كيف نبني بيوتنا الإسلامية ؟
كيف نبني بيوتنا الإسلامية ؟! عمارة البيوت الإسلاميه ليست بتعدد غرفها ، ولا بامتداد البنيان والتطاول فيه ، ولا بتسليحها بالحديد والاسمنت وزخرفتها بالألوان، وتطريزها بأحدث الأشكال الهندسيه وإحاطتها بالحدائق الغناء ، والأسوار المزخرفة الزاهية ، وإضاءة داخلها وخارجها بالمصابيح الكهربائية ، وتأمين الكماليات من وسائل الترفيه في غرفها ومطابخها وفنائها ... وما إلى ذلك. من البهرجة والتفنن التي نلمح صورها في معظم بيوت المسلمين اليوم . ومع أن بعض هذه المظاهر لا مانع من وجودها إذا لم تكن للمباهاة والتعالي على الجيران، باستطالة البناء - بدون إذن الجيران إلا أن العمارة المباركة تحتضن الأسرة التي تعيش فيها بقيم الفطرة التي جعلها المولى تبارك وتعالى لبني آدم منذ أن خلقهم . ولن نرحل عن بحديثنا هذا عن تلك القيم الإنسانية ، وهي ترتقي بسلوك أفراد الأسرة في عيش كريم . والسكن إن كان في قرية أو مدينة ، وإن كان من الحجارة أو الخيام أو في ناطحات السحاب ـ فليس للبناء مهما كان من قيمة ذات أثر في صياغة الحسنات ، ومحو السيئات ، فالإنسان الكافر لو عاش في قصر من ذهب ، وأكل من أفضل الطعام فليس له في الآخرة إلا النار والتبار يوم لاينفع مال ولابنون . فالبيت الشامخ الفاره ، والقصر المنيف، لا بد من الرحيل عنه إلى ظلمة القبر ، ووحشة الموت . فلا يتعالى الإنسان العاقل على خلق الله كبرياء وبطراً بمال أو ثياب أو متاع أو ولد أو منصب أو جاه ، فلا بد من هجرها جميعا وانتقاله إلى الدار الآخره، وهو لا يملك إلا بضعة أمتار من القماش ، يقدمها للدود وللتلف . فهل نفعت القصور أصحابَها وهم غافلون عن المصير ! وهل نفعت المكانة الدنيوية العالية في نظر الناس مَن تسوقهم ملائكة العذاب يضربون وجوههم وأدبارهم !
وهنا تتجلَّى مكانة السكن أو المَسْكَن وهـو البيت ( وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا) ، وهـو كلُّ ما سكنت إليه واستأنست به من الأهل . فالأصل وجود الأسرة أو ساكني البيت ، وعليهم يكون البناء الحقيقي للبيت المسلم ، من خلال ارتباطهم بآداب الإسلام ، والأخذ بأحامه وإرشاداته التي يحفل بها كتاب الله سبحانه وتعالى ، وسًنَّة نبيِّه صلى الله عليه وسلم ، وما جاء من أخبار السِّير والتراجم لبيوتات المسلمين بمختلف الحقب . فالبيت المسلم يتميَّز بوجهه الإسلامي المحافظ على ماورد من توجيهات ربانية ، وإرشادات نبوية . وما من مسلم ولا مسلمة إلا ولديهما علم بما أباح الله ، وبما حرَّم ، وبم تكفل لهم به من فضل في الدنيا والآخرة إذا هم التزموا بمنهج الله الواضح في البيت المسلم .
القيم التربوية الإسلامية الإنسانية تفيض بالرحمة داخل البيت في نفوس ساكنيه ، لأن هدى الله يمنح البيت المسلم السكينة التي تملأ قلوب ساكني البيت و التحلي بها ، وارتداء أثوابها . عن وعي تحفظ على أفراد الأسرة حجسن أخلاقهم وطيب تعاملهم وجميل جيرتهم ، فليس للشيطان أن يعشعش في جنباته ، فلن يكون إلا بيتا إسلاميا ، وفرق واضح بين واقع البيوت الإسلاميه اليوم ، وبين ما كانت عليه، أو ما يجب أن تكون عليه بيوتنا الإسلامية. وهنا تأتي أسئلة عديدة تطرح نفسها وهي مثقلة بالآهات ، موجعة من الجراحات التي خلَّفتها المخدرات و وسائل اللهو ، والغزو المسمى بالتقدم والحضارة المزيفة وما في جعبتها من المنكرات والموبقات ،
ولا مجال لذكر الأسئلة التي ترد يومياً على شفاه المخلصين، والدعاة المؤمنين ، وإجاباتهم التي تتفطر لها القلوب كمدا وإشفاقا على حال مايحدث في بعض الأسر جراء هذه الحضارة المقيتة ، وبضرورة عودة الوجه الإسلامي المشرق إلى بيوت المسلمين ، وأما مانراه اليوم فلا يبشر بخير إلا أن يتدارك الله هذه البيوت برحمته وفضله ، ولعل البيوت التي خرج منها الرجال الذين صدقوا الله في عقيدتم وسلوكهم وعملهم في الحياة ، فهل يخرج من بيوت هذا الزمان أئمة كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، وفاتحون مثل خالد وصلاح الدين ، وعلماء كسعيد بن المسيب والفقهاء الأبرار ، ومجددون لدين الله كالعز بن عبد السلام ؟! سیكون الجواب لا على الاستفهام الذي يدفع إلى أبواب اليأس ، ولكن الجواب محض الدعاء الذي نتضرع به إلى الله أن يبدل ويكون التغيير على منهج دينه العظيم ، وما ذلك على الله ببعيد .
ولو قلبنا صفحات السِّير والتراجم لأيام خلت من مآثر بيوت المسلمين الأولين لوجدناها عامرة بالطاعات عزيزة كريمة متلألئة بأنوار القرب من الله ... لا بالأحجار الصخرية الجميلة ، ولا بالمصابيح الزاهية ، ولا بالفرش الفاخرة المريحة على الأسرة المنمقة ، ولا بوسائل الترفيه والزينة ولا بالتعالي والكبرياء على خلق الله ، ولا بالأخلاق الذميمة ، ولا بالفحش والتبرج والتفلت والسفور ، ولكنها كانت عامرة بالإيمان بالله ، مزينة بالطيبات ، متألقة بتلاوة القرآن الكريم ، فواحة بالباقيات الصالحات مياسة بذكر الله ، ندية مفضلة بدموع التوبة والخشوع والخوف من الله رب العالمين . وكانت مكينة متينة ، أثبت من الجبال الراسيات
رغم أن جدرانها من الطين، وسقفها لا يرتفع أكثر من مترين أو ثلاثة أمتار عن الأرض ، وهكذا كانت بيوتات رسول الله صلى الله عليه وسلم ينال سقفها من يرفع إليها يده وهو واقف ، وكان الوطاء من الحصر أو القش الذي أثر في جنبه عليه الصلاة والسلام ، وهكذا كانت بيوت أصحابه الأبرار والتابعين والصالحين على مر العصور . وقد خرج من تلك البيوت أئمة الدنيا ، وفرسان الفتح الإسلامي، وعلماء الدين والمعارف الإنسانية، وكان منهم الفرسان الذي دكُّوا عروش الظالمين وفتحوا للناس أبواب الرشاد بعد الضلال ، وأفسحوا لهم مرابع الحرية التي يرتع فيها جميع الناس في ظلال الأخوة والمودة والإيثار ، وملأت أرجاء الأرض بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام والحق والخير، في عصور خلت .. وهيهات أن تعود على أهل الأرض مرة أخرى ... إلا أن يشاء الله رب العالمين .
هذه المقارنة لا تعني بحال من الأحوال وجوب هدم قصور الناس وممتلكاتهم ، ولا تضع الحواجز أمام الأخذ بكل ما يجد في البناء، ووضع العراقيل أمام فن الهندسة المعمارية ، ولا منع ما من شأنه يجلب الراحة لساكني البيت من وسائل الحضارة العصرية التي لم تحرّمها شريعة الله، ولكنها مقارنة ... يقف من خلال نوافذها الربانية أهل الإيمان والإسلام ليهدموا الانحراف الذي أصابهم بيد التقوى والعبودية لله وحده ، وليطفئوا نيران الحقد والحسد والظلم والكبرياء التي أكلت ربيع حياتهم ، وليزيلوا ركام الزيف والباطل وآثار الجاهلية من قلوبهم، ويطهروا سيرة أبنائهم التي أطبقت عليها قوى الشر والإفساد من كل حدب وصوب ، ليعودوا إلى الحق المبين ، و العيش الذي ينفي غبش الهوى والهوان ، ليكون البيت الإسلامي واحة ربانية خضراء فيحاء لا ينضب ماؤها ، ولا يصرم عطاؤها ، ويكون كما يريده الله ورسوله عليه الصلاة والسلام سكناً وأمنا ومدرسة ومنطلقا إلى آفاق الخير . إن البيوت إذا دخلها الإسلام حيث كانت قصوراً أو أكواخا يعمرها ساكنوها بطهارة أنفسهم وسمو أرواحهم .
إنَّ الله سبحانه وتعالى هيَّـأ للناس ماتطمئن به نفوسهم ، وأنزل عليهم الأنبياء والرسل ليهدوهم إلى مايعمر تلك البيوت ، (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سكنًا ) 80/ النحل . ليبقى هذا البيت ، وتبقى هذه الأسرة لبِنة قويةٌ في بناء المجتمع الفاضل ، تحت عنوان مافي منهج الله من خير ومزايا عاليات وسجايا ساميات ، في مجتمع ظفر أبناؤه بذات الدين زوجة ، في بلد مبارك ( وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ ) وبيوتات أهله عامرة بأركان الإيمان وأركان الإسلام ، يستقبل المواسم المباركة بشغف واهتمام ، ويحرص الرجال على ليقوى الإخلاص واليقين وليتأسى بهم أهل البيت قال صلى الله عليه وسلم: [َ( صَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ، فَإِنَّ أَفْضَلَ الصَّلاَةِ صَلاَةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلاَّ الْمَكْتُوبَةَ) متفق عليه . وفي البخـــــــــــــــــــاري: ( اجْعَلُوا فِي بُيُوتِكُمْ مِنْ صَلاَتِكُمْ، وَلاَ تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا ) صحيح مسلم ، وتبقى الصلة الروحية قائمة بين أهل هذا البيت المسلم وبين الله سبحانه وتعالى آناء الليل وأطراف النهار ، فهم يقرؤون القرآن ، ويكثرون من ذكر الله ، فهم الأحياء المباركون على وجه الأرض يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ):مَثَلُ الْبَيْتِ الَّذِى يُذْكَرُ اللَّهُ فِيهِ وَالْبَيْتِ الَّذِى لاَ يُذْكَرُ اللَّهُ فِيهِ مَثَلُ الْحَىِّ وَالْمَيِّتِ( . ويحث الرجل أولاده وزوجته للقيام بأنواع الطاعات والقربات ، لينالوا رضوان ربهم ـ جاء عن أم المؤمنين عائِشَةَ رضي الله عنها وأرضاهـا قَالَتْ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّى مِنَ اللَّيْلِ فَإِذَا أَوْتَرَ قَالَ: (قُومِي فَأَوْتِرِي يَا عَائِشَة.( وفي الحديث أيضا: (رَحِمَ اللَّهُ رَجُلاً قَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّى وَأَيْقَظَ امْرَأَتَهُ فَصَلَّتْ فَإِنْ أَبَتْ نَضَحَ فِي وَجْهِهَا الْمَاءَ ورَحِمَ اللَّهُ امْرَأَةً قَامَتْ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّتْ وَأَيْقَظَتْ زَوْجَهَا فَإِنْ أَبَى نَضَحَتْ فِي وَجْهِهِ الْمَاءَ] (رواه أبود داود وغيره .
إضاءة :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ ( . قِيلَ وَمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ ): الَّذِى لاَ يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائقه. (
وسوم: العدد 1079