كيف نخرج من حالة العجز؟
طوفان الأقصى أظهر ما تحاول الأمة إخفاءه من العجز الفادح على جميع المستويات امتد إلى 56 دولة إسلامية لا وزن لها في الجيوسياسة رغم مئات الملايين من البشر و الكمية الهائلة من الأسلحة المكدسة في ثكناتها، وهذا يفرض على النخبة أن تخرج عن عادة اقتحام الأبواب المشرعة وتنتقل إلى طرح الأسئلة الصعبة وعلى رأسها ما جذور هذا العجز، والغوص في أسبابه بدل الوقوف عند أعراضه.
ما الأسباب؟
- إنه حصاد عقود من العلمنة: حياة يومية ملؤها المسلسلات الفاسدة و الأفلام الخليعة والأغاني الفاحشة في كل البيوت، سيطرة الفن الرخيص على الساحة، كرة الدم أصبحت مخدرا قويا ، الفكاهة تحاصر الجد في القنوات الإذاعية والتلفزيونية.
- التعليم تمّ تحريف مساره لتجفيف منابع التديّن وتغييب معاني القوة والإنجاز والقيم الإسلامية الأصيلة، وتمييع الدين وطمس العقيدة الصحيحة.
- تحييد المسجد تمّ تحييد ليفقد الفاعلية بل تمّ توظيفه لخدمة السلطة الحاكمة، المجتمع الاستهلاكي.
- تأليه الحكام والتأصيل للاستبداد واعتباره منقبة لدى أهل السنة والجماعة !!!
- تزييف التاريخ: بإهالة التراب على صفحات الأمة الزاهية وعلى الأبطال والنماذج الرفيعة وإسلام النشء للنماذج المشوهة مثل "المؤثرين" وقادة الجاهليات والموز المعادية للأمة وقيمها.
- محاربة فكرة الجهاد بحيث غيبت عن المنابر والكتب فصارمن يذكر هذه الكلمة إرهابيا.
- محاربة الصالحين بألف طريقة، اعتقال العلماء والأحرار، التضييق على الدعوة.
- كل هذا أدى إلى إخلاد الجماهر إلى السلبية وسكوتها عما يصيبها من حيف وتجاهل وظلم.
ما الحل؟ الحل يكمن في معالجة هذه الأسباب معالجة علمية دعوية منهجية طويلة المدى ممتدة في العمق، بعيدا عن الشعارات والترقيع والحلول العاطفية ، فقد علَّمونا أن نقول وامُعتصماه ولم يعلمونا أن نكون كالمُعتصم.، وعلَّمونا أن نقول أين صلاح الدين ولم يعلمونا أن نكون مثل صلاح الدي، وعلَّمونا أن نقول وهل فينا عُمر ولم يعلمونا أن نعيد سيرة عمر، أي علمونا الرثاء ولم يعلمونا الإحياء.
بعبارة أوضح يجب علينا التخلص من طريقة ومنهج ورواسب العلمانية التي تحكم حياتنا منذ سقوط الخلافة العثمانية وخاصة منذ استقلال الدول المسلمة ، فالعلمانية لم تحارب الدين والخلاق والأصالة كفاحا بل عمدت إلى شغل المسلمين بأشكال التديّن حتى كاد يضيع جوهره ولبّه وحقيقته وهذه ثغرة تسلل منها الجهل والتطرف وكل أنواع الشرور، فمثلا عندما فشلت الأمّة في جعل القرآن منهج حياة ومصدر نجاة، راحت تحصره في المسابقات والزخرفات والمباهاة بالأصوات ومخارج الحروف وفي التغني بالآيات في الصلوات والمجالس، وهذا ما تريده العلمانية وتشجعه بدر ما تضيق على من يردين العمل بالقرآن واتخاذه دستورا.
ومن أوكد الواجبات لحل أزمة العجز إخراج العلماء من ركن الساكتين الخائفين إلى جبهة الربانيين القائمين بأمر الله، فمن رأى دماء المسلمين مراقةً و سكت أو تكلم في الصلاة و زكاة الفطر والمسح على الجوارب وترك الظلمة يفعلون بالمسلمين الأفاعيل وأعرض وتكلم في غير هذا قافزا على فقه الأولويات وفقه الواقع فهو لا يصلح أن يكون مرشدا للأمة ، العالم هو من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فإن سكت فتلك كارثة فإن نطق بالباطل فهي الحالقة والخيانة لله ورسوله وللأمة، ولذلك العودة بالعلماء إلى ساحة الفعل من أوجب واجبات المرحلة.
إن طوفان الأقصى جسد في الواقع الملموس معاني كنا نقرؤها في القرآن والسنة والكتب مثل كافر، مرتد، منافق، مرجف، ساكت عن الحق، موالاة اليهود والنصارى...في مقابل كل المعاني الرفيعة التي جسدتها غزة وتبتها فيها الأمة، فهل فهمنا المشهد جيدا؟ الخلاص مرتبط بالفوز في معركة الوعي.
وسوم: العدد 1076