركود والخمود؛ إلى قضية هزت العالم وأجبرت الصهاينة على الوقوف على رجل واحدة من هول المفاجأة، التي أحدثها مقاومو قطاع غزّة، التي استنزفت متابعات واهتمامات القوى الدولية، شرقه وغربه.
لقد توالت الصدمات والأزمات الإنسانية على الشعب السوري الذي عاش فترات قاسية خلال سنوات عجاف، فمنذ 2011، يعيش السوريون ويلات جرائم مجرم الحرب بشار الأسد، ويكافحون الوباء والزلازل والعقوبات والحصار، كما ويصارعون من أجل الحصول على الخدمات الأساسية كالمياه والكهرباء والصحة.
أسباب عديدة تجعل رؤية السوريين لبلادهم سوداوية ويصفونها بأنها "غير صالحة للحياة البشرية"، كما قيل في مقابلات أجراها بعض السوريين من محافظات مختلفة مع الصحافة ووسائل إعلامية متعددة، فكيف عاش السوريون رغم كل الهزات الارتدادية الإنسانية على مدار سنوات الجرائم التي شنها النظام السفاح الحاكم في دمشق على شعبه، وقد دخلت الذكرى الثالثة عشر لاندلاع الثورة، التي نادت بالتغيير السلمي ووجهت بالحديد والنار والكيماوي والتجويع والتهجير والنزوح وتدمير المدن؛ بما فيها من مرافق ومؤسسات ومدارس ومستشفيات ودور عبادة ومراكز ثقافية وعلمية، حتى عادت سورية ترزح في واقع حال لا يفرح صديق ولا يغيظ عدو.
وسوم: العدد 1064