مصر ومآلات السلام الأمريكي
بررت الدول العربية الموقعة على اتفاقات ابراهام التطبيعية خطواتها بأنها الوسيلة الممكنة لدعم الشعب الفلسطيني، عبر اشتراط تأجيل إسرائيل ضم أجزاء من الضفة الغربية و غور الأردن للكيان المحتل، او عبر الادعاء بأن التطبيع وسيلة لحماية حقوق الشعب الفلسطيني.
ادعاءات سقطت بإعلان نتنياهو وطاقم حكومته رفض ما يسمى بحل الدولتين، ووضع قيود على التعامل مع السلطة في رام الله باعتبارها هيئة تنسيق امني واداري لا اكثر ولا اقل من ذلك.
الادعاء ان التطبيع مفتاح لحل سياسي قديم استخدم بُعيد توقيع اتفاق كامب ديفيد ووادي عربة ومن قبله اوسلو، بحجة انها الوسيلة الوحيدة الضامنة لعودة الأراضي المحتلة ووضع حد للأطماع الصهيونية في الأردن ومصر وفلسطين.
مماطلة الاحتلال الاسرائيلي ومن ورائه الولايات المتحدة الامريكية في تنفيذ بنود الاتفاقات خصوصا اوسلو اكدت حقيقة الاتفاقات التي استهدفت الامن القومي العربي عبر تفكيكه وإفقاده أبعاده العربية، والاهم ان السلام المزعوم لم يمنع اليمين الاسرائيلي من النمو والاندفاع الى الواجهة خلافا لما يجب ان يكون فقتل اسحق رابين وتصاعد الاصوات لتهجير من تبقى من الفلسطينيين وتوسعة الحدود شرقا وجنوبا وشمالا.
عملية طوفان الأقصى عادت وكشفت زيف الادعاءات المتعلقة بمتلازمة السلام الامريكي والتطبيع؛ فالدول المطبعة لم تتمكن من فتح المعابر البرية لإغاثة قطاع غزة على مدى خمسة اشهر، وكثير منها انتظر أدوارا سياسية وامنية يقررها الجانب الاسرائيلي والاميركي في المعركة، ولم تنجح دول التطبيع في منع وردع الاحتلال عن استهداف المدنيين والبنى التحتية، والمنشآت الحيوية كالمدارس والمستشفيات.
قابل الفشل العربي توظيف الاحتلال للتطبيع كغطاء لجرائمه من خلال المناورات السياسية، تارة بالادعاء أن هذه الدول متعاطفه ومتعاونة معه، وتارة بالادعاء انه يتعاون معها لتقديم الدعم الإنساني، كابحاً بذلك جماح الاعتراضات والاحتجاحات الدولية على جرائمه، فالتطبيع تحول لأداة يراهن عليها الاحتلال لتمرير مشاريعه السياسية في قطاع غزة للضغط على المقاومة الفلسطينية ولتبرير جرائمه امام المجتمع الدولي.
"طوفان الاقصى" لم تكشف هزال التطبيع والسلام الاميركي مع الكيان الاسرائيلي، بل كشف وبشكل فاضح خطط الاحتلال لترحيل الفلسطينيين من قطاع غزة إلى مصر وصحراء سيناء، ومن الضفة الغربية الى الاردن، فما كان يسعى لتحقيقه بنعومة وبطء سعى لتحقيقه بسرعة وبخشونة ورعونة.
"طوفان الاقصى" أسقط الادعاء بأن الاتفاقات والتطبيع مع الاحتلال يحد من خطورته، ويقيد من حركته، بل أثبت العكس، فأعظم واكثر الجرائم همجية تلك التي جاءت بعد التطبيع في الضفة وقطاع غزة، واعظم عمليات بناء للمستوطنات والاستيلاء على الضفة والاقصى جاءت بعد التطبيع والسلام الامريكي لا قبله.
ختاماً..
الاحتلال حول اتفاقات السلام والتطبيع لوسيلة ناجعة في عزل الفلسطينيين ومحاصرتهم وابادتهم على مرأى من الدول العربية المطبعة التي قيدت نفسها باتفاقات المستفيد منها الاحتلال الاسرائيلي، الذي استفرد بالفلسطينيين واخترق الامن القومي العربي وشتت الجهد الجماعي والموحد للدول العربية عبر التزامات واتفاقات ثنائية مع الدول العربية لا طائل ولا فائدة حقيقة منها سوى تعميق التبعية الاقتصادية والامنية والسياسية التي كان آخرها تكبيل مصر بمزيد من قيود صندوق النقد وتعاظم اعتمادها على المنح والمساعدات والقروض للحفاظ على تماسكها بعد اعلان الاتحاد الاوروبي نيته تقديم 8 مليارات دولار للقاهرة اليوم الاربعاء، فأربعين عاما من السلام بين مصر والكيان انتهت بمزيد من الاعتماد على المنح والقروض الغربية للبقاء.
وسوم: العدد 1073